“كوب 29”.. خيبة أمل جديدة للدول المتضررة
خلصت قمة الأمم المتحدة للمناخ، المنعقدة بباكو، عاصمة أذربيجان، وبعد أسبوعين من مفاوضات شاقة، إلى الاتفاق على رفع قيمة التمويل السنوي لمساعدة الدول النامية على مواجهة آثار التغيرات المناخية، الاتفاق الذي جاء على عكس تطلعات الحكومات الفقيرة التي تحتاج إلى المزيد من الأموال للتكيف مع مناخ أكثر تدميرا، في ظل استمرار انبعاث الغازات الدفيئة بشكل مقلق.
فبالرغم من أن اتفاق باكو الذي تمت تلاوته خلال الجلسة الختامية لـ “كوب 29″، صبيحة اليوم الأحد، يأتي ليحل محل التعهدات السابقة من الدول المتقدمة بتقديم 100 مليار دولار سنويا للدول النامية، والتي لم يتم الوفاء بها إلا بعد تأخر دام سنتين كاملتين عن الموعد المحدد، إلا أنه أثار حالة من الإحباط لدى ممثلي هذه الدول، الذين وصفوه بأنه “غير كاف على الإطلاق”.
ويتمثل هذا الالتزام المالي من جانب دول أوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، وكندا، وأستراليا واليابان، ونيوزيلندا، تحت رعاية الأمم المتحدة، في زيادة القروض والمنح للدول النامية من 100 مليار إلى 300 مليار دولار سنويا على الأقل، إلى غاية عام 2035.
وتخصّص الأموال لمساعدة هذه الدول على التكيف مع الفيضانات وموجات الحرّ، والجفاف، وأيضا للاستثمار في الطاقات منخفضة الكربون بدلا من تطوير اقتصادياتها عن طريق حرق الفحم والنفط كما فعلت الدول الغربية لأكثر من قرن.
التزام غير مرضي
ولم يخف الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، تحفظه حيال الاتفاق بشأن تمويل المناخ الذي تم التوصل إليه خلال هذه القمة التي شارك فيها نحو 80 من قادة الدول والحكومات، وذلك بعد مدّ وجزر بين الدول المتقدمة المستفيدة بكل الأحوال من تضرّر المناخ المتزايد، ودول فقيرة وأخرى سائرة في طريق النمو، تحاول أن تلزم القوى الاقتصادية والصناعية بتحمل مسؤولياتها أمام كوارث المناخ وتداعيات تغيراته الخطيرة.
وقال المسؤول الأممي في بيان له: “كنت آمل في التوصل إلى نتيجة أكثر طموحا.. من أجل مواجهة التحدي الكبير الذي نواجهه”، داعيا الحكومات إلى اعتبار هذا الاتفاق “أساسا لمواصلة البناء عليه”.
أما المتحدث باسم المجموعة الإفريقية، الكيني محمد علي، فقد أعرب عن أسفه على الالتزام المالي غير المرضي في هذا الاتفاق، قائلا إن “الالتزام بحشد مزيد من التمويل بحلول عام 2035 ضعيف جدا ومتأخر جدا وغامض جدا لناحية تنفيذه”. وأضاف علي قائلا: “نغادر باكو ونحن نعلم أننا أحرزنا تقدما في بعض المجالات، ولكن ما حققناه بعيد عما كنا نأمله”.
وأعربت من جهتها، وزيرة الانتقال البيئي الفرنسية أنياس بانييهروناشيه، عن أسفها لأن الاتفاق الذي تم التوصل إليه في مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين في أذربيجان “مخيب للآمال” و”ليس في مستوى التحديات”.
وقالت الوزيرة في بيان لها، إنه على الرغم من حصول “الكثير من التقدّم”، بما في ذلك زيادة التمويل للبلدان الفقيرة المهددة بتغيّر المناخ إلى ثلاثة أضعاف، فإنّ “النص المتعلّق بالتمويل قد اعتمد في جوّ من الارتباك واعترضت عليه عدد من الدول”.
انقسامات وتنصّل من المسؤولية
هذا وكانت الدول الأكثر عرضة لآثار التغير المناخي وتداعياته الخطيرة، قد انسحبت أمس السبت، من المشاورات مع رئاسة أذربيجان للمؤتمر، احتجاجا على محاولة مفضوحة للقوى الاقتصادية والصناعية للتنصل من مسؤوليتها التاريخية أمام الكوكب، ومحاولتها كذلك لفرض منطقها “غير العادل” بخصوص المناخ.
واحتجت هذه الدول المتضررة من تداعيات “الاعتداء” على المناخ، على ما اعتبرته مسودة اتفاق لا تفي بمطالبها للحصول على مساعدات مالية، خاصة في ظل المخاوف بشأن كيفية جمع المبالغ المطلوبة، بعد أن أظهرت المحادثات انقسامات بين الحكومات الغنية التي تتحجج بالقيود المالية المحلية، والدول الفقيرة المشككة في وعود هذه الأخيرة، على خلفية العراقيل المسجلة سابقا.
وأعلن سيدريك شوستر من ساموا، متحدثا باسم مجموعة الدول الجزرية برفقة ممثل مجموعات البلدان الـ 45 الأكثر فقرا في العالم، المالاوي إيفانز نجيوا، “نعتبر أنه لم يتم الإصغاء إلينا”. وقد ندّد نجيوا، بالاتفاق ووصفه بأنه “غير طموح بما فيه الكفاية”، مؤكدا “هذا الهدف ليس ما كنا نأمله بعد سنوات من المناقشات”. وبدورها، قالت ممثلة الوفد الهندي شاندني راينا، في الجلسة الختامية للقمة بعد دقائق من التوقيع على الاتفاق “يؤسفني أن أقول إن هذه الوثيقة ليست أكثر من مجرد خداع بصري، وفي رأينا لن تعالج ضخامة التحدي الذي نواجهه جميعا”، مشيرة إلى أن الرئاسة الأذرية لم توفر لها فرصة التحدث قبل الموافقة النهائية على النص.
وبعد أكثر من 24 ساعة من التأخير، بعد امتداد أشغال القمة لوقت إضافي مع سعي مفاوضين من نحو 200 دولة للتوصل إلى اتفاق بشأن خطة التمويل المناخي العالمية في العقد القادم، بدأت الجلسة الختامية لمؤتمر الأطراف كوب 29 ليل السبت، بينما دعا رئيس المؤتمر مختار بابايف، الدول إلى تخطي “انقساماتها”. إنفاق شحيح
ووفقا لمجموعة من اء المستقلين التابعين للأمم المتحدة، تقدر الحاجة إلى المساعدة الخارجية بحوالي تريليون دولار سنويا حتى عام 2030، ومن المتوقع أن ترتفع هذه الحاجة إلى 1.3 تريليون دولار سنويا بحلول عام 2035.
ويعادل اتفاق “كوب 29 ” القاضي بتمويل سنوي يتوقف عند عتبة 300 مليار دولار سنويا، 45 يوما فقط من الإنفاق العسكري العالمي في 2023، ويعادل أيضا 40 يوما من فاتورة إنفاق النفط العالمي.
كما يقارب التمويل الذي اعتبرته الدول المتضررة من انبعاثات الغازات الدفيئة “مخيبا للآمال”، قيمة الدمار الذي تسبب فيه إعصار كاترينا في 2005، والتي توقفت عند 200 مليار دولار. كما جاءت قيمة اتفاق التمويل هذه أقل من ثروة الملياردير الأميركي إيلون ماسك لوحده والبالغة 321.7 مليار دولار.