كاد المعلم أن يكون رسولا !!
في جامع الترمذي، يقول أبو الدرداء رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: “من سلك طريقا يبتغي فيه علما سلك الله به طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاء لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب…”.
ها قد انقضت العطلة الصيفية، وهاهم أبناؤنا وبناتنا على أهبة العودة إلى مقاعد الدارسة على بركة الله، أسأل الله أن يأخذ بنواصيهم لما فيه الخير والصلاح. وبهذه المناسبة المجيدة، أردت أن أخاطب إخواني من معلمين ومعلمات، أحب أن أتحدث معهم وأوجه لهم نصيحة أخوية من خلال صحيفتنا الغراء “”، أرجو الله أن يكون لها أثر في النفوس.
اعلم أخي المعلم واعلمي أختي المعلمة أن مسؤولية التربية والتعليم مسؤولية جسيمة خطيرة، ومسؤولية كبيرة عظيمة؛ لأنها تتعلق بتربية الأجيال من بنين وبنات، فأنتم بالدرجة الأولى مسؤولون عن تربيتهم وتوجيههم، ورسم الطريق الذي يسيرون عليه في مستقبل أمرهم. إذا، فالمعلم والمعلمة يجب أن يستحضر كل منهما هذه المسؤولية العظيمة، وأن يتصوّروا هذه الأمانة الملقاة على عواتقهم، فإن تصوّروها حق التصوّر وعلموا أهميتها، دعاهم ذلك إلى أن يؤدوا ما استطاعوا من واجب، وما قدروا عليه نحو أداء هذه المهمة على الوجه المرضي، فنبينا صلّى الله عليه وسلم بيّن لنا أن كلا مسؤول عما استرعاه الله عليه، حفظ ذلك أم ضيع.
أخي المعلم، أختي المعلمة.. إن في أعناقكم مسؤولية تربية هذا النشء وتثقيفه، فلتكونوا على قدر ما حملتم من مسؤولية، فأولا وقبل كل شيء الإخلاص في العمل، ثم الحرص في المحافظة على الوقت زمنا وأداء، وذلك بالالتزام بالحضور في الوقت، وأداء العمل بجد ومثابرة، فالله الله فلا تستخفوا بهذه المسؤولية، ولا تستهينوا بها، فإنها أمانة وربكم سائلكم عنها.
أخي المعلم، من باب النافلة أذكرك بالصلاة، فلا شك أنت حريص عليها، فليشعر الطلاب منك بترغيبهم فيها وحثهم عليها وبيان منزلتها في الإسلام لكي يؤدوها. أيها الفاضل، قبل التعليم فأنت مربّ؛ رغّب الأولاد في بر الأبوين، وبيّن لهم وجوب برهما، والسمع والطاعة لهما في المعروف، فعسى الله أن ينفع بتوجيهك، حُثهم على احترام الكبير ورحمة الصغير، وكن راسما لهم للأخلاق الكريمة، حُثهم وبيّن لهم أن هذا الدين دين أخوة ومحبّة ومودّة وجمع للكلمة، حُثهم على احترام الجيران وكفّ الأذى عنهم. رغّبهم في سلوكهم وسيرهم في ذهابهم إلى المدرسة ورجوعهم منها، حُثهم على الطمأنينة والهدوء في سيرهم، وحذرهم من التهور في اجتيازهم للطريق، انصحهم أن يمروا من الأماكن المخصصة للمشاة، حذرهم من الأخلاق السيئة ومن مصاحبة خلان السوء: “إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيّبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحا خبيثة”.
أما أنتم إخواننا الإداريون، فإن دوركم لا يقل شأنا عن دور المعلمين، تابعوا الطلبة في حضورهم للمدرسة في الوقت، راقبوا هندامهم، وقصات شعورهم، وتقليم أظافرهم، حثوا البنات على فريضة الحجاب، ذكّروا الطلاب بما أنعم الله علينا في بلادنا من أمن واستقرار، وتعاونوا على الخير في أداء هذه المهمة العظيمة التي ائتمنكم الله عليها.
أخي المعلم، أخي الإداري.. يكفيكم فخرا أنكم تمارسون مهنة الأنبياء التي هي تربية الأمة وتثقيفها، ولله در شاعر النيل أحمد شوقي حين يقول:
قم للمعلم وَفِّهِ التبجيـلا
كاد المعلم أن يكون رسولا
أعلمتَ أشرف أو أجلَّ من الذي
يبني وينشئ أنفسا وعقولا
ورحم الله ابن عطاء الله السكندري حين قال: “إذا أردت أن تعرف مقامك فانظر حيث أقامك”. نسأل الله أن يجمع قلوبنا على طاعته، وأن يعيذنا من زوال نعمته ومن تحول عافيته، ومن فُجاءة نقمته.. والله ولي التوفيق.
* إمام وأستاذ بجامعة العلوم الإسلامية الجزائر1