أمد/ كشفت تقارير إعلامية إسرائيلية عن الدور المحوري الذي لعبه الجنرال السابق يوآف (بولي) مردخاي في إدارة قنوات الاتصال بين إسرائيل وقطر، خاصة خلال فترات إعادة إعمار قطاع غزة. مردخاي، الذي شغل سابقًا منصب منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، كان بمثابة حلقة وصل مع المبعوث القطري محمد العمادي، المسؤول عن ملف إعادة الإعمار، الأمر الذي سهّل إدماج قطر في مسارات التفاوض والتمويل المتعلقة بغزة.
غير أن هذا الدور أثار جدلاً داخلياً في إسرائيل. فبينما تُصنَّف قطر رسمياً باعتبارها داعماً أساسياً لحركة حماس، اعتمدت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة وخصوصاً في عهد بنيامين نتنياهو على تحويل الأموال القطرية إلى غزة، بدعوى أنها وسيلة لشراء الهدوء وضبط الأوضاع الإنسانية. وقد تولى مردخاي الإشراف على جانب من هذه الترتيبات، قبل أن تتكشف لاحقاً شبهات بوجود علاقات مالية معقدة مرتبطة بعمله بعد تقاعده من الجيش. ويأتي تورط مردخاي في هذا السياق ضمن شبكة أوسع من تورط عدد من مستشاري نتنياهو الذين أداروا خط الوساطة والرسائل لصالح قطر.
إلى جانب هذا الدور الأمني والسياسي، برزت أيضًا أبعاد تجارية مثيرة للجدل. فمردخاي أسس شركة خاصة بعد تقاعده، شاركت في مشاريع مرتبطة بتنظيم مونديال قطر 2022، ما أضاف طبقة جديدة من المصالح المتشابكة بينه وبين الدوحة. هذه النقطة أثارت تساؤلات في إسرائيل حول تضارب المصالح: كيف يمكن لمبعوث أمني سابق أن يجني مكاسب مباشرة من دولة يُتهم قادتها بدعم خصوم إسرائيل؟
وتزايدت الشبهات مع الكشف عن اعتقال اثنين من مستشاري نتنياهو بتهم تتعلق بالفساد المالي وتلقي أموال من قطر، في إطار ما بات يُعرف إعلامياً بـ”قضية قطر غيت”.
وتشير المصادر إلى أن هذه القضية ارتبطت بمحاولات لتلميع صورة الدوحة في الولايات المتحدة، الأمر الذي فجّر خلافاً حاداً بين مكتب نتنياهو ورئيس جهاز الأمن العام (الشاباك)، انتهى بإطاحة الأخير بعد فتحه تحقيقاً في هذه الملفات.
المفارقة هنا أن قطر، رغم كونها بعيدة جغرافياً عن غزة ولا تتحمل تبعات أمنية مباشرة، جرى تكريسها كوسيط مركزي في المفاوضات الجارية حول الأسرى ووقف إطلاق النار.
وفي المقابل، تراجعت أهمية مصر رغم أنها الجار المباشر وصاحبة الدور التقليدي في الوساطة إلى موقع ثانوي في بعض المراحل. هذا التبدل في موازين الوساطة يعكس سياسة نتنياهو في إفساح المجال للدور القطري، حتى لو جاء ذلك على حساب العلاقة الاستراتيجية مع القاهرة.
من الناحية العملية، يختلف دور البلدين جذرياً. فمصر ترى في أي تفاهم حول غزة جزءاً من أمنها القومي، وتخشى من سيناريوهات تدفق جماعي للاجئين عبر معبر رفح أو تنامي نفوذ جماعات مسلحة في سيناء. أما قطر فتنظر إلى الملف من زاوية سياسية إعلامية، باعتبارها الراعي الأبرز لحماس والمضيف لقيادتها في الدوحة. لذلك، فإن إشراكها في المفاوضات يمنحها مكانة إقليمية، لكنه لا يقدم ضمانات حقيقية على الأرض.
إن قضية مردخاي تسلط الضوء على هذا التناقض. فالرجل الذي أُوكلت إليه مهمة إدارة ملف الوساطة، كان في الوقت نفسه على صلة وثيقة بالقطريين في المجالين الأمني والتجاري. وهذا يطرح إشكالية حول أولويات الحكومة الإسرائيلية: هل هي ضمان مصالحها الاستراتيجية مع مصر، أم الإبقاء على قناة مفتوحة مع قطر ولو على حساب تلك المصالح؟
في النهاية، تكشف هذه القصة عن مفارقة أوسع في سياسة نتنياهو: الاعتماد على دولة تُتهم في إسرائيل بدعم خصومها، وفي الوقت ذاته الدخول معها في ترتيبات مالية وسياسية واقتصادية حساسة. ومع استمرار الحرب في غزة وتعثر المفاوضات، تبدو هذه المقاربة أكثر هشاشة من أي وقت مضى.