ما بين الضربة والصفقة…وكمين نتنياهو

أمد/ مختلف وسائل الإعلام تتحدث عن الصفقة والمفاوضات، والغريب في الأمر أن بعضا منها يتحدث بنوع من التفاؤل أحيانا، رغم خطاب نتنياهو الواضح في جلسة الحكومة الإسرائيلية صباح اليوم الأحد 30/3/2025 ، مما يشير إلى ان هناك تناقض بين ما يتم نقله إعلاميا وبين حقيقة توجهات نتنياهو وحكومته.
إسرائيل في ردها على الوسطاء تقدمت بمقترح يتمسك بما طرحه المبعوث الامريكي “ويتكوف” بعد انتهاء المرحلة الأولى من الهدنة بإسبوع والذي يتحدث عن الإفراج عن 11 من الأسرى الأحياء ونصف الجثث، رغم ان نفس المبعوث الأمريكي لاحقا عدله ليصبح خمسة من الاسرى الأحياء وستة من الجثث مقابل هدنة حتى ما بعد عيد الفصح “20/4/2025” دون ربط ذلك بالمرحلة الثانية ونهاية الحرب…حماس بعد تعديل الوسطاء القطريين والمصريين توافق على 5 أسرى احياء و 6 جثث، على أن يتم الإفراج عنهم كل عشرة ايام واحد من الأحياء ، وتكون جزء من المرحلة الثانية ويكون هناك ضمانات بإنهاء الحرب والإنسحاب من غزة
لكن نتنياهو يرى ان الحديث عن نهاية الحرب تكون وفقا للتالي:
أولاـ الإفراج عن كل الرهائن.
ثانيا مغادرة قيادة حماس غزة.
ثالثا نزع سلاح المقاومة.
رابعا سيطرة امنية إسرائيلية على غزة.
خامساـ تطبيق خطة ترامب بما اسموه التهجير الطوعي.
وأي إتفاقية غير ذلك ستؤدي لسقوط الإئتلاف الحكومي وفق مصادر سياسية إسرائيلية
إذا ما هي المتغيرات التي دفعت نتنياهو لكي يعلن شروطه بما يتعلق بنهاية الحرب وبشكل لا يقبل التأويل وبحيث اصبح الحديث عن صفقة تبادل الاسرى بلا جدوى، بل إن المفاوضات تجري وفقا لما يريد “مفاوضات تحت النار وفي ظل ضغط عسكري ودبلوماسي على حماس”، على الرغم من ان الضغط الحقيقي على حماس هم فقط سكان قطاع غزة المدنيين الذين يكتوون بنار الإبادة التي يمارسها نتنياهو
المعطيات الجديدة والتي إرتبطت بمتغيرات متعددة جائت منذ لحظة فوز الرئيس ترامب بالإنتخابات، وإنعكست بشكل واضح دوليا وإقليما وفي الداخل الإسرائيلي، وهي تمحورت حول التالي:
أولا معطى تصريحات الرئيس ترامب حول التهجير و “ريفيرا الشرق الأوسط”، والتي تحولت لسياسة لدى حكومة نتنياهو مدعومه من اقطاب متعددة من إدارة الرئيس ترامب، لدرجة تأسيس قسم خاص في وزارة الدفاع الإسرائيلية وتعيين رئيس قسم لها من أتباع الصهيونية الدينية “مديرية التهجير الطوعي”
ثانيا عودة رئيس حزب “عوتسمات يهوديت” بن غفير بشرط إستمرار الحرب على غزة وتنفيذ خطة الرئيس ترامب
ثالثا شروط نتنياهو لاي نهاية للحرب الموضحة أعلاه تشير بوضوح بأن دون ذلك يعني سقوط حكومة نتنياهو، مما يؤكد أن اي صفقة سيدعمها نتنياهو لن تكون سوى نوع من انواع الإستسلام
رابعا الحرب على الضفة الغربية وتدمير وتجريف مخيماتها وقرارات الإستيطان فيها والتي تحسم طبيعة وضعها السياسي قبل الجغرافي والديمغرافي، تشير بشكل لا يقبل للشك بأن خطة الحكومة اليمينية المتطرفة لتصفية القضية الفلسطينية تأخذ شكل تنفيذي ومتسارع، وهذا يتطلب إستمرار الحرب على غزة والضفة لإنهاء المخطط في فترة الرئيس ترامب
خامسا الوضع الدولي والإقليمي تراجع بشكل كبير واصبح أكثر ملائمة لتنفيذ مخططات نتنياهو وحكومته، مع وجود دعم غير محدود وغير مشروط من قبل إدارة الرئيس ترامب، بل أكثر من ذلك، مع مشاركة هذه الإدارة عمليا في تنفيذ هذه الخطط
