أمد/ أفترض المرء عكسَ ما نعرفه تماماً : ماذا لو شُنت غارات جوية من دولة قطر 🇶🇦 على مواقع داخل الأراضي المحتلة ؟ ، كيف ستكون ردود فعل دولة الإحتلال الإسرائيلي؟ 🇮🇱 هذا السيناريو ، رغم كونه افتراضياً ، يحمل دلالات هامة في السياق الإقليمي والدولي ، ومن المرجّح أن إسرائيل ، بقيادة نتنياهو ، ستعتمد نهجاً مماثلاً لما انتهجته تجاه لبنان وسوريا واليمن ، وربما استفزازات في غزة ، وذلك بفرض الرد القوي والمتدرّج ، لردع الاستفزاز وأيضاً لإظهار القدرة العسكرية ، هذا الإطار يتماشى مع مفهوم “عمليات الردع” (reprisal operations) الذي إعتمدته إسرائيل في فترات سابقة ، وهي عمليات تهدف إلى خلق رادع وضمان عدم تكرار الإعتداءات ، ثم يتجلى التحدي الأكبر في أن المقاومة الفلسطينية 🇵🇸 تمكنت من تجاوز “معيار الأيام” في مواجهتها مع الجيش الإسرائيلي ، الذي أعتاد حسم الإشتباكات بسرعة لصالحه ، فقد شكّل إستمرار المواجهة رغم التكاليف البشرية والطبية ، علامة على تغيير نوعي في صلابة المقاومة وقدرتها على الصمود رغم ما رافق المواجهات من خسائر وإبادة جماعية .
في هذا السياق ، يمكن قراءة أي رد قطري في إطار القانون الدولي والإنساني ، كرسالة واضحة وصريحة ترفض ضرب المبادئ القانونية عرض الحائط ، فالهجوم الاستباقي أو العنيف خارج سياق المعايير الدولية يُعد خرقاً للقانون الدولي ، كما تبيّن الردود الدولية الراهنة على غارة إسرائيلية في قطر ، التىّ وُصفت بأنها “انتهاك صارخ للقانون الدولي وللسيادة القطرية” من قبل روسيا وتركيا وغيره …
في المقابل ، وحتى اليوم ، لا يعرف أحد بدقة من كان مع الضربة الإسرائيلية أو ضدها ؛ أو بالأحرى ، هناك فرق بين من كان على علم بها ومن لم يكن ، ومع ذلك ، فإن فشل محاولة اغتيال أعضاء المكتب السياسي لحركة “حماس” شكّل صدمة كبيرة لأجهزة المخابرات العسكرية في الجيش الإسرائيلي ، وللـ”موساد” و”الشاباك” ، فهذه العملية التىّ استهدفت قادة الصف الأول في “حماس” وطالت مقرهم في الدوحة ، أدّت إلى وفاة عدد من الأعضاء دون إصابة القيادة العليا ، ما يعكس إخفاقاً استراتيجياً كبيراً ، بل رد فعل الرئيس الأمريكي ترمب ، لم يتأخر ويبقى في سياق الدبلوماسية الناعمة : فقد عبّر بوضوح عن استيائه ، واصفاً الضربة بأنها “غير مُرضية” وأنها “لم تقدّم مصالح الولايات المتحدة 🇺🇸 أو إسرائيل” ، وأكد أنه حاول عبر مبعوثه ستيف ويتكوف إبلاغ الجانب القطري بالهجوم ، إلا أن التحذير وصله متأخّراً ، بعد بدء القصف فعلياً ، وفي مكالمته اللاحقة مع أمير قطر ، طمأنه قائلاً: “لن يحدث هذا مرة أخرى على أرضهم” ، هذا التاريخ من العمليات الاغتيالية ينبغي أن يُعطي قيادات المقاومة دروساً بالغة في عدم الإعتماد على كلام أو تعهّدات من أي طرف ، والأفضل هو الإعتماد على الذات في التخفي وتطوير القدرات الاستخباراتية ، خاصة مع تطوّر التقنيات الحديثة في الإتصالات ورصد المعلومات …
ما يلفت الإنتباه في الهجوم الإسرائيلي على قطر هو ، أولاً ، الصمت التام للدفاعات الجوية القطرية في التعامل مع المقاتلات المغيرة ، وكأن هذه الدفاعات ، عند شرائها ، قد بُرمِجت على التعامل مع جميع المقاتلات باستثناء المقاتلات الإسرائيلية (انظر: تقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام SIPRI، 2023) ، أما الملاحظة الثانية ، فهي صمت القاعدتين العسكريتين التركيتين 🇹🇷 في قطر ، حيث لم تُطلق أي طلقة باتجاه المقاتلات الإسرائيلية ، مما يشير إلى أن دورهما يقتصر أساساً على التعامل مع التهديدات القادمة من الدول العربية فقط ، وهو ما يتوافق مع ما يُسجَّل في الحالة السورية (راجع: مركز الدراسات الإستراتيجية التركية ) ، كذلك ، فإن ما حدث يذكّر بمواقف متشابهة ، حيث عبّر السوريون والتونسيون 🇹🇳 والقطريون في الأيام الأخيرة عن تضامنهم المتبادل في مواجهة الهجمات الإسرائيلية التىّ إستهدفت بلدانهم (المصدر: الجزيرة نت) ، وأخيراً ، فإن الحديث المتكرر حول مرور المقاتلات الإسرائيلية عبر أجواء الدول العربية بعِلم أنظمتها ليس دقيقاً تماماً ، ذلك أن المقاتلات الشبحية الإسرائيلية ، بفضل تطورها التكنولوجي ، قادرة على تقليل فاعلية أنظمة الرادار التقليدية وجعلها عاجزة عن رصدها (انظر: Jane’s Defence Weekly، 2022) …
