في “يومهن العالمي”.. نساء غزة بين أنقاض الحرب ومعركة البقاء

أمد/ غزة: رغم انحسار نيران الإبادة الجماعية التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي لقرابة 16 شهرا، لم يتوقف كفاح المرأة الفلسطينية في قطاع غزة من أجل إبقاء أسرتها على قيد الحياة في ظل ظروف إنسانية مأساوية أفرزتها الحرب وأعادت تشكيل دورها بشكل كامل.
يتزامن ذلك مع يوم المرأة العالمي، الذي يحل في 8 آذار/ مارس من كل عام، حيث تتعالى الشعارات حول حقوق المرأة عالميًا، بينما تخوض النساء الفلسطينيات في غزة معركة البقاء وسط الدمار والمعاناة التي خلفتها الإبادة الجماعية، في مفارقة تعكس الفجوة الصارخة بين واقع النضالات النسائية العالمية وبين قضايا المرأة الفلسطينية عامة والغزيّة خاصة.
انتهاك الاحتلال الإسرائيلي لحقوق المرأة بشكل كامل على مدار أشهر إبادتها الجماعية بغزة وارتكاب جرائم مروعة بحقهن، دفع خبراء أمميون وحقوقيون في شباط/ فبراير الماضي لطرح مصطلح “الإبادة الجماعية للإناث” لوصف الفظائع المرتكبة بحقهن.
هذا المصطلح أيدته المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بمسألة العنف ضد النساء والفتيات ريم السالم، التي قالت للأناضول في تصريح آنذاك إن “اعتداءات إسرائيل على النساء الفلسطينيات هي جزء من إستراتيجية إبادة جماعية ممنهجة”.
وقتل الاحتلال خلال إبادتها الجماعية لغزة نحو 12 ألفا و316 امرأة فلسطينية، وفق آخر إحصائيات المكتب الإعلامي الحكومي في القطاع.
انتهاكات خلال الإبادة
منذ بدء الإبادة الجماعية في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 وحتى دخول اتفاق وقف إطلاق النار بغزة وتبادل الأسرى حيز التنفيذ في 19 كانون الثاني/ يناير الماضي، واجهت المرأة الفلسطينية تحديات كبيرة أعاقتها من استعادة حياتها كما كانت.
كما دفعت المرأة إلى جانب فئة الأطفال الثمن الباهظ لهذه الحرب حيث شكلا مجتمعين ما نسبته 70% من إجمالي الشهداء البالغ عددهم 46,960 حتى 19 كانون الأول/ يناير الماضي.
وبحسب منظمة “هيومان رايتس ووتش”، فإن عدد الشهداء الذي نشرته صحة غزة خلال الإبادة، لا تشمل أعداد الوفيات بسبب المرض أو ممن دفنوا تحت الأنقاض، حيث قدرت أن ما نسبته 70% من إجمالي الوفيات التي بلغت نحو 8 آلاف و200 حالة حتى أيلول/ سبتمبر 2024، كانت من النساء والأطفال، لافتة إلى أن “مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة” تحقق من صحتها.
فيما قالت المسؤولة الأممية ماريس غيمون للصحافيين في نيويورك عبر الفيديو من القدس، في 18 تموز/ يوليو 2024، إن أكثر من 6 آلاف أسرة فلسطينية فقدت أمهاتها حتى تاريخه.
وكانت مؤسسات حقوقية قد قالت إن الظروف المأساوية التي أفرزتها الإبادة من انتشار للأمراض المعدية، والإصابات الخطيرة، رفعت أعداد الوفيات في صفوف فلسطينيي غزة.
فيما شكلت فئتا النساء والأطفال ما نسبته 69% من إجمالي جرحى الإبادة البالغ عددهم 110 آلاف و725 مصابا خلال أشهر الإبادة، بحسب تقرير لرئيس الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني علا عوض استعرضت فيه أوضاع المرأة الفلسطينية عشية يوم المرأة العالمي.
وأشار التقرير إن أن 70% من المفقودين في قطاع غزة والذي يبلغ عددهم حتى 18 يناير الماضي 14 ألفا و222 نتيجة الإبادة، هم من الأطفال والنساء، وفق التقرير.
وخلال الحرب، اضطر مليوني شخص نصفهم من النساء للنزوح من منازلهم هربا من جحيم الغارات الإسرائيلية. بينما تعرضت العشرات من الفلسطينيات إلى الاعتقال وما تخلله من تعذيب وإهمال طبي.
وبحسب آخر إحصائيات المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، فإن قطاع غزة ضم حتى 21 يناير الماضي نحو 60 ألف امرأة حامل تقريبا قالت إنهن معرضات للخطر جراء انعدام الرعاية الصحية.
هذا ما أكدته منظمة “هيومان رايتس ووتش” في تقرير نشرته حول الأوضاع في الأراضي الفلسطينية خلال 2024، قائلة إن انهيار نظام الرعاية الصحية حرم تلك الحوامل من الوصول إلى الرعاية اللازمة.
وأشارت إلى أن انعدام الرعاية الصحية زاد من خطر حدوث مضاعفات صحية أثناء الحمل والولادة وما بعدها خلال عام 2024.
وحذر خبراء الأمم المتحدة آنذاك، وفق التقرير، من زيادة في حالات الإجهاض في غزة بنسبة 300%.