سادسا الوضع الداخلي في إسرائيل، والذي جاء بقرارات يحاول من خلالها نتنياهو وإئتلافه إحداث تغيير جذري ليس في هوية الدولة بل في بنيتها ونظامها وبما يؤسس لديكتاتورية الأغلبية عبر الحكومة التنفيذية المستندة لأغلبية تمثيلية في الكنيست، وهذا يشمل “إقالة رئيس الشاباك رونين بار، حجب الثقة عن المستشارة القضائية للحكومة ميارا، تشريع قانون إعادة تشكيل لجنة تعيين القضاة بإعطاء الغالبية فيها للإئتلاف الحكومي، مشروع قانون الحصانة لمنع التحقيق من قبل النيابة العامة مع اي مخالفة لأعضاء الكنيست…الخ”، وهذا بتطلب إبقاء الدولة في حالة أمنية تجعل من ذلك هو الهم الرئيسي للمواطن وليس القضايا الأخرى، اي إبقاء الحروب وبالذات على غزة والضفة دائمة، لأن هذا سيؤدي بجمهور اليمين واليمين المتطرف للبقاء متماسكا في دعم الحكومة
سابعا الحرب الأمريكية على اليمن والتهديد بضرب إيران وعلى لسان الرئيس ترامب، تعطي نتنياهو مجال أكبر للبقاء في مربع الحرب الدائمة دون حلول توافقية، أي الحفاظ على مفهوم الحلول الصفرية التي يعمل عليها نتنياهو، وما يحدث في لبنان وجنوب سوريا أيضا يأتي في هذا السياق
ثامنا معطى الثقة التي يعيشها نتنياهو هذه الأيام بعد إستقرار إئتلاف حكومته لحظة تمرير الميزانية بما يكسبه سنة كاملة دون تهديد من الأحزاب الحريدية بالذات، واستمرار الحرب هي متطلب آخر لبقاء الإئتلاف الحاكم مستقر وثابت
وفقا للمتغيرات أعلاه فإن الواقع في المنطقة يندرج وفق رأي أحد المصادر العربية المطلعة ضمن مفهومي “الضربة والصفقة” وفي غضون الأسابيع القادمة… وبحيث تكون الصفقة على اساس موازين القوى الجديدة التي يراها الامريكي ومن معه في الإقليم بانها لصالح إسرائيل، اي موافقة إيران على تدمير برنامجها النووي وتقييد برنامجها الصاروخي وحصرها دورها في حدود إيران وبما يستدعي ذلك من تطبيق سياسة إنهاء اي شيء إسمه مقاومة في المنطقة، اي نزع سلاح المقاومة وفي مختلف الجبهات، وبما يتعلق بالواقع الفلسطيني تكون الحلول وفقا للواقع المثبت حاليا في الضفة الغربية، أي ما لإسرائيل سيبقى معها، والفلسطيني له فقط ما تبقى ضمن حكم ذاتي وترتيبات امنية برؤيا إسرائيلية محضة، أما قطاع غزة فتكون له إدارة ذاتية برعاية رابطة عربية تقوده وحرية امنية إسرائيلية، أما إذا كان القادم هو الضربة فكل شيء سيعتمد على نتائجها وبما قد يؤدي لتغيير طببعة الصفقة الممكنة التي تعتقد فيها إدارة الرئيس ترامب والمبينة أعلاه، فإذا كانت النتيجة لصالح الحلف الأمريكي الإسرائيلي فنحن سنكون في واقع خطة ترامب للتهجير وبما يشمل الضفة الغربية وبحيث ستنتهي الموانع لذلك ضمن معادلة عدم القدرة على المواجهة، واذا فشل مخطط الضربة فسوف تذهب المنطقة إلى تسويات تمنع التهجير وتصفية القضية الفلسطينية ولكنها ستؤدي لسقوط حكومة نتنياهو والذهاب لتسويات سياسية إقليمية لاحقا
ما بين الضربة والصفقة هناك مسافة فيها ثقوب كبيرة إسرائيلية، تبدأ اولا بالانقسام الداخلي نتيجة محاولات السيطرة على النظام السياسي وتغيير كبير في هوية الدولة، ومشكلة الإحتياط في الجيش الإسرائيلي الذي بدأ يتململ ويرفض بعضه العودة للخدمة ثانيا، وعدم وجود إجماع على إستمرار الحرب على غزة والدعوة للذهاب إلى صفقة تبادل للاسرى حتى لو ادى ذلك إلى إنهاء الحرب والانسحاب من غزة ثالثا
