اخر الاخبار

لن أحتفل مع هنري ليفي وفينكلكروت

 بقدر ما شكّل السابع من أكتوبر في غزة، نهاية لأساطير الكيان الصهيوني و”الجيش الذي لا يقهر”، وبقدر ما أسقط، على الصعيد السياسي والعسكري، الأقنعة عن الوجوه القبيحة للغرب وبعض العرب، وازدواجيتهم تجاه القضية الفلسطينية، بقدر ما اتضح، في يوم الفلسفة العالمي، أن الطوفان عرّاهم فكريا وفلسفيا وثقافيا وأكاديميا. 

فلا يمكن فصل إرادة الهيمنة العسكرية والسياسية التي تظهر في سياسات الحكومات الغربية ومواقفها وقراراتها، عن الفكر الغربي بمختلف مدارسه وتياراته، فبعدما، استطاع المفكر الفلسطيني الشهير، إدوارد سعيد، كشف نظام الفكر الغربي تجاه الشرق، في كتاب “الاستشراق”، خلال سبعينيات القرن الماضي، بيّنت ثورة “طوفان الأقصى”، أن هذه الفلسفة أصيبت بسرطان، سرطَن كل منجزاتها الفكرية الكبيرة، في أسلوب الحكم وإدارة المجتمعات وتكريس الحريات، وأفرغها من محتواها وحوّلها إلى شعارات، بل أدوات ابتزاز.

ويمكن إسقاط هذه المتناقضات، ايضا، على مجال الثقافة والأدب، الذي نجد فيه كتابا ومثقفين، تبنوا بشكل مطلق أطروحات ونظريات الغرب، واستفادوا منها في تطوير تصوراتهم وسردياتهم، غير أن ذلك تم بشكل أعمى، حوّلهم إلى كيانات مفكرة داخل السردية الغربية، أو ربما الصهيونية، متأثرين بجماليات الفلسفة الغربية وتمظهراتها القوية.

هؤلاء الكتاب، فشلوا في تشكيل وعي حر عالمي، قادر على فرز المعرفة من الإيديولوجيات والشعارات من الواقعيات، وفي امتلاك الشجاعة للتخييل في نقد مسلمات النسق الغربي، وكشف عيوبه وعيوب منجزاته وإدانة همجيته التي سبق وأن أبادت حضارات، ثم لا يخجل في الحديث عن مواثيق حقوق الإنسان والحريات.

كما تتوقف حدود خيال هؤلاء، عند الحديث عن ديكتاتورية الغرب غير التقليدية والناعمة، في البنوك والإعلام وفي تنشئة الفرد وهندسة المجتمع، إذ قد تكون أكثر عمقا من ديكتاتوريات السجون والمعتقلات والأحاديات وغيرها من مظاهر الشموليات.

وفي هذا السياق، وبمناسبة يوم الفلسفة العالمي، كتب المثقف والمفكر، أحمد دلباني، شذرات في نقد هذه المنظومة الفكرية الغربية ومساراتها ومتناقضاتها، قائلا في منشور على صفحته بمنصة “فايسبوك”: “لن أحتفل، كما اعتدتُ في السابق، باليوم العالمي للفلسفة. سأقفُ احتراما، بدل ذلك، للمحكمة الجنائية الدولية التي أصدرت مذكرتي اعتقال ضدَّ مُجرمي الحرب الصهاينة”.

وتابع صاحب العديد من المؤلفات والترجمات الفكرية القيمة، مرفقا بصور فلاسفة غربيين: “ولن أحتفل بالفلسفة التي اختارت من خلال أبرز ممثليها في القارة العجوز وأمريكا أن تقفَ صامتة أمام تراجيديا غير مسبوقة ومحرقة مبرمجة ضدَّ الشعب العربي الفلسطيني ومقاومته المشروعة الباسلة”.

وأردف دلباني قائلا: “لن أحتفل مع فينكلكروت وأونفري وبرنار هنري ليفي وهابرماس، ذلك العجوز الذي خانه “العقل التواصلي” عن التواصل الإنساني مع ضحايا الجرائم الصهيونية اليومية. سأكتفي، كعادتي، بالاستماع إلى العظيمة فيروز وهي تنشد “سنرجعُ يوما إلى حيِّنا”، مُستشرفا ولادةَ عالم مختلف عن جحيم المخيم في عيون طفل فلسطيني لاجئ”.

وواصل: “لن أكون شريكا أبداً لمن اختار من طائفة الفلاسفة أن يكون متواطئا مع الجريمة أو محاميا يرفع عرائض الدفاع عن القاتل باسم خرافات “الأرض الموعودة”، أو ادِّعاء محاربة ما تمَّ تعميدُه في الغرب منذ قرون باسم “معاداة السامية”.

ولم يحتف دلباني بـ”مُنجَز الخطاب الفلسفي الغربي الذي كشف عن تحيُّزه الفاضح لسردياته العنصرية وليدة عهود القوة العمياء زمن المغامرات الكولونيالية.. ذلك الخطاب الذي ورث الانحراف عن نُشدان العدالة والحق مُنضويا تحت فائض “إرادة القوة”، وتحوَّل، بقدرة قادر، إلى جارية أجيرة مبتذلة في فراش السيِّد مؤخرا”.

وتساءل دلباني في نصه: هل الفلسفة هي خطاب العقل والتحرر من الوصاية والمرجعيات المتعالية؟ وهي خطابُ الكونية والإنسانية التي كسرت حواجز الانتماءات الضيقة وأشكال التضامن التقليدية؟ أم هذه يوتوبيا إنشائية تفضحها الممارسة الخطابية والمواقف الراهنة التي تلمِّعُ واجهة الجريمة والعنصرية وسحق الإنسان؟

وواصل المتحدث تساؤلاته التي هي عبارة عن نقد بصيغة الاستفهام.. هل الفلسفة خطابٌ كوني حقا؟ أم هي خطابُ الغرب الثمل، منذ قرون، بالقوة والمُؤسِّس لشرعية الهيمنة على الآخر منذ إطلالة هيغل العنصرية؟ هل حققت هذه الفلسفة شرط الكونية وقد ظلت، منذ نشأتها، فرعا براقا في سماء اليوتوبيا لشجرة خبيثة أصلها ثابتٌ في وحل المركزية والعنصرية؟ ألم ندرك، بعد، أن الكونية أو العالمية ليست إلا خصوصية منتصرة بالغلبة؟

ورفض دلباني “تقديم دعاية عربية مجانية لمغامرة عقلية غربية لم تتخلص، بعد، من إمكان سقوطها في هاوية الانكماش الهوياتي والتبشير بحرب الحضارات وتشظي المصائر الإنسانية زمنَ انتصار اليمين السياسي والثقافي في بلاد الغرب”.

وليس من اللائق، في تصور دلباني، “تقديم الشروح والحواشي لخطابات بائسة أخطأت الطريق إلى الإنسان، ولم تتحرَّج في هجران قوة المعنى لتتلبَّسَ معنى القوة”.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *