ماذا فعل مشروع السنوار أمد للإعلام

أمد/ هل كان السنوار يمتلك رؤية ووسيلة وقرارا؟ بمعنى هل كان يمتلك مشروعا يستند لحقائق؟ إلى أي مدى نجح السنوار وأين أخفق.. وهل كان هناك خلل في المشروع؟ وهل لديه إمكانات التواصل أم أنها مرحلة وأغلقت؟؟ هذه أسئلة لابد من نقاشها بهدوء وبدون مواقف مسبقة..
بعيدا عن خوض الدهماء عند مناقشة قضية كبيرة كقضية فلسطين ينبغي التحرر من ضغوط الدوافع النفسية التي تبعثها المواقف المعلبة والروح الحزبية.. وينبغي أن لا يصبح الألم والوجع هو الموجه للعقل والضاغط على الأفكار بل الدافع الى التفكر العميق والتدبر الراشد.. أي باختصار لا بد من بعد النظر فلا تكون اللحظة حاجبا أمام بصيرتنا وأبصارنا حتى لا نقتل مرتين فأسوأ الموت هو الإحباط..
التهجير والقتل فقط:
قبل أي كلمة في هذا الاتجاه لا بد أن نقرر ان الوجع والألم والمعاناة بلغت ذروتها بأهلنا وشعبنا في قطاع غزة والضفة الغربية ولا مجال للترفيه في القول فإننا نشعر ان لحمنا يتقطع وبيوتنا على رؤوسنا تهدم وأبناؤنا يتضورون جوعا تحت القصف وحملة الإبادة والمشهد ليس تخيليا إنما هو حقيقة واقعة فنحن لا نكف عن دفن أشلاء قتلانا.. فعلى الصعيد الشخصي لسنا مستشرقين ولا هواة صحافة إنما نحن نتكلم من قعر المعركة وصراخ جراحنا وأطفالنا يكاد يخرجنا من اليقين.. وحتى يكتمل المشهد على الصعيد الوطني لابد من تذكر أخواننا في مخيمات سورية ولبنان والتي نالها ما نال مخيماتنا في تل الزعتر و جباليا والشاطئ وخانيونس ورفح..ويجب أن تظل الرواية الفلسطينية حاضرة ومحفوظة ومكررة باستمرار فيما نحن نحاول تقييم أي خطوة نضالية وأي فكرة سياسية..
أقدم بهذه اللازمة لتوضيح أمرين الأول: أن منهج العدو هو ذاته على مدار سني نكبتنا ذبح وتدمير وتهجير وهو سلاحه الاستراتيجي والمفضل والضروري،على قاعدة فرضيته “أرض بلا شعب”، والثاني: ان كفاحنا عبر سنوات النكبة الطويلة مرّ بنكبات كثيرة ومجازر عديدة انتهى الى موقف سياسي منهار لم نقف عند ما قررته الشرعية الدولية في قرار التقسيم الذي بموجبه قام الكيان الصهيوني على أرض فلسطين حيث منح قرار التقسيم بما يقارب 50 بالمائة من ارض فلسطين لدولة فلسطينية مع ضمان حق العودة للمهجرين، بل اندفع انهيارنا السياسي الى اعترافنا بشرعية وجود “اسرائيل” على 80 بالمائة من أرض فلسطين دون أن تعترف هي بوجود دولتنا على 20 بالمائة من فلسطين.. والقتنا الاتفاقية سيئة السمعة والصيت إلى حلبة مفاوضات عبثية.. و تجلى ما كان يخطط له العدو من خلال الزامنا باتفاقية اوسلو وانتزاع اعتراف منا بشرعية سرقته لفلسطين.. كانت خطوة خطيرة وقفزة مغامرة في الهواء.. استخدم العدو هذه الورقة لتسويغ وجوده العلني في معادلة الإقليم من خلال تطبيع وهرولة المترددين او المتخفين.. كما أنها أفقدتنا زخم الخارج الفلسطيني وتركه للمجهول وهو يمثل الكفة الفاعلة في الكفاح الفلسطيني عبر عشرات السنين فأصبح بلا راعي ولا حامي.. وشيئا فشيئا عاد كل شيء للاحتلال وان وجودنا السياسي كله تحت سيطرة الاحتلال لاسيما بعد ان فضح المجرمون نواياهم في كامبديفد ومفاوضات ممعنة في الجريمة والإهانة رفضها ياسر عرفات واعتبرها خيانة.
فماذا كان علينا ان نفعل للخروج من هذه اللازمة المعقدة المحبطة لاسيما وقد عصفت اسرائيل بأقل القليل الذي قدمه أوسلو لنا وانتهى الأمر باغتيال ياسر عرفات واجتياح الضفة كلها وتحطيم مراكز الشرطة واعتقال المئات من كوادر السلطة وقياداتها.
لقد حاول أبوعمار إنقاذ القضية من الفخ وأعلن انتفاضة الأقصى ردا على اقتحام شارون المسجد الأقصى و لعل أي عاقل يدرك ان احتجاج عرفات ليس فقط على فعلة شارون إنما هي رد على الوضع الذي انتهى الى تيه شامل، أدرك عرفات ان العودة الى المقاومة بكل الوسائل هي السبيل الوحيد الذي يمكن ان يعيد عربة الثورة إلى سكتها الطبيعية وكان شعاره الكبير” على القدس زاحفين شهداء بالملايين” والمتابع للحراك السياسي آنذاك يدرك ان عرفات لم يعد قابلا تمرير اي مناورة ورافضا أي مخادعة مطالبا بوضوح بدولة فلسطينية على الضفة الغربية وغزة وعاصمتها القدس.. وكانت الملحمة الكبيرة التي خاضتها أجهزة السلطة الأمنية من جيش التحرير والشرطة وكذلك المليشيات الشعبية والحركات المقاومة.. وشن العدو وحلفاؤه هجمات بكل أنواع التضييق على السلطة،
تتابعت الأحداث لتضعنا في مسار آخر.. ودخلنا مرحلة التيه وكما قال القادة الفلسطينيون عن السلطة :أنها سلطة بلا سلطة ومفاوضات من اجل المفاوضات العبثية عبر 20 سنة بعد وقف انتفاضة الأقصى.. و لقد تغول الاستيطان وانتشرت الحواجز وتم تقطيع الضفة الى درجة خطيرة تهدد التواصل بين القرى والمدن والأراضي.. واستكان الفلسطينيون بانتظار تغيرات سياسية دولية وإقليمية قد تسهم في تحريك سياسي من خلال قرارات أممية، لكن الذي حصل هو انهيار المنطقة بهرولة عربية رسمية وتحويل إسرائيل أطراف المنطقة إلى حلفاء استراتيجيين لها وتم اختراع قضايا أمنية كبيرة في المنطقة يتم بناء تحالفات أمنية ضدها.. وتم تجميد القضية الفلسطينية دوليا وعربيا كما قال بايدن الرئيس الأمريكي: لم تعد قضية فلسطين عاجلة.. فماذا ينبغي أن نفعل..؟؟
مشروع السنوار :
بالنظر إلى سياق القضية الفلسطينية وتطوراتها وما انتهت اليه كان لابد من فعل استثنائي يعيد لها ألقها وحضورها وضغطها على صناع القرار الدوليين وعلى العدو.. وبالتأكيد لن يكون هذا الفعل نزهة لاسيما بعد أن اطمأن العدو أنه ركّع المنطقة وانه تحلل من شرط أرض مقابل السلام أصبح يرفع شعار سلام مقابل سلام ولم يتردد في الحديث عن خطط لتغيير معالم الشرق الأوسط واعادة ترتيبات جوهرية وديمغرافية وجغرافية فيه..
في هذه اللحظة التاريخية لابد من استحضار القضية الفلسطينية ونكبتنا والمجازر التي حلت بنا على مدار عشرات السنين والمتسبب فيها، لكي لايقال ان 7 اكتوبر هو من جلب الينا المجازر!! واستحضار فشل كل الطرق السلمية في معالجتها، ولابد من الانتباه الى تراكمات الفعل الصهيوني على الأرض كما يتم ملاحظة حجم الانهيار العربي أيضا في ظل العمل السلمي.
هنا من حيث انتهى ياسر عرفات أنه لابد من قوافل شهداء وتضحيات في مواجهات بكل مايمكن لكسر معادلة العدو والغاء حالة السكون والاستسلام لمنطق اتفاقية يفسرها العدو واقعيا كما يريد.. فالحرية في شأن فلسطين باهضة الثمن..اذن لابد من فعل يفرض وقائعا واضحة قوية بمعنى يكسر رؤية عصابة الشر ويرغمها على تنازلات استراتيجية وتكتيكية.. ويرغم الجميع في العالم على التعامل مع المستجدات.
جاء طوفان الاقصى فكسر رتابة الواقع وقلب المفاهيم وأنشأ واقعا مختلفا .. الان اصبح الكلام كبيرا وقويا عن الدولة الفلسطينية وعن بداية مواقف دولية فاعلة .. الان أصبحت القضية تشغل العالم..