لكن صندوق الأمم المتحدة للسكان في فلسطين، قدر في 7 أكتوبر 2024 وجود نحو 155 ألف امرأة حامل ومرضع في القطاع وذلك بعد مرور عام على الإبادة من بينهن 64 ألفا و300 يواجهن مستويات كارثية من الجوع.
معيلات وحيدات لأسرهن
بعدما غيبت الإبادة الجماعية آلاف الرجال قسرا عن عائلاتهم جراء قتلهم أو اعتقالهم، وجدت الفلسطينيات بغزة أنفسهن أمام واقع جديد خلف مسؤوليات جديدة.
حولت الحرب آلاف النساء إلى المعيلات الوحيدات لأسرهن في ظل اقتصاد منهار وشح توفر فرص العمل ودمار في البنى التحتية بما فيها المنازل والمؤسسات الحيوية والخدماتية بلغت نسبته 88%، وفي ظل مساعدات إنسانية شحيحة خلال الحرب، ومقطوعة تماما بعد نحو 42 يوما من سريان اتفاق وقف إطلاق النار.
المكتب الإعلامي الحكومي بغزة قدر فقدان نحو 13 ألفا و901 امرأة فلسطينية أزواجهن نتيجة حرب الإبادة، فأصبحن هن المعيلات الوحيدات لأطفالهن.
يضاف إليهن مئات الفلسطينيات من زوجات الأشخاص الذين اعتقلهم الجيش الإسرائيلي بعد 7 أكتوبر 2023 ولم يتم الإفراج عنهم بعد (عدد غير معروف).
وخلال الإبادة، اعتمد الغالبية العظمى من الفلسطينيين الذين حولتهم الحرب إلى فقراء على المساعدات الإنسانية في توفير احتياجاتهم الأساسية، إلا أن منع إسرائيل دخول هذه المساعدات إلى القطاع يفرض تحديات جديدة على المعيلات الوحيدات لأسرهن لمواجهة معركة التجويع الإسرائيلية.
وخلال الإبادة، واجهت الفلسطينيات التجويع من خلال صناعة باستخدام أعلاف الحيوانات، أو طهي الحشائش الخضراء، وتقليص عدد وحجم الوجبات اليومية لأفرادها وتفضيل أطفالها عنها في حصتها الغذائية.
وهذا ما عكفت مؤخرا فلسطينيات بالتوجه إليه للحفاظ على المخزون الشحيح من المعلبات التي بقيت لديهن من آخر طرد مساعدات وصلهن، حيث قلصت حجم الوجبة الغذائية للشخص الواحد ما يزيد من مشقة الصيام في رمضان.
بينما دفعت أخريات أطفالهن للعمل معرضة مستقبلهن الدراسي للخطر وذلك لمساعدتهن في توفير لقمة العيش.
أمهات فقدن أطفالهن
حتى 21 كانون الأول/ يناير الماضي، فقدت آلاف الأمهات الفلسطينيات نحو 17 ألفا و861 طفلا، ما يعني أنهن يعشن الآن في أوضاع نفسية وتحديات كبيرة.
وعن ذلك، قال الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في تقريره: “فقدان الأطفال جرح غائر في ذاكرة أمهات حملن أحلام أطفالهن تحت أنقاض العدوان”.
وتابع: “رغم توقف العدوان، تبقى مشاهد الفقدان شاهدة على مآسٍ لا تنسى لفلذات أكباد خُطفوا من بين الأيدي، تاركين وراءهم قلوباً تنزف حرماناً، وأرواحاً مثقلة بصدمات عميقة”.
وأوضح التقرير أن أمهات الأطفال القتلى بغزة “يعشن كوابيسا يومية واكتئاب متجذر بينما يقض القلق مضاجعهن وهن يحاولن بإرادة ممزقة الإمساك بيد ناج وتضميد جراح أخرى”.
وأشار إلى أن أمام أمهات غزة “مهمة شاقة تتجاوز إعادة بناء الحجر، لتصل إلى ترميم النفوس وإعادة الثقة في عالم قاسٍ، أجبرهن على العيش بين ألم الفقد وأمل لا ينطفئ”.
خاصة في ظل تقديرات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بإصابة نحو 15 طفلا في المتوسط أصيبوا يوميا خلال أشهر الإبادة بإعاقات قد تستمر مدى الحياة ما يعني وجود 7 آلاف و65 طفلا أصيبوا بتلك الإعاقات بما يشمل فقدان الأطراف والبصر والسمع، وفق الجهاز الإحصائي.
ويقع على عاتق الأمهات مسؤولية الاعتناء بهذه الفئة من الأطفال في ظل نقص الرعاية الطبية المقدمة إليهم جراء انهيار النظام الصحي بالقطاع.
فلسطينيات في العراء
تواجه الفلسطينيات تحديات جديدة بلا منازل، حيث أشارت المسؤولة الأممية غيمون في حديثها في تموز الماضي، إلى أن مليون امرأة وفتاة فقدت منزلها وأحبائها وذكريات حياتها جراء الإبادة.
وما زال النازحون الفلسطينيون يعيشون داخل خيام مهترئة من القماش والنايلون في العراء بعدما دمرت حرب الإبادة منازلهم.
بينما يعيش بعضهم على أنقاض منازلهم المدمرة وداخل منازل آيلة للسقوط ما يضعهم خاصة النساء أمام تحديات ومخاطر جديدة.