هذه الثقوب قد تؤدي في لحظة ما، وخاصة بعد الثامن من إبريل/نيسان، اي بعد قرار محكمة العدل العليا في قضية رئيس الشاباك رونين بار ، وإذا ما رفضت الحكومة الإلتزام بقرار المحكمة إذا جاء لصالح من إستأنفوا ضد قرار الإقالة، هذا سيعمق الإنقسام وقد يدفع البلاد لواقع مجهول أساسه ازمة دستورية بين الحكومة ومحكمة العدل العليا وإنعكاس ذلك على الشارع في إسرائيل، ولكن هناك مخاطر في طيات هذا الإستحقاق القادم، لأن ذلك قد يدفع نتنياهو للهروب للامام والإشتباك مع إيران في محاولة منه لمنع اي تحرك في الشارع الإسرائيلي
إن الازمات الداخلية في إسرائيل، والفرصة المؤاتية بوجود الرئيس ترامب في البيت الأبيض، قد تدفع أكثر نتنياهو وحكومته للعجلة في إستعمال كل القوة في فرض الشروط على مجمل الجبهات، مما يعني أن الاسابيع القليلة القادمة وكما قال المسؤول العربي هي ما بين “الضربة والصفقة” ولكنها ستكون اقرب ما يكون للضربة منها إلى الصفقة
إستنتاج وملخص
منذ بداية حرب الإبادة على قطاع غزة قلنا علنا كتابة وعبر الفضائيات، أن هذه المعركة هي كما يقول نتنياهو، هي حرب مصيرية ووجودية، هي حرب الإستقلال الثانية، وإستنتجنا لحظتها بأن ذلك يعني أننا امام معادلة صفرية، معادلة لا مقاومات على حدود إسرائيل، وصفر تهديد يجب ان يكون في الجبهات اللصيقة وجبهة الضفة المتداخلة، وقلنا أيضا أن القادم هو معركة ضد الوجود للبيئات الحاضنة للمقاومة مما يستدعي تهجيرها او تدمير مجالها السكني الجغرافي بما يمنع عودتها بمنع إعادة الإعمار لما تهدم، واضفنا ايضا، ان هناك فرصة لدى إسرائيل لتثبيت قوتها وقدرتها وبلا منازع في المنطقة عبر القوة الوحشية غير المسبوقة، ونحن الآن وعلى بعد اكثر من سنة ونصف، نستطيع القول أن إسرائيل فرضت بالقوة إنجازات تكتيكية تعمل على ان تحولها إلى إستراتيجية خاصة بعد مجيء الرئيس ترامب للبيت الأبيض وبما عزز ويعزز ذاك التحول المطلوب إسرائيليا، لذلك فإن المخاطر القادمة أعلى من الفرص، لكن على الرغم من ذلك، فإن الذهاب إلى الضربة فيها مخاطر أكبر على من يهدد فيها بسبب من اوضاعه الداخلية، في حين الصفقة الممكنة في الواقع الحالي وبدون أي ضربة لن تكون في صالح نتنياهو وحكومته، لأن ذلك سيفعل الجبهة الداخلية في إسرائيل والتي ستسقطه لا محالة
ما بين الضربة والصفقة نعيش مخاض يدفع فيه الشعب الفلسطيني وبالذات في غزة، دماء كبيرة وكثيرة، وهذا المخاض ستحسمه الاسابيع القليلة القادمة، رغم أن كل منحنياتها ذاهبة بإتجاه الضربة أكثر من اي صفقة، فكلمة السر في ذلك تكمن في مستقبل نتنياهو وحكومته، لأن وجود صفقة لا إستسلام فيها ولا تهجير تعني هجرة نتنياهو وحكومته إلى الابد، بينما الإستسلام في الصفقة تُسيد نتنياهو ملكا أتوقراطيا على مملكة إسرائيل الثانية، وتجعل منه مندوبا ساميا أمريكا على منطقة وفق مفهوم جيو سياسي جديد مستند لتجزيء المقسم وفق هويات طائفية ومذهبية وقومية، وبحيث كل زعامات هذه الدويلات لكي تبقى في موقعها عليها أن تأخذ شرعيتها وحمايتها من ملك إسرائيل الثانية