كرّ وفرّ بين أعوان الرقابة والتجار خلال رمضان
“صاحب المحل غير موجود.. أنا مجرد عامل بسيط”، “أعدكم بتنظيف المكان وترتيبه من جديد”.. بهذه العبارات وما أكثرها يحاول التجار “مناورة” فرق أعوان الرقابة التجارية وقمع الغش ومصالح الشرطة خلال أيام رمضان في مشهد يومي يذكرّنا بلعبة الكرّ والفرّ بين القط والفأر.
رغم أن مراقبة النشاطات التجارية تهدف إلى حماية المستهلك وتنبيه التجار على ضرورة احترام الشروط اللازمة لعرض وبيع السلع، والظروف اللازمة التي يجب احترامها أثناء تخزينها للمحافظة عليها من التلف، إلا أن التجار لم ترقهم زيارة أعوان الرقابة التجارية والشرطة الذين يعرفون خباياهم جيدا.
توابل بنكهة مواد التنظيف في السّمار
“” رافقت مصالح أمن العاصمة رفقة المفتشية الإقليمية للتجارة لمقاطعة بئر مراد رايس، في مداهمة لبائعي الجملة بجسر قسنطينة، السمّار سابقا، وسوق بيع الخضر والفواكه ببئر الخادم خلال الشهر الفضيل، الذي يستغله أغلب التجار في رفع أسعار المواد الأساسية وعرض وتحضير منتجات بطريقة غير صحية، ناهيك عن انعدام أدنى شروط النظافة.
في ورشة تشبه علبة كبريت لضيق مساحتها، تقع بالطابق الأرضي لفيلا في طور الإنجاز بسوق الجملة بالسمار، يحضّر صاحبها التوابل والبهارات في غياب أدنى شروط النظافة، حيث تختلط أكياس التوابل بمواد التنظيف وقطع غيار الطاحونة المتناثرة هنا وهناك، على أرضية إسمنتية متسخة، ناهيك عن أسلاك الكهرباء العارية التي تهدد صاحب الورشة والزبائن بالصعق.
هي تجاوزات أثارت غضب رئيسة المفتشية الإقليمية للتجارة لمقاطعة بئر مراد رايس، حمروش زهرة، التي راحت تواجه بها العامل الوحيد بالورشة، وهو شاب لا يتجاوز الـ20 سنة، ليرد عليها قائلا: “أنا مجرد عامل بسيط بالورشة سيدتي”، تحاول رئيسة المفتشية امتصاص غضب المعني، وهي تشرح له أضرار ظروف التخزين غير الصحية وانعدام النظافة على صحة المستهلك، لكن المعني تمسّك بنفس الإجابة السابقة: “راني ناكل في الخبزة فقط”.
وفي هذه الأثناء، حضر صاحب الورشة علّه يجيب على أسئلة السيدة زهرة، وببرودة أعصاب قال: “أطحن كل التوابل والكمية لا تتجاوز الـ10 كلغ” تقاطعه غاضبة: “توابل بنكهة الجافيل”، يطأطئ المعني رأسه قبل أن يرد “معك حق سيدتي، لكن أعدك بإعادة تهيئة الورشة في أقرب وقت”.
في هذه الأثناء تم تحرير محضر لتتخذ ضد المعني الإجراءات اللازمة، لكن ما استوقفنا أن خبر حضور فرقة الرقابة ينتشر كالبرق بين التجار، وفي بعض الأحيان قبل 24 ساعة من المداهمة، وبالتالي يغلق التجار المخالفين للقانون محلاتهم، وفي اليوم الموالي تعود المياه إلى مجراها.
“راهو جا الكونترول”..
بهذه العبارة استقبلنا تجار السوق المغطى لبيع الخضر الفواكه ببئر خادم، الذي يستقبل مئات الزبائن يوميا.. فوضى وضجيج يملآن أرجاء المكان، أوساخ منتشرة في كل زاوية وحركة الزبائن لا تكاد تنقطع، وبصعوبة كبيرة أخذنا نشق طريقنا نحو السوق بين الطاولات المنتشرة كالطفيليات في جميع الأزقة المؤدية إلى السوق.
