ليلة طويلة لمحاكمة مغتصبي طفلة تيفلت.. متهم ينفي رغم الخبرة الطبية ووكيل الملك يواجهه “هل أمطرت السماء منيا”
في حوالي الساعة الواحدة والنصف من ليلة الجمعة، أصدرت غرفة الجنايات الاستئنافية بالرباط قرارا بسجن المتهم الرئيسي في قضية طفلة تيفلت المثيرة للجدل لمدة عشرين سنة. فيما قضت المحكمة بسجن المتهمين ب10 سنوات سجنا نافذا لكل واحد منهما.
كما رفعت التعويض لفائدة المطالب بالحق المدني، من إلى 60 ألف رهم في حق المتهم الرئيسي و40 ألف درهم لكل من المتهمين الاخرين.
انطلقت المحاكمة الاستئنافية حوالي الساعة الثانية عشر بعد زوال يوم الخميس، بحضور مكثف للمُحامين المدافعين عن الضحية والذين فاق عددهم الثلاثين، فيما لم يواصل منهم المحاكمة سوى عدد قليل، وفي المقابل ترافع لصالح المتهمين الثلاثة محامي واحد من هيئة الرباط.
توقفت المحاكمة قبيل موعد أذان المغرب، ولم تستجب هيئة المحكمة لملتمس تأخيرها إلى الأسبوع المقبل، وقررت مواصلة المحاكمة ابتداء من الساعة الثامنة والنصف ليلا.
واستمعت هيئة الحكم في بداية المحاكمة إلى ملتمسات النيابة العامة ودفَاع الضحية والمتهمين، وبعد المداولة قبلت الملتمس الذي تقدم به الوكيل العام للملك بشأن الاستماع إلى الضحية (س.ش) والشاهدة (م.ع) في جَلسة سرية.
الضحية البالغة من العمر 12 سنة والشاهدة البالغ من العمر 15 سنة حضرتا إلى المحكمة بمرافقة مساعدتين اجتماعيتين.
تراجعت الشاهدة عن تصريحاتها السابقة التي قالت فيها إنها كانت شاهدة على عملية الاغتصاب، فيما ظلت الضحية “طيلة الاستماع إليها من قبل هيئة المحكمة غير قادرة على رفع عينيها في وجه المتهمين، وكانت ترتعش وهي تعيد رواية ما كان يحدث لها” وفق ما أفاد به دفاعها والوكيل العام خلال الجلسة العلنية.
وعند خروج الضحية من قاعة الجلسات رقم 2، أطلقت صرخة رددتها أرجاء بهو قصر العدالة، وهو ما اعتبرته مرافقتها “إيجابيا ومن شأنه التخفيف عن معاناتها”.
الوكيل العام دعا إلى معاقبة الجناة بأقسى العقوبات، وعلق على انكار المتهم الرئيسي (ع.د) الذي أثبت تقرير الخبرة الجينية بأنه الوالد البيولوجي للطفل الذي أنجبته الضحية، بقوله “هل أمطرت السماء منيا واستقر في رحم الطفلة لتلد هذا المولود”، مشيرا إلى أن انكار المتهم المنسوب اليه “تملص وهروب من المسؤولية والعقاب”.
وقال “إن المتهمين ليسوا ذئابا بل جناة، إذ إن الذئب بريئ من دم النبي يوسف عليه السلام”. وطالب بتأييد القرار الابتدائي بالإدانة وتعديله بأقسى العقوبات”.
كما دعا إلى فتح قناة في “اليوتوب” للاطلاع على حكم بالإعدام أصدرته السلطات القضائية بإيران السنة المنصرم في حق أحد المتهمين بارتكاب جريمة الاغتصاب.
وفي الكلمة الأخيرة التي منحتها المحكمة للمتهمين، استعطف كل واحد منهم رئيس الجلسة بقوله “شوف من حالي”.
