أمد/ عوامل كثيرة تقف وراء التحريك السعودي الفرنسي لتحيين الحديث عن حل
الدولتين وسط حرب الإبادة على غزة وتداعياتها إقليمياً ودولياً، وأهمها:
١ تزايد القناعة الدولية باستحالة تحقيق السلام والاستقرار في الشرق
الأوسط دون حل أصل الصراع وهو الاحتلال.
٢ بشاعة جرائم إسرائيل في قطاع غزة ومشاهد الجوع التي حركت الرأي العام
العالمي وأحرج الحكومات حتى في الغرب المؤيد لإسرائيل.
٣ صمود شعب فلسطين على أرضه وعدم وجود دول تقبل بتهجير واستقبال سكان
قطاع غزة بشكل جماعي.
٤ إصرار القيادة الشرعية الفلسطينية على الالتزام بعملية السلام.
٥ بالرغم مما حققته إسرائيل عسكرياً على كافة الجبهات والدعم الأمريكي
غير المجدود إلا أنها تعيش أزمة وجودية حقيقية، كما أنها لم تحقق كل
أهدافها الاستراتيجية ولا توجد ضمانات بعدم انفجار الأوضاع مرة أخرى في
نفس الجبهات أو في جبهات أخرى وخصوصاً أن تقنية الصواريخ البالستية أصبحت
متاحة لكثير من الدول والجماعات المسلحة.
٦ شعور متزايد من دول العالم بأن سياسة اليمين الصهيوني وممارساته شجعت
وحركت القوى اليمينية والأصوليات في دول العالم وحتى في أوروبا، مما يهدد
أسس الليبرالية والرأسمالية المعتدلة وخصوصاً ركيزتي الديمقراطية
والعلمانية.
٧ لا نستبعد أن واشنطن وبالرغم من موقفها المٌعلن برفض فكرة المؤتمر هي
التي حركت فكرته ليس لأنها تريد سلاماً حقيقياً يؤدي لقيام دولة فلسطينية
على حدود ٦٧ بل لتسكين حالة الغضب العالمي عليها وعلى إسرائيل وتحميلها
مسؤولية ولو أخلاقية عن مجازر غزة وتجويع أهلها.
٨ اهتزاز صورة إسرائيل وتهافت الأسس والرواية التي قامت عليها الدولة
مما يجعل من الصعب ترميم الصورة مستقبلاً، الأمر الذي سيفقدها حلفاءها
التقليديين من العرب.
٩ محاولة الدول التي تقف وراء فكرة المؤتمر وخصوصاً الرياض وباريس
والدول التي أعلنت أنها ستعترف بدولة فلسطينية مثل بريطانيا تبرئة نفسها
من تهمة التواطؤ مع العدوان من خلال صمتها على جرائمه.
١٠ ليس من باب التشكيك بالنوايا أو التخويف مما هو آتى، لا نستبعد أن
الدول المتحمسة لعقد المؤتمر متخوفة من إقدام تل أبيب وواشنطن على تنفيذ
مخطط التهجير وتصفية القضية الفلسطينية فهربوا للأمام نحو مواقف مؤيدة
نظرياً للفلسطينيين وهي تعلم صعوبة تنفيذ مخرجات المؤتمر.
ومع ذلك وبالرغم من أن إعلان نيويورك بشأن التسوية السلمية للقضية
الفلسطينية وتنفيذ حلّ الدولتين تحت رعاية فرنسا والعربية السعودية
المنعقد في نيويورك ما بين ٢٨ و٣٠ من هذا الشهر ليس مؤتمراً دولياً بمعنى
الكلمة من حيث إلزامية قراراته ،إلا أنه محاولة مهمة لإعادة تصويب المسار
السياسي للقضية الفلسطينية وعودة فكرة الدولة الفلسطينية بقوة إلى المشهد
السياسي كحل وحيد للصراع كما قد يُفشل كل مخططات العدو لاختزال فلسطين
بقطاع غزة وما جرى بعد السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ ومخططاته حول شرق أوسط جديد
بدون فلسطين تقوده إسرائيل ،كما تكمن أهميته في وضع جدول زمني لقيام
الدولة الفلسطينية (١٥ شهرا) مع التأكيد على رفض الاحتلال والعودة
لقرارات الشرعية الدولية ورد الاعتبار لوكالة الأونروا ودورها وإشارته
لعودة اللاجئين ورفض سياسة الاستيطان وتهجير الفلسطينيين من أرضهم الخ.
هذا المؤتمر وفي حالة وجود التزام دولي به مثل تبني قراراته في الدورة
القادمة للجمعية العامة للأمم المتحدة ومزيد من الاعترافات الدولية
بالدولة الفلسطينية ، قد يشجع على تحريك عملية السلام والعودة للمفاوضات،
إلا أن التقم الحقيقي في هذا المجال لن يحدث بدون موافقة تل أبيب وتحت
إشراف واشنطن.
صحيح أن هذا المؤتمر أعطى الأولوية لإنهاء حرب غزة ونزع سلاح حماس وتسليم
إدارة القطاع للسلطة الفلسطينية، إلا أن هذه الخطوة ضرورية وتعبر عن
إرادة غالبية دول العالم وهي مطلب لغالبية سكان القطاع، حيث لا يمكن
التقدم في عملية السلام والوصول لحل الدولتين في ظل الانقسام الفلسطيني
وسيطرة حماس على قطاع غزة.
بالرغم من أهمية هذا المؤتمر ألا أنه يجب ألا نخدع أنفسنا ونعتبر أن
الطريق أمام الدولة الفلسطينية باتت ممهدة، فبالإضافة الى عمومية والتباس
بعض نصوصه فإن قرار الحل والربط في ظل الوضع الإقليمي والدولي الراهن
يبقى بيد واشنطن وتل أبيب، لأن تنفيذ مخرجاته ، والتي لا تخلو من مبالغة
وخصوصا الجدول الزمني لقيام الدولة (15شهرا) ،سيواجه بتحديات كبيرة
مصدرها الخطوات العملية على أرض الواقع وقرارات العدو السابقة مثل :ضم
القدس واعتبارها عاصمة لإسرائيل وقرار رفض قيام دولة فلسطينية وخطة الحسم
لسموترتش أيضاً التصويت الأخير للكنيست بضم الضفة الغربية.
فهل ستتراجع إسرائيل عن قراراتها السابقة؟ ومن سيجبرها على ذلك؟ وهل
ستتراجع واشنطن عن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارتها لها؟
وفي هذا السياق لفت انتباهنا غياب روسيا الاتحادية والصين عن فعاليات
المؤتمر وهما اللتان يمكنهما التأثير في التوازنات والحلول الدولية وداخل
مجلس الأمن.