أمد/ الزيارة التي قام بها الأمير محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة أمس لم تكن زيارة عادية، بل بدت كحدث سياسي واقتصادي مدروس يحمل رسائل واضحة للداخل السعودي وللمنطقة وللعالم. فمنذ لحظة الاستقبال الرسمي في البيت الأبيض، بدا أن واشنطن تريد التأكيد على عودتها لبناء شراكة قوية مع الرياض، بينما تعمل المملكة على تثبيت موقعها كلاعب محوري في الشرق الأوسط من بوابة الاقتصاد والأمن.
اقتصاديًا، جاءت الملفات المطروحة لتعكس حجم التحول الذي تقوده السعودية ضمن رؤية 2030، فالحديث عن استثمارات ضخمة في التكنولوجيا، الذكاء الاصطناعي، الطاقة، والصناعات المستقبلية يؤكد أن الرياض لم تعد تعتمد على النفط كمحور وحيد لقوتها الاستراتيجية، بل تحاول بناء شبكة واسعة من الشراكات العالمية، والولايات المتحدة تأتي في مقدمة هذه الشراكات. هذه التحركات لا تعزز فقط الاقتصاد السعودي، بل تمنح المملكة نقاط قوة إضافية في علاقاتها الدولية.
أما على الصعيد الأمني والعسكري، فقد حملت الزيارة إشارات مهمة حول تعزيز التعاون الدفاعي بين البلدين. الحديث عن صفقات متطورة وتنسيق أمني أوسع يعكس إدراك الجانبين لطبيعة التحديات في المنطقة، سواء تلك المرتبطة بتصاعد التوتر مع إيران، أو التحولات التي يشهدها الإقليم من اليمن وحتى غزة. السعودية تسعى لتقوية منظومتها الدفاعية بالتوازي مع دور إقليمي أكثر حضورًا، بينما ترى واشنطن في المملكة شريكاً أساسياً لحماية مصالحها في الشرق الأوسط.
سياسيًا، بقي ملف فلسطين حاضرًا بقوة، حيث أكد الأمير محمد بن سلمان أهمية الوصول إلى حل عادل يضمن إقامة دولة فلسطينية مستقلة. هذا الموقف يعكس تمسك الرياض بثوابتها رغم الضغوط والمسارات الجديدة في المنطقة. كما أنه يرسل رسالة بأن أي خطوات نحو التطبيع لن تكون على حساب الحقوق الفلسطينية، وأن السعودية ما زالت ترى في الاستقرار الإقليمي مرهونًا بحل سياسي عادل.
على مستوى الصورة العامة، بدت الزيارة محاولة لإعادة صياغة العلاقة بين البلدين على أساس المصالح المتبادلة، بعيدًا عن التوترات السابقة. هي رسالة بأن السعودية تتجه نحو دور أكبر في رسم سياسات المنطقة، وأن الولايات المتحدة ترى في هذا الدور ضرورة لإعادة توازن الشرق الأوسط في مرحلة مضطربة.
#الخلاصة:
الزيارة تمثل منعطفًا جديدًا في العلاقات السعوديةالأمريكية: تحالف اقتصادي واسع، تعاون أمني متصاعد، ورؤية سياسية تتعامل مع المنطقة بلغة المصالح لا الشعارات. وما ستفرزه الأيام المقبلة سيحدد شكل المرحلة الجديدة من هذا التحالف.