دخلنا السوق المغطاة، وللوهلة الأولى تقف عند تجاوزات التجار الذين يشتغلون بداخله، وما شدّ انتباهنا أكثر هي محلات بيع اللحوم الحمراء التي تغيّر لونها من اللّون الأحمر المعروف إلى الأسود، بعضه معلق وآخر موضوع على طاولة خشبية خارج الثلاجات وبالطبع الأوساخ والدماء منتشرة في كل زاوية.
وما يحزّ في النفس أكثر هو حالة زجاج الثلاجة المقزز جراء الأوساخ الملتصقة به من الخارج، أما بداخله فالأمور سيئة بكثير. أما عن الأسعار وكيفية ضبطها، فحدّث ولا حرج، فالتجار ليسوا ملزمين بوضع الأسعار فوق السلع، وليس هناك سقف يضبطها، بل باستطاعة أي كان أن يبيع بالسعر الذي يناسبه مهما كان مرتفعا، وهذا ما يؤدي في الكثير من الأحيان إلى التهاب الأسعار.
هي تجاوزات أثارت غضب المفتشة زهرة التي اقتربت من أحد التجار لتواجهه بها، لكن هذا الأخير لم يبد عليه أي ارتباك، حيث دافع عن نفسه قائلا: “السلعة وصلت في الحين، ولم أضعها بعد في الثلاجة”، لترد عليها: “وماذا عن إشهار الأسعار”، فأجاب: “سأعرضها حالا”، حينها أخبرتنا المفتشة أن أغلب بائعي اللحم يهضمون هذا الكلام، كما أنهم يستعملون مصابيح ملونة ذات لون وردي، وهي بمثابة خدع بصرية تجعل اللحم يظاهريا يبدو طازجا للزبون.
وفي الوقت الذي كانت فرقة التفتيش تقوم بمهامها، لمحنا بعض التجار يمزحون مع جارهم بائع اللحوم: “باصا مسكين”، فيما سارع آخرون إلى تنظيف المحل وتعليق ملصقات الأسعار، بل وبالاتصال بزملائهم في المحلات المجاورة لإخطارهم بوجود فرق التفتيش علّهم يتداركون أية مخالفة.
ليس بائعو اللحوم الوحيدين من يخالفون القانون، بل بائعو مشتقات الحليب أيضا، وهو ما لاحظناه بالمنطقة الحضرية الجديدة بـ 18 بجسر قسنطينة، حيث يعرض التجار القانونيون مشتقات الحليب والأجبان مكتوب عليها “تحفظ في مكان بارد” في طاولات للبيع على الرصيف، ويتفنّنون في الغش والتحايل على الزبون وعدم احترام معايير النظافة، من بينهم تاجر له سوابق في هذا المجال، حيث تلقى 40 إعذارا لارتكابه تجاوزات بالجملة.
تنفيذ 13 قرار غلق
نشير في الأخير إلى أن المصالح العملياتية لأمن ولاية الجزائر، بالتنسيق مع مختلف المصالح، على غرار مصالح ولاية الجزائر ومصالح التجارة، فعلت مخططا خاصا خلال شهر رمضان لحماية المستهلك من أي خطر قد يتعرّض له جراء تناوله الأطعمة الفاسدة، إضافة إلى مراقبة جميع السلع والمنتجات المعروضة للبيع للتأكد من صلاحيتها وضمان عدم استغلال الباعة خلال هذا الشهر الفضيل في ترويج الأطعمة المضرة. وفي هذا الإطار سجلت مصالح الشرطة العامة لأمن ولاية الجزائر 822 عملية مراقبة تم خلالها تنفيذ 13 قرار غلق صادر عن السلطات المعنية.