اخر الاخبار

ماذا عن أحوالنا بعد رمضان؟

تقول أمنا عائشة رضي الله عنها: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملا أثبته، أي: داوم عليه وكان إذا نام من الليل أو مرض صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة”.

المداومة على العمل دليل العبودية الصادقة، سواء كان ذلك العمل فرضا أم نفلا، وللمداومة على العمل الصالح مكانة عظمى عند الله تعالى، لما لها من الآثار الطيّبة على المسلم؛ بحيث يبقى متصلا بالعبادة التي تصلح الروح وتسمو بها، ومما يلاحظ على الكثير من المكلّفين الفتور بعد أداء العبادة، فللنفس نشطة وفترة، فينبغي للإنسان إذا فتر ألا يسمح للفتور أن يتجاوز حد ترك الواجبات.

ترى، لماذا نقبل على الله في رمضان ثم نفتر بعد ذلك؟ فإذا كانت المسألة عدم الجدية في العبادة، فلقد كنا بفضل الله نجدّ ولم نكن عاجزين، فلماذا هذا الفتور إذا؟ ففي ليلة السابع والعشرين من رمضان، يلفت نظرك أن أغلب المساجد ملأى بالناس، ولكن في الليلة الموالية ليلة ثماني وعشرين، لا تجد في المساجد إلا العمّار الراتبون، رأى وهب بن الورد قوما يعبثون بعد رمضان فقال: )إن كان هؤلاء تُقبل منهم صيامهم، فما هذا فعل الشاكرين، وإن لم يتقبل منهم صيامهم، فما هذا فعل الخائفين(.

المسلمون في رمضان يظهر جليا اهتمامهم بالعبادة والقيام وقراءة القرآن وسائر القربات، بينما يهملون دينهم بقية شهور العام، ومن أسباب ذلك الفتور الذي يعتريهم في سائر أيام العام، فسيرهم إلى الله مركب على الرجاء، فيستثمرون أوقاتا تضاعَفُ فيها الحسنات كليلة القدر مثلا، وكأن عملهم فيها مقبول يقينا، ولا يلتفتون إلى الأوقات الأخرى، فلو ركبوا في إبحارهم إلى المولى الودود تعالى مركب الشوق والمحبة لما تهاونوا، ولما استثقلوا العبادة والطاعة، فإذا كان الله عز وجل يعاملنا هذه المعاملة ومن صفاته الودود، فلماذا ندبر عنه سبحانه.

إنه ينبغي علينا أن نحقق العبودية لله تبارك وتعالى في أنفسنا وأهلينا وأولادنا، نعم، شهر رمضان شهر طاعات، ولكن الله تبارك وتعالى يحب العبد إذا عبده في وقت غفلة الناس، ففي صحيح مسلم من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه، أنه رأى قوما يصلون من الضحى فقال: أما لقد علموا أن الصلاة في غير هذه الساعة أفضل، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “صلاة الأوابين حين تَرمَضُ الفصال”، قال الإمام النووي: “الرمضاء: الرمل إذا اشتدت حرارته بالشمس، أي: حين تحترق أخفاف الفصال، وهي الصغار من أولاد الإبل، والأواب: المطيع، الراجع إلى الطاعة. وفي الحديث: فضيلة الصلاة هذا الوقت، وهو أفضل وقت صلاة الضحى، وإن كانت تجوز من طلوع الشمس إلى الزوال”. فهذا الوقت يقدر بأنه قبل الظهر بنحو ساعة ونصف أو ساعة وربع، فإذا صليت لله عز وجل في هذا الوقت، فقد عبدت الله في وقت قلّما يسجد له فيه ساجد، فالناس في معايشهم يسعون في الأرض، فسمى النبي صلى الله عليه وسلم هذه الصلاة صلاة الأوابين.

فهذا ابن مسعود بكى في موته، فقيل له: لِمَ تبك يا ابن مسعود؟ قال: جاءني المرض في زمن الفتور، وكنت أحب أن يأتيني في زمن النشاط، أي: وأنا أتهجد وأقرأ وأصوم؛ حتى إذا جاء ملك الموت قُبضت على طاعة. نعم، يفتر المسلم ويتراخى، وذلك مصداق حديث رسول الله: “إن لكل عمل شِرَّةً، ولكل شِرَّةٍ فترةٌ، فمن كانت فترتُه إلى سنتي فقد أفلح، ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلك”.

فالمسلم يفتر ويضعف لكنه لا ينقطع، يقول ابن القيم رحمه الله: تخلل الفترات، أي: الفترة والكسل، للسالكين أمر لا بد منه، فمن كانت فترته إلى مقاربة وتسديد، ولم تخرجه من فرض، ولم تدخله في محرم، رجي له أن يعود خيرا مما كان.

* إمام مسجد عمر بن الخطاب بن غازي براقي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *