أمد/ جاء ردّ حركة المقاومة الإسلامية “حماس” على المقترح الذي قدّمه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن وقف الحرب في قطاع غزة، ليعيد تشكيل المشهد السياسي والإنساني في المنطقة، وليفتح الباب أمام مقاربة جديدة تقوم على التوازن بين الاعتبارات الواقعية والتمسك بالثوابت الوطنية الفلسطينية التي مجمع عليها الشعب الفلسطيني
فالردّ الذي اتّسم بالهدوء والمسؤولية السياسية يعكس نضجاً في الأداء الدبلوماسي الفلسطيني، ويدحض الرواية التي حاولت إسرائيل تكريسها بأن الشعب الفلسطيني يرفض كل الحلول ويتمسك بخيار المقاومه وحده.
أولاً: التحوّل في الخطاب السياسي / لحماس/
من خلال قبولها بمناقشة المبادرة الأمريكية ضمن محددات إنسانية ووطنية، أظهرت,, حماس ,,مرونة سياسية محسوبة، دون المساس بجوهر الحقوق الوطنية.
إذ أكدت الحركة استعدادها لوقف الحرب والإفراج عن الأسرى من الجانبين وفق صيغة تضمن الكرامة الإنسانية والعدالة المتبادلة، بما يتماشى مع مبادئ القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف المتعلقة بحماية المدنيين والأسرى في أوقات النزاع المسلح.
وفي المقابل، شددت على أن أي ترتيبات تتعلق بمستقبل قطاع غزة أو بحقوق الشعب الفلسطيني لا يمكن أن تتم إلا في إطار توافق وطني فلسطيني شامل، يستند إلى قرارات الشرعية الدولية وحق الشعب الفلسطيني غير القابل للتصرف في تقرير مصيره، وفقاً للمادة (1) من ميثاق الأمم المتحدة والقرار رقم (3236) للجمعية العامة. وهذا من شأنه فتح حوار وطني فلسطيني يفضي لتوحيد الصف والجهد الفلسطيني وانهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية تحت إطار منظمة التحرير الفلسطينية بصفتها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني
ثانياً: المأزق الإسرائيلي بين الواقع الميداني والضغط الدولي
لا شك أن رد حماس أربك الحسابات الإسرائيلية، إذ كانت حكومة الاحتلال تراهن على رفض فلسطيني شامل للمقترح الأمريكي لتبرير استمرار العمليات العسكرية.
غير أن القبول الذي عبّرت عنه حماس في إطار التفاوض الفلسطيني وضع إسرائيل أمام معضلة سياسية مزدوجة:
1. ميدانية: فشل الجيش الإسرائيلي في تحقيق أهدافه المعلنة من الحرب وهي دفع الفلسطينيين للهجره .
2. وعلى الصعيد الديبلوماسي تراجع الدعم الدولي، وتزايد الانتقادات من الأمم المتحدة ومؤسسات حقوق الإنسان بشأن الانتهاكات ضد المدنيين في غزة من قبل قوات الاحتلال
في ضوء ذلك، يتوزع القرار الإسرائيلي اليوم بين تيار سياسي يدفع نحو استمرار الحرب لاستعادة الردع، وآخر داخل المؤسسة الأمنية يدعو إلى مقاربة واقعية تتيح التوصل إلى هدنة طويلة الأمد بإشراف دولي، تمهيداً لإعادة ترتيب الوضع الإداري والإنساني في القطاع.
ثالثاً: الموقف الأمريكي بين المبادرة والمسؤولية
قدّم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطته الأخيرة باعتبارها “فرصة تاريخية لإنهاء الحرب وتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط”، وحرص على التأكيد أن المقترح الأمريكي يهدف إلى حماية المدنيين وإطلاق عملية سياسية شاملة تضع حداً لدورات العنف المتكررة في غزة.