وأنكر المتهمون طيلة المحاكمة المَنْسوب إليهم، إذ كان المتهم الرئيسي (ع.د) الذي يمتهن الفلاحة يرد على الأسئلة الموجهة إليه من قبل رئيس الجلسة والوكيل العام ودفاع الضحية بعبارة “منعرف”.
وعندما تمت مواجهته بنسخة من طلب تقدم به من داخل السجن يلتمس فيه الإذن له بدخول عدلين لتوثيق زواجه بالضحية بعقد شرعي، رد بأنه فعل ذلك لكونه كان خائفا من العقوبة.
المتهم (ك.ع) وهو متزوج، قال إن أسرته لديها عداوة مع أسرة الضحية بسبب خلاف حول الرعي بالمنطقة وهو ما تثبته شكاية لدى الدرك الملكي.
وعندما تمت مواجهته بتصريحات الضحية التي قدمت أوصافا عن غرفة نومه التي لا تتوفر على سرير وتتوفر على نافذتين وجدرانها مصبوغة باللون البنفسجي والمؤثثة بصوان في جزء منه ملابس والباقي أواني، قال “إن هذه المعلومات استقتها من إحدى الجارات”.
ووجه دفاع الضحية انتقادات لاذعة للحكم الابتدائي الذي اعتبره محمد الصبار منسق الدفاع، “فاقدا لأمل اللجوء إلى القضاء”، كما “عاقب الضحية التي تبلغ من العمر 12 سنة وتحولت بسبب تلك الجريمة إلى أصغر أم رغم أنفها”.
كما أن ذلك الحكم، بحسبه، “عمل على “التقعيد” للشذوذ الجنسي والممارسة الجنسية غير الطبيعية، بالنظر إلى تصريحات الضحية التي وجهت اتهامات إلى مغتصبيها بممارسة الجنس عليها من الخلف”.
واستغرب من تعليل محكمة الاستئناف الابتدائية قرارها “المخفف” بكون المتهمين حديثو عهد بالإجرام، بينما يجب الحديث عن عدم وجود سوابق قضائية وليس حداثة الجريمة التي تعني أن “المجرم في فترة تدريب إجرامي”، مشيرا إلى أن السلطة التقديرية التي يمنحها القانون للقاضي “ليست سلطة مطلقة”.
وقَالَ “إن الأحْكَام المخففة تشجع الجريمة”.
وأضاف بأن الحكم “صَعَقَ” عبد اللطيف وهبي وزير العدل وكان وَراء فقدانه البوصلة الدستورية التي تمنعه من التعليق على الأحكام القضائية.
كما علقت عليه آمنة بوعياش رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، فيما هي بقوة القانون عضو بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية وينبغي أن يكون لديها “واجب التحفظ”.
دفاع المتهمين، قال “إنه يشفق على المحكمة بالنظر إلى أن قضية طفلة تيفلت أصبحت قضية رأي عام”، وطالب بمنح صك البراءة لموكليه.
وأضاف بأن “الضحية تبلغ من العمر 17 سنة، وأنجبت بشكل عادي بدون اللجوء إلى عملية قيصرية”، وتأخر والدها في تسجيلها في الحالة المدنية هو الذي حدد سنها في 12 سنة على الأوراق.
وتعود الوقائع للعام الماضي حيث لم يكن عمرها يجاوز 11 ربيعا في منطقة قروية قرب مدينة تيفلت بضواحي العاصمة.
بعدما تقدمت عائلتها بشكوى، وأدين في 20 مارس ثلاثة راشدين بتهمتي “التغرير بقاصر” و”هتك عرض قاصر بالعنف”.
لكن العقوبة الأولية لم تتجاوز السجن عامين لأحدهم و18 شهرا للآخرين.
وأثار الحكم الذي كشفت عنه ناشطات حقوقيات استياء واسعا في المملكة باعتباره مخففا إلى حد كبير. وقد أعاد إلى الواجهة مطالب بمراجعة التشريعات وتشديد العقوبات في قضايا الاعتداءات الجنسية على القاصرين والنساء عموما.