“قاموس حرب الجزائر غيب أسماء مفجري الثورة و أحداثا هامة”
أكد الباحث كيتوني حسني صاحب العديد من المؤلفات حول تاريخ الجزائر بأن “قاموس حرب الجزائر 19541962” أغفل عن ذكر العديد من الحقائق التاريخية و أسماء أبطال من بينهم أعضاء لجنة الستة المفجرة للثورة و مؤسسات تابعة لجيش التحرير الوطني، و في المقابل تطرق بإسهاب للجيش الفرنسي و الحركى و الأقدام السوداء.
هل يمكن تقديم لمحة عن المؤلف الجماعي” قاموس حرب الجزائر” و أهميته في تطوير البحث التاريخي حول الثورة الجزائرية؟
صدر القاموس في 16 مارس 2023 من دار النشر الفرنسية” لي بوكان” بمناسبة الاحتفال بالذكرى الستين لاتفاقيات ايفيان حسب المؤلفين، و ليس بمناسبة الاستقلال، بل وقف إطلاق النار، و كأن يوم 5 جويلية غير معترف به في فرنسا لغاية اليوم. المؤلف تحت إشراف جماعي، مؤرخين فرنسيين: ترامور كومونور و سيلفي تينو و الجزائرية وناسة سياري تنقور. يشمل سنوات 19541962 مع التوسع في بعض المواضيع بالعودة للفترة الاستعمارية. ويتضمن 696 مدخل حول أحداث و مؤسسات و تواريخ و مواضيع و شخصيات، مع إدراج بعض مواضيع الذاكرة، نجد مثلا مواضيع ” المجندين” و “الحركى” و “الأقدام السود” و ذاكراتهم…
اعتمد القاموس على ترتيب أبجدي و ملاحظات مرفوقة ببيبليوغرافيا قصيرة. و كملاحق يتضمن خرائط و تسلسل زمني منذ 1 ماي 1945 و ينتهي بزيارة الرئيس ماكرون للجزائر في 26 أوت 2022، بالإضافة إلى فترة الاستقلال مع إشارة للقوانين و أفعال المصالحة مع الذاكرة و التعويض. ساهم فيه 58 مختص لمعالجة عدة مواضيع، ونجد 3 أعضاء من لجنة المؤرخين المعينة من الطرف الفرنسي من بينهم ترامور كومونور و بنيامين ستورا و جاك فريمو، و غياب المؤرخين المعينين من الطرف الجزائري. من بين 19 مختص جزائري منهم 5 فقط يشتغلون في الجزائر، بمركز البحث في الانتروبولوجيا الاجتماعية و الثقافية “كراسك” وهران.
أكد المؤرخ ترامو كومونور في تصريحات سابقة بأن القاموس استغرق 6 سنوات من العمل، فهل اهمال أسماء بعض الشخصيات الثورية هو مجرد نسيان أم تغييب؟
اعتقد بأنه تغييب مقصود، لا نستطيع لوم أحد على إنجاز قاموس حول حرب الجزائر أو الاستعمار، لكن في هذه الحالة لا يجب الإدعاء بأنها قضية فرانكو جزائرية، مثلما تبين في تصريحات ترامور و في اختيار المساهمين. و هو ما دفعنا لإبداء رأينا بصراحة و بحزم “حذاري هذا القاموس ليس موضوعي”، واستغراق إنجازه وقت طويل لا يعفيه من كونه موجه و مملوء بسهو مقصود. من إجمالي 696 مدخل 59 منها مخصصة للجيش الفرنسي و 8 لمخطط شال و 15 للحركى و المساعدين، مع ذكر كل الرؤساء الفرنسيين من 1954 لغاية 2022. في الجانب الجزائري لا نجد إشارة لوزارة التسليح و الاتصالات العامة “المالغ” و لا مصالح التموين و الاستعلامات و الإعلام و الخدمات الاجتماعية التابعة لجيش التحرير في الجبال… كما أننا لا نجد طالب عبد الرحمان مختص في القنابل و الشهيد رضا حوحو و مؤسس الاتحاد العام للعمال الجزائريين عيسات إيدير و رضا مالك عضو الوفد المفاوض في ايفيان، و اسم لامين خان أحد مؤسسي الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين. و أغرب سهو لا نعثر على أسماء لجنة الست المفجرين للثورة و لا لسان حال جبهة التحرير الوطني “المجاهد” و لا جريدة ” باتريوت” التابعة للجنة الثورية للوحدة و العمل ” كريا”. وتمثلت التقنية في تمرير هذه الهفوات باعتماد الترتيب الأبجدي لتفادي بعض المواضيع بوضعها في خانة واحدة أو تحت مسمى عام. كما اعتمد القاموس تفادي المواضيع الهادفة و الواضحة التي تؤدي إلى إدانة فرنسا بسبب ما اقترفته في الجزائر. الهدف هو إخفاء عظمة نضال الشعب الجزائري و انتصار ثورته، عن طريق تسطيح و خلط المداخل.
