اخر الاخبار

قصص عن جرائم السحر في الجزائر

تعيد الحادثة التي هزت الرأي العام، مؤخرا، بخصوص العثور على شاب مختفي منذ قرابة الثلاثة عقود بولاية الجلفة، والتي كشف من خلالها أقاربه بأن الضحية اختطف بسبب أنه “زهري”، إلى الذهان الجرائم المتعلقة بممارسة السحر والشعوذة التي راح ضحيتها العديد من الأشخاص، مما فتح النقاش مجددا حول مدى خطورة هذه الأفعال بالمجتمع.

 رغم الجهود التي يبذلها الأئمة والوعاظ والمثقفون على اختلاف فئاتهم لتوعية المجتمع بضرورة العزوف عن الخرافات المتعلقة بالسحر والشعوذة ومدى أخطارها على حياة الأفراد، إلا أن الكثير من الأشخاص لا زالوا يلجأون لهذه الأفعال المشينة التي تنتهي في معظم الأحيان باقتراف جرائم خطيرة.

ولهذا السبب أعادت لجنة الشؤون القانونية، مؤخرا، صياغة المادة 303 مكرر 42 من أجل إضفاء المزيد من العمق في موضوع السحر والشعوذة، حيث تنص المادة المذكورة معدلة: “يعاقب بالحبس من عام إلى ثلاثة وبغرامة مالية كل من يتخذ السحر والشعوذة مهنة له أو يمارس عملا من أعمالها بغرض الحصول على منفعة مادية أو معنوية، وتكون عقوبة الحبس من 3 إلى 7 سنوات، إذا ترتب على السحر أو الشعوذة ضرر جسدي أو معنوي، ما لم يشكل الفعل جريمة أشد”.

وللاطلاع على تفاصيل أكثر حول الظاهرة التي باتت تنخر مجتمعنا من جميع الجوانب، ارتأت “” التقرب من محاميين وأخصائيين اجتماعيين وأئمة، لتسليط الضوء عن بعض الأحداث التي انتهت بجرائم مروعة، فضلا عن تأثير هذه الوقائع على حياة الأفراد والمجتمع ككل.

 

حريق يكشف مشعوذ

 

وبالرجوع إلى وقائع مماثلة عن السحر والشعوذة، نستذكر فضيحة المشعوذ التي بدأت مع احتراق منزله لأسباب مجهولة، إذ سارع أحد شباب المدينة لإخماد النيران في المنزل الواقع بقلب مدينة تبسة، وبعد دخول الأهالي إلى البيت للاطمئنان على من فيه عثروا على أشياء لها علاقة بالسحر والشعوذة.

ونشر أهالي المدينة عبر منصات التواصل صورا لما استخرجوه من منزل المشعوذ، بعد أن أخرجوها إلى الشارع، كان من بينها كميات كبيرة من صور رجال ونساء وأطفال، من بينها صورة لامرأة مع زوجها توفيت قبل أسابيع فقط “نتيجة آلام في البطن تبين بأنه نتيجة سحر مأكول”، وفق شهادات أهالي المنطقة.

كما عثر في منزل الساحر على طلاسم وجداول مختلفة وقصاصات من المصحف الشريف، وأجزاء أخرى من مصاحف أخرى “سكب عليها مادة داكنة” وأوراق مكتوب عليها آيات قرآنية، وكذا زواحف وطيور محنطة وجلود حيوانات وأظافر وشعر وأقفال حديدية، ليسارع أهالي المدينة إلى نشر صور الضحايا عبر منصات التواصل ومطالبة أهاليهم لفك السحر وإنقاذهم.

وبعد أن أوقفته الشرطة، أدانت محكمة تبسة، الساحر ذي الـ 50 سنة بـ6 سنوات سجنا نافذا، بتهمة “ممارسة الشعوذة وإتلاف المصحف الشريف والتنبؤ بالغيب وممارسة الكهانة”.

 

مشعوذ بحوزته أناجيل وكتب ممنوعة

 

وفي سيناريو شبيه، أوقفت الشرطة شيخا يبلغ من العمر 65 سنة، بولاية باتنة، سنة 2022، بتهمة امتهانه السحر والشعوذة، انطلاقا من بيته، بعد سنوات من الدجل بانتحال صفة الرقاة والصالحين.

وجاءت المداهمة الأمنية، بإذن تفتيش من وكيل الجمهورية، عقب ورود معلومات عن تردد كثير من المواطنين والمواطنات على الشقة، ممهورة بشكاوى عدد من السكان، المنزعجين من كثرة تردد الغرباء، خاصة في الفترة الأخيرة أين ذاع صيت الشيخ في عدد من بلديات الولاية وحتى من خارجها.

وحجزت مصالح الشرطة، خلال المداهمة، مجموعة من الكتب قدرت بـ 32 عنوانا كلها تتحدث عن السحر وطقوسه ومنها الممنوعة، إضافة إلى الإنجيل الذي يستعمله بسبب الكلام المختلف الموجود فيه، والذي لم يتعود زبائن الدجل والمغفلون على سماعه، ومؤلفات قديمة مختصة في طقوس الشعوذة، وهي كتب قديمة نصح العلماء بعدم امتلاكها ولا قراءتها.

وكما عثر داخل غرفة استقبال الزبائن على مجموعتين من الطلاسم  والعقاقير والأدوية، يحتوي بعضها مادة الزرنيخ، وشعر حيواني لخنازير وضباع، بالإضافة إلى قصاصات ورقية مدون عليها كتابات غير مفهومة، مع أغراض أخرى، قبل أن يدون محضر للمشتبه فيه، تمهيدا لعملية التقديم أمام النيابة المحلية المنتظرة اليوم الاثنين بتهم الاحتيال وامتهان السحر والشعوذة.

 

الشعوذة بالمصاحف الشريفة..

 

وفي سنة 2023، تمكنت مصالح أمن ولاية الجزائر ممثلة في فرقة الشرطة القضائية بأمن المقاطعة الإدارية لشراقة من وضع حد لنشاط شبكة إجرامية عن قضية النصب والاحتيال، بممارسة أعمال السحر والشعوذة باستعمال مصاحف شريفة مع حيازة المؤثرات العقلية لغرض البيع.

وفق بيان لشرطة العاصمة، فإن العملية جاءت بعد ورود معلومات إلى ذات الفرقة عن قيام شخص رفقة ابنه بترويج المؤثرات العقلية بمقر إقامتهما، تم إخطار النيابة المختصة إقليميا ومباشرة التحريات في القضية، أين تم وضع خطة محكمة للإيقاع بالشبكة.

وبعد تنفيذ إذن بالتفتيش، أسفرت العملية عن إيقاف عناصر الشبكة المتكونة من 11 شخصا منهم 6 نسوة تتراوح أعمارهم بين23 و 60 سنة، مع حجز كمية من المؤثرات العقلية، مبلغ مالي مقدر بـ 99.000 سنتيم بالعملة الوطنية.

كما تم العثور عرضيا على أدلة تثبت استغلال المنزل لأعمال العرافة وطقوس السحر متمثلة في: دمى بلاستيكية، أعمدة شموع، مطحنة نحاسية قديمة، مطحنة يدوية خشبية، أعشاب غير محددة النوع، كمية كبيرة من مادة الرصاص، ملابس داخل أكياس بلاستيكية مبللة، مجموعة معتبرة من الصور الفوتوغرافية لأشخاص غرباء، ثلاث مطابخ أرضية وثلاثة مصاحف قرآنية.

وهذه القضايا ليست سوى أمثلة عن قطرة ماء في بحر أعمال الدجل، التي اتخذ منها أصحابها مهنة للاستحواذ على أملاك “المغفلين” ممن يتوهمون أن هؤلاء سيحلون لهم مشاكلهم ويحققون لهم أمالاهم، غير آبهين بالمخاطر المترتبة عن ذلك.

 

“قانون جديد لمعاقبة ممارسي السحر والشعوذة”

 

يرى المحامي المعتمد لدى المحكمة العليا ومجلس الدولة، صديق موحوس، في تصريح لـ “” أن جرائم السحر والشعوذة لم تكن مجرمة بنص صريح. وكانت مدرجة كمخالفة وليست كجنحة حول من يتخذ مهنة العرافة أو التنبؤ بالمستقبل أو تفسير الأحلام ضمن المادة  452 سابقا، والتي كانت مدرجة كمخالفة وعقوبتها محتشمة تتراوح بين 6000 إلى 12 ألف دينار جزائري وخمسة أيام حبس نافذة، كأقصى عقوبة سالبة للحرية.

وفي هذا الصدد، أكد موحوس أنه فيما يتعلق بالأفعال الناتجة عن السحر والشعوذة في قانون العقوبات السابق، كانت هناك مواد قانونية يمكن تكييفها حول من يمارس السحر والشعوذة، وإن لم تكن بنص صريح وهي المادة 372 التي تعاقب حول النصب، لأن مرتكبي جرائم النصب يقدمون وعودا وآمالا في الفوز بأي شيء أو في وقوع حادثة أو عدمها، وذلك  باستعمال سلطة خيالية ووهمية ويتحصلون مقابل ذلك على أموال ويأخذون ثروات الغير، وذلك يعني الفوز بأشياء أو كسب الأموال عن طريق إيهام الضحايا بالفوز بشيء أو عدم الوقوع في شيء يعتبر جريمة.

وأضاف المتحدث أن هذه الظاهرة تعرف انتشارا واسعا مما تظهره وسائل الإعلام في كل مرة عن هذا الموضوع، لذلك  فقد تفطن المشرع الجزائري واستدرك النقص الذي كان من قبل، حيث أصبحت جريمة السحر معرفة بنص صريح في قانون العقوبات المعدل، المادة 303 مكرر 42  الذي صدر في 28 أبريل 2024.

وقد عرفها النص القانوني المذكور على أنها الحصول على تركة وأموال عن طريق الإيهام، والعقوبة تتراوح بين سنة إلى ثلاث سنوات وسبع سنوات في حالة حصول ضرر مادي أو جسدي ومعنوي لشخص آخر، كعقوبة قصوى.

وتابع القانوني “نحن رجال القانون نقع كثيرا في هذه الملفات، وكمثال عن ذلك قضية عالجتها سنة 2012، عندما توجه موكلي (شيخ عجوز) إلى مسكنه ليشم رائحة غريبة ووجد دخانا ينبعث من المطبخ.

ولما بحث عن زوجته وجدها رفقة شخص آخر في غرفة النوم، حينها بدأ الضحية بالصراخ، ليتدخل الجيران لمنع الشخص الغريب من الخروج من المسكن.

وتقدمت بعدها الضبطية القضائية ليتم إيقاف الشخص في حالة تلبس، ليفتح الإجراءات القانونية لتحجز الأشياء التي كانت تنبعث منها الروائح الغريبة والدخان (الطلاسم وغيرها).

وقدم المتهمون أمام السيد وكيل الجمهورية، حيث توبعت زوجته على أساس جريمة الزنا وممارسة العرافة”.

وأضاف القانوني “وصدر حكم يقضي بإدانة زوجة موكلي وطليقته حاليا والشخص الغريب بالعرافة، إلا أنه تم تبرئتهما من جريمة الزنا لأنه لم يجدهما في حالة تلبس، إلا أنها عوقبت باتخاذها العرافة مهنة لها لأنه  تم ضبط أشياء غريبة بحوزتها ودخان وطلاسم في المسكن الزوجي”. “بالإضافة إلى عشرات القضايا التي عالجتها بسبب انتشار هذه الظاهرة واستفحالها، ووقوع العديد من ضحايا سواء ممن خسروا أموالهم أو من  تضرروا جسديا”.

 

“الشعوذة سمة المجتمعات اللاعقلانية”

 

من جهته، أفاد المختص الاجتماعي، يوسف حنطابلي، في تصريح لـ “”، أن ظاهرة الشعوذة وما يتعلق بها من سلوكات وتصورات هي سمة المجتمعات التي تفتقد للمسار العقلاني لتحقيق أهداف معينة، أو أنها لم تجد الوسائل الموضوعية المتاحة لطموحاتها.

وأضاف المتحدث أنه “بسبب ذلك نجد علاقة وطيدة بين التخلف الاقتصادي والثقافي وتعاطي الشعوذة، والتي قد تكون حقيقة مرتبطة بالسحر والتعامل بالطلاسم. فهناك حقيقة دينية أن السحر حق والكائنات الشريرة موجودة في عالم الإنس والجن، ولكن أن يتعامل معها الإنسان فهذا خروج عن المعقول والمطلوب”.

وأشار حنطابلي إلى أننا نجد ظواهر اجتماعية متعلقة بهذا النوع من الاعتقادات الاجتماعية، والتي قد تكون موروثة عن عادات قديمة أو أنها تفعل نتيجة عجز في تحقيق المرغوب، وخاصة في المناطق الريفية والتي تسيطر عليها العقلية الجماعية التي تجعل الفرد في حالة من القهرية الاجتماعية في التعامل والاعتقاد في هذا النوع من التصورات.

  

“الشريعة تحرم السحر والدجل”

 

أما الأمين العام لنقابة الأئمة في الجزائر، الشيخ جلول حاجيمي، فأكد في تصريح لـ “”، أن “الشريعة تحرم الدجل والكهنة والسحر وكل مظاهر التعاطي مع ذالك. ولأن هذه الأمور من الموروثات التي بقيت موجودة في المجتمعات منذ القدم للتأثير في عقول الناس باستعمال الطلاسم وغيرها من الأمور، فقد نهت الشريعة عن كل من يتعاطى مع هؤلاء. وقد قال الله تعالى في كتابه الكريم “وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى”، وقال أيضا “قَالَ أَلْقُواْ  فَلَمَّآ أَلْقَوْاْ سَحَرُوٓاْ أَعْيُنَ ٱلنَّاسِ وَٱسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَآءُو بِسِحْرٍ عَظِيمٍ”ۢ.

وأكد حاجيمي أن الشريعة نهت عن هذا النوع من الجرائم التي تعتبر من كبائر الدنوب واختلفت في حد الساحر (عقوبته)، فإن تاب فهذا أمر طيب، وفي حالة لو استمر في هذه الأفعال، فإن ولي الأمر يتخذ ما يراه مناسبا وفق أحكام الشريعة.

وأوضح المتحدث أنه حتى المصاب بالأمراض الروحية، عليه الابتعاد عن هذه الأمور لأن الإسلام قد أقر طرقا أخرى مشروعة، ألا وهي العلاج بالرقية، حيث ينبغي أن يكون الراقي صاحب ثقة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *