كيفية التعامل مع الرسوب في امتحان الثانوية العامة
بادئ ذي بدأ إنه لمن الإحسان أن نتوجه بأحر التهاني وأطيب التمنيات للناجحين والناجحات في شهادة الثانوية العامة ببلادنا الجزائر وجميع بقاع العالم، نهنئ تلامذتنا الأعزاء لأنهم هم مستقبل الوطن، وهم الركيزة الأساسية التي تبنى عليها آمالنا لغد مشرق. الناجحون والناجحات هم صانعو حياتنا ومستقبلنا، هم الفرحة والذخر الذي ننشد ونتمنى في كل مجالات حياتنا الاقتصادية والاجتماعية والعلمية والسياسية والثقافية والرياضية.
كما أنه من العدل أن نتوجه للراسبين والراسبات مشاعر المواساة ومقاسمتهم الشعور بالألم، فالذي يؤلمهم يؤلمنا والذي يحزنهم يحزننا، فهم كذلك مستقبل هذا الوطن، وهم كذلك آمالنا وعشقنا للتطور والنهوض بالوطن، لكن نقول لهم: قدّر الله وما شاء فعل، ولكم ولأسركم وللمجتمع منا هذه النصائح التي نتمنى أن تجد آذانا صاغية وقلوبا واعية.
لا شك يتسبب رسوب الطلبة في اختبار ما في شعور الراسب بالاستياء الشديد، ناهيك عن الحرج، لكن يوجد الكثير من الطرق التي يمكننا بها تشجيع من رسب ومساعدته لسلوك درب النجاح والوقوف من جديد.
والناجحون في الحياة ليسوا أولئك الذين لم يفشلوا أبدا ولكن بالعكس هم أولئك الذين فشلوا المرة تلو الأخرى وكانوا في كل مرة يفشلون فيها ينظرون إلى باطنهم ويعلمون أنه لا يزال بجعبتهم المزيد من الطاقة والإنتاج والإبداع، فنهضوا وواصلوا السير بخطى الثبات حتى أدركوا النجاح المنشود.
مع أن الرسوب ليس نهاية المطاف وإنما مجرد حجر عثرة تزول بزواله العقبات، ومع أن عدم الانتقال إلى صف جديد لا يعني الفشل عموما، إلا أن المفهوم السائد والنظرة السلبية تجعل الأمر أكثر تعقيدا مما يستحق، وبدلا من تشجيع الطالب على تحويل الأمر إلى حافز للتصحيح والاستمرار بإرادة وعزم، تأتي عبارات التوبيخ وتحطيم المعنويات لتزيد الطين بِلة وتترك في داخل الطفل أو المراهق ما لا تتحمله مشاعره الرقيقة، وتراكمات نفسية إن لم يتم تداركها قد لا تحمد عقباها.
وعلى الرغم من أن النجاح دائما هو القاعدة، والرسوب هو النشاز، فكثير من الأسر لا تتفهم ذلك، حيث تقيم الدنيا ولا تقعدها عند رسوب أي من أبنائها، وتنكس الرأس، رافضة مواجهة من حولها، حيث ترى أن فشل الابن فضيحة لا تغتفر وتجب مداراتها، وتداوم على إهانة الابن، والسخرية منه، وتعايره برسوبه، وتشعره طوال الوقت بالذنب، وتؤلب ضميره عليه، وهو ما يعرضه لحالة من الإحباط القاتل، ويشعره بالحزن المميت، ويفقد بذلك ثقته بنفسه، مع شعوره بالانكسار والدونية مقارنة بزملائه الناجحين، وقد يذهب به الأمر إلى فقدان الأمل في النجاح، مع تشككه في قدراته، ويضحى الفشل رديفا لا ينفصل عنه.
من الملاحظ للأسف أن الفشل لا يقع إلا على عاتق الأبناء فقط، وهو ما يؤدي إلى وضعهم تحت ضغط من التأنيب، والتوبيخ والضرب أحيانا، وكأنهم قد تعمدوا الرسوب وسعوا إليه، دون النظر إلى الأسباب أو الظروف المؤدية إلى هذا الرسوب، أو دور الأهل والمعلمين والمجتمع ككل.
فيا أيها الراسب لا تفقد الأمل أبدا، ومهما حدث لك في حياتك من تعثرات وتقلبات، فلا تفقد ثقتك في الله ثم في نفسك وقدراتك. وكن على يقين أن الله سبحانه وتعالى لن يضيع مجهودك وتعبك. وربما كان الخير في طريق آخر غير الذي اخترته لنفسك من البداية، المهم ألا تيأس وأن تجتهد وتقدم كل ما تستطيع من أجل الوصول إلى حلمك وهدفك. حتى لو لم تصل إلى ما تحلم به، فتأكد أن الله لن يضيع مجهودك، وأنه سوف يعوضك بكل خير، وربما يكون المستقبل القريب يحمل لك واقعا أفضل مما حلمت به بكثير.
نرى أن السبيل لتجاوز الفشل وإعادة المحاولة للنجاح، ليس بالتوبيخ والتأنيب والضرب، بل بتكاتف الجهود من خلال التوقف عن اللوم أو المعاقبة أو التوبيخ بشكل مستمر في حال الحصول على علامات منخفضة، وتقوية السمات الشخصية للطالب، وعدم التفرقة بينه وبين إخوته أو زملائه إذا كان هناك اختلاف في النتائج الدراسية، والتحدث معه وتفهم مشاعره، ومناقشة أفكاره ومخاوفه، ووضع خطة جديدة للدعم اللازم، ومعالجة المعوقات التي حالت بين الطالب وبين النجاح، والحرص الدائم على رفع معنوياته، وتشجيعه وتحفيزه بكل الطرق الممكنة، ودعمه نفسيا وعاطفيا.
وعلى الأسرة أن تعلم بأن الرسوب لا يعني الفشل، إنما هو كبوة غالبا تكون دفعة قوية لنجاح أفضل والفرص المقبلة. ولنقرأ قصص حياة رجال ونساء رسبوا في التحصيل العلمي لكنهم آمنوا بالله وبأنفسهم فأصبحوا كُتَّابا كبارا، وأصبحوا رجال أعمال مشهورين، وأصبحوا قيادات في المجتمع ومشاهير يشار إليهم بالبنان.