سبق وأن انتقدتم مضمون تقرير ستورا “بسبب مساواته بين الضحية و الجلاد” فهل القاموس يحمل مسعى استمرار استعمار التاريخ لذا دعوتم لتحرير التاريخ أسوة بكتابات المؤرخ شريف ساحلي؟
تاريخ الاستعمار و حرب الجزائر هو رهينة عند شبكات من الجامعيين و المؤرخين، تعود جذوره للجامعة الاستعمارية في الجزائر و استمر بفضل مؤرخين من الأقدام السوداء بعد التخلص من الاستعمار، بدليل تواجد 3 مؤرخين من أصل 5 ضمن لجنة ماكرون، و هم مؤرخون معروفون و نافذون في الوسط الأكاديمي و مؤسسات البحث، كومونور مثلا هو طالب ستورا و مساعده. وبنيامين ستورا هو حاليا مؤسسة حقيقية بفرنسا يمتلك روابط مع عالم السياسة و النشر، مع كل ما يحمله هذا القرب من تأثير على الجامعة و البحث التاريخي. لذا أعتقد أن الحالة الفرنسية هي الوحيدة في العالم الغربي التي تعتبر التاريخ قضية دولة.
ومن بين المسائل المحظورة في الكتابة التاريخية الفرنسية بموضوعية و خاصة منذ سنوات السبعينيات نجد الدور التاريخي للاستيطان في الاستعمار. ونجد مثلا شارل روبير أجرون الذي اشتغل حول الدور الأساسي للأوروبيين في الاستعمار، و هو ما عرضه لحملة نقد لاذعة و تهميشه في الجامعة الفرنسية. لا يجب أن نقول بأن الوجه العنيف و العنصري للاستعمار في الجزائر سببه المعمرين و أن كل أوروبي عاش في الجزائر استفاد بطريقة أو بأخرى من مصادرة أملاك الجزائريين و إبادتهم. في وقت تغول لوبي الأقدام السوداء بفرنسا و إملاءه سياسات الحكومة و تغيير الأغلبية البرلمانية، أصبح من المستحيل توخي الموضوعية في تناول الماضي الاستعماري. و هو ما يفسر عدم قدرة أي مؤرخ نزيه في تناول فترة 18301870 و اختفاءها من البحث التاريخي.
أليست مساهمة مؤرخين ذوي مصداقية من أمثال سيلفي تينو و سياري تنقور من الجزائر سببا كافيا لإضفاء مصداقية و موضوعية على العمل المنجز؟
هناك مؤرخين نوعيين و محترفين لا جدال في خبرتهم ضمن 58 مساهما في العمل، لكن المشكل لا يكمن في جديتهم و لا في نوعية العمل، لأن هذا الجد و المصداقية في صالح من و لفائدة من؟ المؤرخون هم في خدمة بلدانهم و جامعاتهم. يكتبون تاريخ مقبول من طرف مؤسساتهم و دور النشر و جمهورهم. وهل هو في صالح الجزائر و تاريخها و استقلالها أجيب بلا. يتناقش اليسار و اليمين حول أسباب فشل الاستعمار و كيفية الدفع نحو تقبل الرأي العام للأمر، حيث يعتبر اليسار ضرورة رفع الطابوهات لتجاوز الصدمات و المصالحة بين مجموعات الذاكرة. لكن اليمين يعتقد العكس. لذا فهو نقاش فرانكو فرنسي. لكن لا أحد يريد كتابة التاريخ لإظهار كيف حول الاستعمار الجزائريين إلى طبقة تحت انسانية و مجموعة منبوذين و مسلوبين و مطرودين.
هل القاموس يشكل قطيعة مع الماضي الاستعماري؟
لكل هذه الأسباب اعتقد أن القاموس هو عمل استعماري بحكم أن الفكرة و المنهجية و مضمون بعض الملحوظات الهامة مستمدة من الثقافة الاستعمارية. لأخذ فكرة يكفي قراءة الملحوظات حول العنصرية الاستعمارية و ما بعد الاستعمار أو حول الحركى أو أسباب الحرب. نجد أن العنصرية تعود لمعركة “بواتييه”، و أن شعور الرفض ضد الحركى يعود لسنة 1961، و أن سبب حرب الجزائر هو فشل الإصلاحات السياسية و العنف، متناسين بأن السبب الحقيقي هو الاستعمار في حد ذاته، أي قضية الأرض و الثقافة الوطنية و استقلال الشعوب… تاريخيا الاستعمار الاستيطاني محكوم عليه بالزوال. استطعنا طرد المحتل يجب الآن طرد أفكاره.