أمد/ من يراقب الأوضاع الاقتصادية في الضفة الغربية خلال العامين الماضيين، أي منذ عملية السابع من أكتوبر بغزة عام 2023، وما تلاها من حرب إبادة إسرائيلية لم يشهد لها العالم مثيل، يدرك أنها تسير بخط بياني هابط ثابت نحو الأفول، هذا الخط الذي يختفي حاليا خلف دخان البيوت المدمرة بغزة، لكن الإشارة شديدة الوضوح التي تصدر من مراكز الأبحاث المختصة بالشؤون الاقتصادية تؤكد أن الأمر صعب جدا ولم يعد يمكن القبول به.

فلا يخفى على أحد حقيقة أن الحرب في غزة تسببت في فقدان نحو 130 ألف وظيفة بالضفة الغربية بشكل مباشر، ونحو 144 ألف عامل من الذين كانوا يعملون في إسرائيل توقفوا أيضا عن العمل لأشهر طويلة، فيما وصلت البطالة بين الشباب والنساء إلى أعلى مستوى لها منذ عقود، فتجاوزت 40% لدى الشباب دون 30 عاما، وهو ما لم يحدث من قبل، الأمر الذي كانت وستكون له تداعيات قاسية على الفلسطينيين بالضفة، فالأمر ليس بالسهولة المعتادة، إنما نحن نتحدث عن قوت شعب كامل كان يعيش حياته البسيطة رغم تنغيصات الاحتلال هناك.

والحقيقة التي لا تغطى بغربال، هي أن العجز التجاري في الضفة الغربية قد ازداد بشكل رهيب، فبعدما كان العجز يقدر بنحو 7.2 مليار دولار قبل الحرب، أصبح أكثر من 6.3 مليار بعد الحرب وذلك بسبب انخفاض التبادل، خصوصا في قطاعات الصناعات التحويلية، الحجر، الأثاث، الزراعة، المواد الغذائية، ولك أن تتصور تأثير القيود الأمنية والمعابر التي منعت تدفق البضائع بشكل طبيعي.

ومن الطبيعي أيضا أن تتأثر حركة البضائع والأسعار، فارتفعت بشكل معتدل مقارنة بغزة، لكنها ما زالت تفوق مستويات ما قبل الحرب، خلافا لضعف الطلب الداخلي وارتفاع تكاليف النقل، الأمر الذي أثّر على جميع الأسواق بالضفة، مرورا باستمرار القيود على المعابر التجارية التي تعرقل تعافي السوق الفلسطينية ككل، وليس انتهاء بتراجع المبيعات بـ 2030% في الضفة بسبب ضعف الدخل والقدرة الشرائية.

ومن الغريب أن يندهش أحدا من هذه الحقائق، فيرون أن أهل الضفة في موقع اقتصادي جيد مقارنة بواقع قطاع غزة، ولكن كيف يتم ذلك؟ هل نقارن بالوضع الأفضل أم وضع غزة المدمرة التي لا حول لها ولا قوة، ولم يعد هناك اقتصاد أصلا؟ للأسف هذا بسبب مناخات في إسرائيل تمت صناعتها نحو شطب الملف الفلسطيني ككل سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، مستغلين لحظة “غباء” سياسي تاريخية توفرت في السابع من اكتوبر.

أخشى ما أخشاه أننا سنكون أمام انفجارات داخلية في الضفة مثلما حدث بغزة أثناء الحرب من بلطجة واستقواء وغيره بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة الناتجة عن التجويع، وقد يأخذ الأمر مزيدا من الوقت لأن المجتمعات تتحول ببطء، ولكن للأسف هذا يحدث للدول والمجتمعات عندما تفقد التوازن بين قوة الشعب وجوع الشعب وتقلص العقل.

وليس من المغامرة القول إن نذر انفراط العقد الاجتماعي قد بدأت تطل برأسها اقتصاديا، واجتماعيا وحكوميا بالضفة، خصوصا وأن الموظفين العموميين لا يتلقون رواتب كاملة منذ أكثر من أربعة أعوام، أي قبل الحرب بعامين، مما يثبت أن شطري الوطن متلازمان وأن الوطن واحد وأن الألم واحد.

والمفارقة أن الأزمة الاقتصادية الداخلية تبدو كما الثعبان الذي يبتلع الثور بقرونه الجارحة فيموت، وهذا ما سيحدث للأزمة فور تحسن الأوضاع في غزة فانتهاء الحرب والتجويع وتحسن الوضع الاقتصادي بغزة وبدء دخول البضائع اليها، سيعيد الأوضاع الاقتصادية بالضفة إلى طبيعتها.. هذا هو الواقع.

أن يصبح الوضع الاقتصادي في قمة الصعوبة وذروة الخوف والتوتر، في الضفة الغربية موطن الفلسطينيين وأرض تطور حضارتهم، يعني إسدال الستار على القضية الفلسطينية للأبد.. والحقيقة أن الفلسطينيين بمغامراتهم وبسوء إدارتهم مهدوا لهذا والانهيار وفقدان المناعة الوطنية للأسف..!

شاركها.