أمد/ تل أبيب: كشف الدكتور خليل الشقاقي، مدير المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، أن نتائج استطلاع جديد سيُنشر في 28 أكتوبر 2025 تُظهر تراجع دعم حركة الجهاد في فلسطين إلى نحو 1%2% فقط في كل من غزة والضفة الغربية، ما يعكس تراجعًا شعبيًا لافتًا للحركة مقارنة بحماس.

ويأتي ذلك في وقت أعلنت فيه إسرائيل يوم السبت الماضي، تنفيذ ضربة دقيقة في وسط غزة استهدفت عنصرًا في الجهاد تتهمه بالتخطيط لهجوم وشيك على قواتها، وهو ما نفته الحركة. ورغم الجدل الدولي، أكد وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو أن العملية لا تُعد خرقًا للهدنة المدعومة أمريكيًا.

في موازاة ذلك، شدد وزير الخارجية الإسرائيلي، على أن تركيا لن تكون مقبولة ضمن أي قوة دولية مقترحة لغزة، في إشارة إلى تمسك تل أبيب بحقها في تحديد من يدخل القطاع، بينما جددت واشنطن تأكيدها أن القوات الأمريكية لن تدخل غزة، مكتفية بنحو 200 عنصر دعم يعملون من الخارج.

فوارق فكرية وتنظيمية

تأسست حركة الجهاد  مطلع الثمانينيات على يد فتحي إبراهيم الشقاقي، رافضة مسار التسوية السياسية في اتفاق أوسلو، ومتبنية نهج “المقاومة المسلحة” من خلال سرايا القدس، جناحها العسكري.

وفي تصريحات لـ”ذا ميديا لاين“، أوضح الباحثان دانييلي غاروفالو، المختص بالحركات الإسلامية المسلحة، وإريك سكاره، الباحث في المعهد النرويجي للشؤون الدولية، أن الفوارق بين حماس والجهاد الإسلامي تتجاوز الشكل التنظيمي إلى المنطلقات الأيديولوجية والسلوك الميداني.

وقال غاروفالو إن حماس تستند إلى فكر الإخوان المسلمين وتزاوج بين الدعوة والمقاومة وإدارة الحكم، بينما تعتمد الجهاد الإسلامي على نهج ثوري متشدد يرفض التسويات ويؤمن بـ“حرب الشعب” وسيلةً وحيدةً للتحرير. وأضاف: “يمكن القول إن الجهاد الإسلامي حركة عسكرية تمارس السياسة، في حين أن حماس حركة سياسية تمارس العمل العسكري”.

من جهته، لخص سكاره الفارق بالقول: “الجهاد الإسلامي لم يُعر اهتمامًا كبيرًا للخدمات الاجتماعية أو العمل الدعوي كما تفعل حماس؛ فالأولوية المطلقة لديه هي القتال ضد إسرائيل. حماس تسعى إلى التحرير عبر الأسلمة، أما الجهاد فيسعى إلى الأسلمة عبر التحرير”.

الاختلاف في الميدان

يظهر هذا التباين في حياة الناس اليومية في المخيمات من جباليا إلى جنين:

حماس تُدير الكهرباء والمعابر وتتعامل مع القضايا المدنية، أما الجهاد فحضوره يُقاس بوقع الغارات والاشتباكات والجنازات، ما يعكس طبيعته العسكرية الصرفة.

ويشير غاروفالو إلى أن حماس تفصل بين أجهزتها السياسية والإدارية وبين جناحها العسكري كتائب القسام، وتحاول الموازنة بين العمل العسكري ومتطلبات الحكم. أما الجهاد الإسلامي فهو أصغر وأكثر مركزية في قراراته، وغالبًا ما يتحرك من دون حسابات مدنية، وهو ما يجعله أكثر اندفاعًا في التصعيدات.

يُقدر سكاره عدد مقاتلي الجهاد بين 5 و8 آلاف، مقابل نحو 30 ألفًا في كتائب القسام، مع تشابه في التكتيكات العسكرية (العبوات، القناصة، الصواريخ، الكمائن)، لكن حماس أكثر تعقيدًا في عملياتها.

ارتباط بإيران وتراجع في الاستقلالية

رغم التنسيق الوثيق مع الحرس الثوري الإيراني وحزب الله، يؤكد سكاره أن الجهاد الإسلامي ليس حركة شيعية ولا يتبع الفكر الخميني، بل يعيش “زواج مصلحة” مع طهران، ما جعله أكثر اعتمادًا عليها وأقل استقلالية في قراراته.

ويرى غاروفالو أن هذا الارتباط منح الحركة قدرات عسكرية أكبر منذ عام 2023، لكنه في المقابل قلّص حريتها الاستراتيجية. وتشير الإجراءات الأمريكية الأخيرة ضد شبكات تمويل الحرس الثوري إلى أن الضغط المالي أحد أهم أدوات كبح نشاط الجهاد.

الضفة الغربية: تنظيم اجتماعي قبل أن يكون أيديولوجيًا

في الضفة، تتجلى أنماط مختلفة. فخلايا الجهاد وحماس هناك محلية الطابع، تنشأ من روابط اجتماعية وشخصية أكثر من الانتماء الفكري. ويقول سكاره إن هذه الخلايا تعمل أحيانًا كـ“حراس أحياء” في ظل غياب الأمن، وتعيد تشكيل نفسها سريعًا بعد كل حملة إسرائيلية، ما يجعل التصعيد متقطعًا ومتجددًا.

ويضيف غاروفالو أن هذه الظاهرة يغذيها الإحباط الشبابي، والهوية المحلية للمخيمات، والدعم الخارجي الذي يوفر التمويل والسلاح.

دور الجهاد في المعادلة السياسية

رغم أن الخطاب السياسي الدولي يركّز على حماس في مسار التسوية، إلا أن الجهاد  عنصر حاسم في أي اتفاق ميداني. ويصف سكاره الحركة بأنها “شريك ثانوي لكنه يملك حق الفيتو”، مشيرًا إلى أن قياداتها، مثل محمد الهندي والأمين العام زياد النخالة، تنخرط بانتظام في مشاورات مع حماس والوسطاء المصريين.

ويخلص غاروفالو إلى أن القاهرة باتت “وسيطًا مدمجًا” في التعامل مع الجهاد، فيما تعتمد واشنطن وتل أبيب على الضغط اللوجستي والمالي لضبط إيقاع الحركة داخل حدود الهدنة.

شاركها.