إلا أن الرد الإيجابي وضع الإدارة الأمريكية أمام اختبار مصداقية حقيقي، فنجاح المبادرة أصبح مرهوناً بقدرة واشنطن على إقناع إسرائيل بوقف العمليات العسكرية والقبول بمبدأ التفاوض غير المشروط حول الملفات الإنسانية والسياسية من خلال منظمة التحرير الفلسطينية بصفتها صاحبه الولاية والسيادة على غزه والضفة الغربية والقدس استنادا لقرارات الشرعية الدولية
ووفقاً للقانون الدولي، فإن الولايات المتحدة بوصفها طرفاً راعياً للمبادرة تتحمل مسؤولية أخلاقية وقانونية في ضمان احترام قواعد القانون الإنساني، وعدم استخدام المبادرة غطاءً لاستمرار الأعمال العدائية أو فرض ترتيبات قسرية تمس السيادة الفلسطينية.
وفي هذا الإطار، يمكن للإدارة الأمريكية أن تلعب دوراً محورياً في تثبيت وقف إطلاق النار عبر الأمم المتحدة، وضمان التزام الطرفين ببنود الخطة ضمن آلية رقابة دولية شفافة
رابعاً: التداعيات الإقليمية والدولية
هناك نية واضحة من قبل كافة القوى والفصائل الفلسطينية لإعادة إدماج القضية الفلسطينية ضمن الإطار العربي والإسلامي، بعيداً عن محاولات العزل والتفكيك التي رافقت سنوات الانقسام.
فالمقترح الذي تقدّمت به الحركة بشأن تسليم إدارة القطاع لهيئة فلسطينية مستقلة من التكنوقراط — بتوافق وطني وبدعم عربي وإسلامي — يعيد الاعتبار لدور الشرعية الفلسطينية الموحدة، ويفتح الباب أمام استعادة الوحدة الوطنية على قاعدة الشراكة لا الإقصاء.
أما على الصعيد الدولي، فإن قبول حماس بمبدأ الحوار تحت مظلة القانون الدولي والشرعية الدولية يمثل سابقة سياسية مهمة، ويعزز الموقف الفلسطيني ويعطي بعد وطني في تعزيز وحدانية التمثيل الفلسطيني تحت إطار منظمة التحرير الفلسطينية كاطار فلسطيني مشروع يسعى لحماية المدنيين والدفاع عن الحقوق الوطنية عبر القنوات السياسية والدبلوماسية، لا عبر المواجهة العسكرية فقط.
خامساً: السيناريوهات المحتملة للموقف الإسرائيلي
في ضوء التطورات الأخيرة، يمكن استشراف ثلاثة سيناريوهات رئيسية:
1. الاستمرار في النهج العسكري: بدافع الاعتبارات السياسية الداخلية الإسرائيلية ورغبة الحكومة في كسب الوقت، رغم الكلفة الإنسانية والسياسية الباهظة.
2. القبول التكتيكي بالهدنة: كخيار مرحلي يتيح لإسرائيل إعادة انتشار قواتها وإعادة ترتيب الوضع الأمني مع الاحتفاظ بهوامش تدخل مستقبلية.
3. التوجه نحو تسوية مشروطة: بوساطة أمريكيةعربية، تسمح بوقف شامل لإطلاق النار وإطلاق مسار سياسي جديد لإدارة القطاع ضمن رؤية أوسع تشمل إعادة الإعمار وإعادة بناء الثقة.
الخاتمة
أعاد ردّ حماس على خطة الرئيس ترامب صياغة معادلة القوة والشرعية في الصراع الفلسطينيالإسرائيلي.
فالحركة، ، نجحت في تحويل المبادرة الأمريكية من ورقة ضغط إلى فرصة في تعزيز الموقف الوطني الفلسطيني، مستندةً إلى مبادئ القانون الدولي والشرعية الأممية.
أما إسرائيل، فوجدت نفسها أمام واقع سياسي جديد يتطلب إعادة تقييم استراتيجيتها، في ظل انكشاف خطابها أمام المجتمع الدولي وتصاعد الأصوات المطالبة بوقف الحرب واحترام القانون الإنساني الدولي.
وفي المحصلة، فإن نجاح خطة ترامب في تحقيق أهدافها المعلنة سيظل رهناً بمدى التزام واشنطن بالحياد والضغط المتوازن على جميع الأطراف، وبقدرتها على تحويل المبادرة من إطار تفاوضي محدود إلى رؤية شاملة للسلام العادل القائم على الحق والقانون، لا على الإملاء والقوة.