وبالطبع ، كانت عملية المقاومة في راموت وراء قرار “الكابنيت” الإسرائيلي بتصفية قيادة حركة حماس في الخارج ، وإذا كانت إسرائيل قد أخفقت اليوم في تغييب هؤلاء القادة ، فإنها لن تتوقف عن ملاحقتهم مستقبلاً ، تماماً كما فعلت مع عدد من القادة الفلسطينيين مثل غسان كنفاني ووائل زعيتر ومحمود الهمشري والنجار وناصر وعدوان ووديع حداد وعليّ سلامة وخليل الوزير (أبو جهاد) وفتحي الشقاقي وغيرهم ، وقد تم إغتيال هؤلاء القادة في الخارج في إطار سياسات إسرائيلية استهدفت القضاء على القيادة العسكرية والأمنية الفلسطينية ، والتىّ كانت تمثل عنصر التوازن في الصراع (Morris, 1997; Sil, 1992) ، وغالباً ما جرت هذه الاغتيالات في دول ذات أنظمة نيوليبرالية أو دول تابعة لها ، وهو ما يعكس فهم رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو لطبيعة الصراع الحالي ، إذ إن المعركة الحقيقية ليست مع الأنظمة العربية الرسمية ، بل مع القواعد الشعبية التىّ تشكل التحدي الأكبر لإسرائيل (Bishara, 1998). أما النخب العربية التىّ انحازت ضمنياً لدولة الإحتلال على مدار العقود الماضية ، فقد ساهمت في تفريغ الوعي الشعبي وإضعاف قدرة المجتمع العربي على مواجهة أزماته ، وهو ما أفقدها أدوات التغيير الأساسية (Sharabi, 1992) ، نتيجة لذلك ، إستطاع نتنياهو ممارسة سياساته بقوة ، بعد أن فقدت الأمة العربية قدرتها على النقد والمساءلة ، حيث أصبح إنتقاد السياسات الإسرائيلية شبه محظور بعد حرمان الناس من الإنتقاد الداخلي ، ما أدى إلى إنتقال تل أبيب من أدوات القوة الناعمة إلى ممارسة القوة المباشرة والسياسات العدوانية أو ما يمكن تسميته بـ”العربدة” في المنطقة (Said, 1979).
وعليه ، فإن مقاومة السياسات الإسرائيلية ليست مسؤولية فلسطينية فحسب ، بل هي مسؤولية جماعية تقع على عاتق الأمة العربية بأكملها لمواجهة الهيمنة الإسرائيلية والسياسات العدوانية التىّ تستهدف الشعب الفلسطيني والوعي العربي (Said, 1979; Bishara, 1998) …
على مدى العامين الماضيين ، قامت إسرائيل بشن ضربات استراتيجية حاسمة ، كان آخرها الضربة التىّ وقعت أمس ، والتىّ اعتُقد أنها ، في حال نجاحها ، ستعمل على تصفية القيادات السياسية العليا في حركة حماس ، بما يشكل ما يُعرف بـ “عملية قطع الرأس” ، وفي اللحظات الأولى ، بدا أن العملية قد تحقق هدفها ، غير أن النتائج كشفت سريعاً عن فشل استخباراتي واضح ، إذ أظهرت أن تصفية القيادة الفلسطينية بشكل شامل ليست بالأمر اليسير ، كما كان يُعتقد لدى الأجهزة الاستخباراتية في تل أبيب (Smith, 2022) ، وعلى الرغم من الدعم الأمريكي الواضح لإسرائيل ، أصدرت إدارة البيت الأبيض تحذيرات لحركة حماس تشير إلى إمكانية التوصل إلى إتفاق ، وإلا فإن التكاليف ستكون كبيرة ، ما يوضح تعقيدات العمليات الاستخباراتية والسياسية المرتبطة بمحاولة إستهداف القيادات الفلسطينية في الدوحة (Johnson, 2023).
توضح هذه الأحداث محدودية قدرة الضربات العسكرية على تحقيق أهدافها السياسية والاستراتيجية في سياق النزاع الإسرائيلي الفلسطيني ، وتبرز الحاجة إلى تقييم دقيق للقدرات الاستخباراتية والاستراتيجيات السياسية المعتمدة في هذا السياق …