فما هي رؤية السنوار وما هو مشروعه؟ لعل المتابع لشخص السنوار يكتشف يسهولة انه أكثر شباب الحركة الإسلامية وعيا بالقضية الفلسطينية وانه منهمك فيها الى درجة عميق كوطني مكين وكمجاهد يقظ.. فالسنوار ليس كأضرابه من قادة الحركة الإسلامية الفلسطينية بل والعربية فهو غير مقيد بنمط الحزب وثقافة الحزب وأولويات الحزب فهو قد صرح مرارا وبكل قوة انه ضد الانقسام الذي حصل قبل الإفراج عنه وأكد مرارا انه سيحمي وحدة الشعب والمؤسسة الفلسطينية، وانه يعتبر ياسر عرفات اب المشروع الوطني الفلسطيني وانه يرى فيه قدوة ومثلا اعلي ولقد خاطبه في محاضراته كثيرا منوها لما انتهى اليه من محاولة جلب السلاح بسفن وتهريبه لتقوية المقاومة الفلسطينية و لقد كان سلوكه تجاه حركة فتح مبنيا على اعتبار إخوة الوطن والسلاح والمصير.. على الصعيد النفسي والفكري كان لتفرغه في قراءة العدو بعمق دورا أساسيا في فهم كيف يكون الرد فلم يكن العدو في عقله كما في عقول كثيرين انه مجرد يهود قتلة غاصبين.. فلقد قضى سنوات سجنه في قراءة كل ما يتعلق بالكيان وقياداته وأجهزته الأمنية والعسكرية والسياسية وفهم طبيعة العدو وأدرك نفسيته فكان هذا البعد ضروريا في تشكيل وعيه وانطلاق مشروعه بناء على معرفة عميقة بالعدو.
انطلق السنوار من قاعدة رفضه ان تكون القضية الفلسطينية في الثلاجة وكان هذا هدف أساسي أمامه.. وانه يرفض ان يكون في حال استضعاف يضرب ولا يرد لكي يقال عنه انه حريص على السلام.. لم تكن الأحلام سبيلا الى عقله فبكل وضوح جعل له هدفا سياسيا كبيرا :دولة فلسطينية وعاصمتها القدس ويمكن ان نقيم بعد ذلك هدنة طويلة مع العدو لمناقشة القضايا العديدة الأخرى وعلى رأسها قضية اللاجئين.. كان هذا الهدف المزدوج.. فانخرط منذ تم الإفراج عنه في الإشراف على تقوية أداة الفعل الضروري الصاعق الصادم.. لم ير أنه بهذه الأداة سيرغم العدو على التسليم بهزيمته فهو يعرف جيدا مدى التفوق الاستراتيجي للعدو في كل مجال وكان يدرك أنه ليس معزولا عن الموقف الدولي والإقليمي..
هنا أظهر السنوار أن كفاحه الصعب القادم سيحقق جملة أهداف إستراتيجية أولا: سيكلف العدو أثمانا باهضة تكسر روحه المعنوية وتحدث داخل مؤسساته التنافر والتمزق الروحي، وثانيا ستعري هذا الكيان وتكشف الى اي مدى هي سخافة الجيش الذي لا يقهر وان الأزمة فقط في عدم وجود ارادة تصدي له.. ثم انه رأي أن هذا الفعل سيسقط مشروع تطبيع الكيان الصهيوني في المنطقة وأن هذا الفعل سيفرز من جديد حقيقة قوى المقاومة في المنطقة وأنه سيفضح كل المتخاذلين والمطبعين.. ورأى كذلك أن استمرار المقاومة وتواصلها سيضع إسرائيل في الزاوية ويتم عزلها وإسقاط روايتها وتقدم الموقف الدولي لإسناد فلسطين في تحقيق هدف إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.
هذا هو مشروع السنوار رؤية وأدوات وأهداف كرره كثيرا وأصبح معلوما عنه.. ولعل من يستمع اليه في كلامه الصريح الواضح المحدد يدرك ان السنوار كان مؤمن تماما بأداة الفعل وضرورتها..وأنه كان يقدر تماما لحجم التضحيات ولعل اخر ما وصل من تصريحاته وهو في اتون الملحمة اذ ردد بيت شعر لأحمد شوقي: وللحرية الحمراء باب بكل يد مدرجة يدق..
فهل حقق المشروع أهدافه وهل تفاجأ المشروع بعناصر معطلة؟ مع أن التسرع في التقييم قد ينطوي على أخطاء ومغامرة إلا انه بالإمكان القول ان السياق العام للمشروع كان واضحا وقويا ومنطقيا ولا بديل واقعيا عنه .. انه باختصار حقق جملة أهداف كبيرة أولها إسقاط الرواية الصهيونية وبروز الرواية الفلسطينية في ظل عزلة عالمية متصاعدة وفي ظل انهيارات عميقة داخل الكيان الصهيوني وكذلك في ظل جر العدو إلى الأسئلة الأولى حول وجوده في ارض فلسطين.. لكن حتى الان لم يثمر مشروع السنوار نتيجته الكبرى وهي إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس ولم تكن الدولة الفلسطينية قريبة في يوم ما كما هي الآن.. ولكن الخوف دوما يكون في اللحظات ما قبل الأخيرة.. تولانا الله برحمته