أمد/ الحرية ليست شعاراً يرفع في الميادين، ولا حلماً يلوح على أطراف الأفق، إنها فعل إرادةٍ وصيرورة وعيٍ، تصنعها الشعوب كما يصنع الفلاح خبزه من عرق الأرض، وكما يشعل المقاوم جمرة الكرامة في ليل الاحتلال الطويل.

 أن تكون حراً لا يعني أن تفك قيدك فقط، بل أن تزرع في روحك يقيناً لا يتزعزع بأنك تستحق حياةً كريمة، وأنك لم تولد لتكون عبداً لأي قوة غاشمة أو حصار خانق.

لقد علّمنا التاريخ أن الحرية تنتزع ولا تمنح، وأن الشعوب التي تضيء دروبها بدماء أبنائها وأحلام شهدائها هي التي ترسم للإنسانية طريقها الحقيقي.

في فلسطين، حيث يضرب الحصار جداراً من نار وحديد حول غزة، تتجلى الحرية في أبهى صورها؛ فهنا لا يكتفي الإنسان بأن يقاوم الاحتلال بالسلاح، بل يقاومه بالحب، بالصمود، وبالقدرة على البقاء حيّاً رغم كل محاولات الفناء.

واليوم، حين نرى أحرار العالم يهبّون من كل القارات ليكسروا الحصار، لا نيابة عنّا ولا شفقة علينا، بل لأن الحرية واحدة، ولأن الظلم أينما كان هو تهديد للعدالة في كل مكان، ندرك أن الإنسانية لم تمت، وأن صوت الضمير لا يمكن خنقه مهما علا ضجيج الدبابات، وهؤلاء الأحرار، الذين تركوا أوطانهم ليقفوا على تخوم غزة، يذكروننا بأن الحرية لا وطن لها إلا قلوب الشجعان، وأنها لا لغة لها إلا لغة العدالة.

كيف نصنع الحرية ونكون أحراراً.. نصنعها حين نتوحّد خلف مشروع وطني جامع، وحين نؤمن أن دمنا واحد ومصيرنا واحد، نصنعها حين نحمي ذاكرتنا من النسيان، ونزرع في وجدان أطفالنا أن الحرية ليست وهماً بل قدراً، ونكون أحراراً حين نكسر جدار الخوف، ونواجه الظالم بأصواتنا وأيدينا وأحلامنا، وحين نرفض أن نختزل في صورة ضحايا، بل نرتقي إلى مستوى الرسالة الإنسانية التي تجعلنا أصحاب حق لا يشترى ولا يباع.

تحية لأحرار العالم الذين حملوا قلوبهم على أكفّهم، وواجهوا بصدورهم المفتوحة جبروت الاحتلال والحصار، وتحية لكل من يؤمن أن غزة ليست رقعة جغرافية محاصرة، بل بوابة للحرية، وصرخة ضمير عالمي في وجه الطغيان.

إننا وإياهم نلتقي على درب واحد، هو درب الحرية، ومهما تعاظمت القيود، ستظل شعلة الحرية متقدة في قلوبنا، تحملها الأجيال جيلاً بعد جيل، حتى يشرق فجر العدالة على هذه الأرض، وتتحرر فلسطين، وتكتب للإنسانية صفحة جديدة من الكرامة والانتصار.

شاركها.