اخر الاخبار

قطر، حماس ونتنياهو: خيوط اللعبة الخفية في السابع من أكتوبر

أمد/ شهدت منطقة الشرق الأوسط، وتحديدًا الساحة الفلسطينية، تحولات مفاجئة ومزلزلة في أعقاب هجوم السابع من أكتوبر، الذي نفذته حركة حماس ضد إسرائيل. هذا الحدث لم يكن مجرد تصعيد عسكري، بل بدا وكأنه نتيجة لتشابك خفي بين قوى إقليمية تتعامل من خلف الكواليس، تتصدرها دولة قطر، حكومة نتنياهو، وحركة حماس.

منذ سنوات، لعبت قطر دورًا رئيسيًا في تمويل قطاع غزة، عبر ضخ مئات الملايين من الدولارات تحت مسمى “الدعم الإنساني”، وذلك بالتنسيق المباشر مع حكومة نتنياهو. ورغم ما يبدو من تناقض ظاهري بين الجانبين، إلا أن إدخال هذه الأموال إلى غزة لم يكن ليتم لولا ضوء أخضر إسرائيلي. هذا التنسيق لم يكن عشوائيًا، بل خدم غرضًا محددًا: إبقاء الوضع في غزة تحت السيطرة، وتحقيق ما يسمى بـ”التهدئة مقابل المال”.

وتشير التقارير إلى أن حركة حماس كانت تتلقى ما يقارب نصف مليار دولار سنويًا من قطر، ما جعلها تعتمد بشكل كبير على هذا التمويل، ليس فقط لضمان الاستمرار الإداري في غزة، بل أيضًا كأداة للمناورة السياسية والعسكرية في وجه خصومها، بل وحتى حلفائها. وهذا الارتباط المالي العميق منح قطر نفوذًا غير مباشر داخل الحركة، ومكّنها من التأثير على قراراتها وتوجهاتها.

لكن الدور القطري لم يتوقف عند المال. قناة الجزيرة، الذراع الإعلامي الأقوى للدوحة، لعبت دورًا مزدوجًا بدا واضحًا خلال الحرب. من جهة، غطّت المجازر الإسرائيلية في غزة بأسلوب مثير للعاطفة، لكنها من جهة أخرى، ضخّمت صورة حماس العسكرية بشكل ملحوظ، وقدّمتها كقوة عسكرية عظمى قادرة على ردع إسرائيل وصد أي هجوم. هذا السرد الإعلامي، الذي تبنّته القناة بشكل مكثف، تجلّى في استضافة محللين عسكريين، أبرزهم اللواء الأردني المتقاعد فايز الدويري، الذي لعب دورًا رئيسيًا في تسويق فكرة أن حماس لا تزال تملك زمام المبادرة، وأنها قادرة على تحرير فلسطين ومواصلة القتال.

هذا النوع من الخطاب لم يكن بريئًا. فقد ساعد، من دون قصد أو بتنسيق ضمني، في تعزيز رواية نتنياهو داخليًا وخارجيًا، بأن الحرب لم تنته، وأن “العدو لا يزال يشكل خطرًا حقيقيًا”، مما يمنحه المبرر لمواصلة القتال وعرقلة أي جهود جدية لوقف إطلاق النار أو الدخول في مفاوضات. في الوقت ذاته، واصلت حماس نشر مقاطع فيديو تُظهر عناصرها في الميدان، تُقاتل وتُسيطر وتضرب، وكأنها ما زالت تمسك بزمام المبادرة، ما أدى إلى تغذية الرواية الإسرائيلية وفتح المجال لمزيد من العنف وسفك الدماء، على حساب أي حل سياسي ممكن.

ومع تفاقم الأزمة السياسية التي كان يعيشها نتنياهو داخليًا، جاءت هذه الحرب كطوق نجاة سياسي له، خاصة بعد أن أعاد بها تعبئة الشارع الإسرائيلي خلف قيادته، رغم فشل استخباراته في منع الهجوم. وهكذا، بدا أن لكل طرف ما يربحه: قطر تبرز كوسيط إقليمي محوري، حماس تستعيد هيبتها في الشارع العربي، ونتنياهو يطيل أمد وجوده في الحكم، حتى ولو على حساب المدنيين الأبرياء.

الأخطر من ذلك، هو ما بدأ يظهر من تسريبات داخل مكتب نتنياهو، حيث أشارت تقارير إلى تلقي مساعديه أموالًا قطرية بهدف تحسين صورة الدوحة في الإعلام الإسرائيلي، في مقابل التقليل من أهمية الدور المصري في القضية الفلسطينية. وهو ما يعكس محاولات قطر المستمرة لإعادة تشكيل النفوذ الإقليمي لصالحها، حتى وإن كان ذلك على حساب أطراف عربية مركزية كـمصر.

لكن الهدف الأهم في هذا المشهد لا يقتصر على غزة، ولا حتى على مصر، بل يصل إلى الرياض. فالتقارب المتسارع بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل كان يُشكل تهديدًا مباشرًا لتوازن القوى في المنطقة. ومنع هذا التقارب، أو على الأقل تعطيله، يصب في مصلحة قطر، التي تخشى أن تجد نفسها معزولة أمام تحالف إسرائيليسعودي واسع النفوذ.

وهكذا، تتحول الساحة الفلسطينية إلى مسرح لتصفية الحسابات بين قوى إقليمية. وما بدا في ظاهره صراعًا بين مقاومة واحتلال، يخفي في طياته شبكة مصالح متشابكة، تقودها رغبة في النفوذ، والسيطرة، وإعادة رسم خارطة التحالفات في الشرق الأوسط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *