فوضى المفاهيم وانحطاط القيم.. العامل الأخطر في هزائمنا

أمد/ لأن أمتنا ليست أمة عابرة في التاريخ البشري بل هي أمة مؤسسة في المسيرة الإنسانية أسهمت بعمق ووسع في صياغة الحياة والوقائع في شتى أنحاء المعمورة لهذا فهي دوما رهينة بالمفاهيم والقيم والتي ميزتها عن سواها وجعلتها في مقدمة الركب البشري.. وكذلك هي التي حمتها وصانتها من دواع الاندثار والتلاشي عن المسرح العالمي.. من هنا نجد ونحن في أتون هذه العواصف والحرائق ضرورة أن نستعيد قدرتنا على الوقوف على حقائق نهضتنا والتحرر من دواع ضعفنا وعجزنا وهواننا.. خطابنا هنا للذين يؤمنون بأن لهم أمة وأنهم مكلفون بالنهوض بها.. وهنا سنناقش بعض المفاهيم القاتلة التي حلت محل مفاهيم الأمة الأصيلة.. حيث أصبحت التجزئة محل الوحدة، والاستسلام محل المقاومة، و التبعية محل الاستقلال، و المواددة للعدو محل العداوة،
1 ثقافة التجزئة في مواجهة ثقافة الأمة:
لقد تحكمت العصبية الوطنية في كثير من المثقفين في بلاد العرب مشرقا ومغربا على حساب مصالح الأمة العليا وقضاياها المركزية ظانين أن هذا يخدم أوطانهم الصغيرة وما ذلك إلا الهبة لهم عن المواجهات الحقيقية وفيما يظنون أنهم حققوا مكاسب محلية تأتيهم الضربات ساحقة من حيث لا يشعرون.. لقد كان دهاقنة الاستعمار من الخبث الى درجة انهم صنعوا لكل بلد عربي أعداء خاصين وقضية خاصة داخلية عرقية او ثقافية أو خارجية حدودية او تنافسية.. فشدوا اهل كل قطر إلى قضيتهم المفتعلة ليفرغوا فيها حماسهم وحقدهم وجهدهم ومشاعرهم وصرفوهم عن قضيتهم الحقيقية.. قضية وجودهم” الوحدة والنهضة وفلسطين” قضية وجودهم ومستقبلهم.
وتكون العصبية الوطنية أساس كل شر عندما يساوي أحدنا بين قضية فلسطين واي قضية أخرى مهما كان شأنها وذلك لاعتبارات عديدة لا تقتصر فقط على البعد الروحي والعقائدي والتاريخي الخاص بفلسطين وهذا مهم وأساسي بل وأيضا على البعد الواقعي السياسي والاستراتيجي.. فقضية فلسطين هي مواجهة ضد مركز الشر العالمي الذي يخطط لزوال أمتنا، ونهب ثرواتها وتمزيقها..، ويخطط لها بكل المشكلات المحلية والتي يربط مصيرها بوجود الكيان الصهيوني.
أدرك ان الخلل يكمن في عدم الوعي بطبيعة العدو وخططه، وأدرك كذلك ان الأمر يتعلق بأدوار لأجهزة الأمن في الدول العربية التي تنشط بالدعاية لصرف الشباب عن قضية فلسطين باختراع قضايا وهمية في الأمة.. وذلك ظنا بأن النظام سيكون في مأمن ان حصل القبول من الأمريكان إن هو انصرف عن قضية فلسطين.. وقد يمنح النظام بعض الأدوار الإقليمية كالوساطات موضة العصر الجديدة الفلكلورية ان هو حقق الابتعاد عن فلسطين كما يحصل مع قطر وعمان وتركيا وسواها..
فلسطين ليست قضية الفلسطينيين فحسب بل هي قضية كل العرب وكل المسلمين ليس فقط كبعد عقائدي وكل الأحرار الشرفاء في العالم ليس فقط كبعد أخلاقي.. لا نقول ذلك سوقا لخطاب أيديولوجي أو عاطفي إنما بناء على قراءة إستراتيجية متشعبة في أوضاع العرب والمسلمين وفي شعوب العالم بمن فيهم الشعوب الأمريكية.. فالذين يشرفون على الملف الفلسطيني عالميا هم نفسهم عصابة المال العالمية التي تصنع القرار الدولي والتي جعلت من إسرائيل قاعدة مركزية للإشراف على خططها في بلاد العرب والمسلمين… وهذه القاعدة مرتبطة تماما بكل الخطة الإجرامية التي تتحرك في المنطقة العربية والعالم الإسلامي وأن اي انتصار على اي حلقة من حلقات الخطة سيظل مهددا وقابلا للانقلاب عليه اذا لم يتم تطويره في المعركة المركزية.. انه انتصار أولي في ميدان معركة جزئية يظل في مهب الريح ان لم يتم التوجه بحشد القوى ضد المشروع الاستعماري في المنطقة كل المشروع الاستعماري وقاعدته المركزية القاعدة الصهيونية في فلسطين.
ثم انه لمن الضروري ان يفهم المخلصون من الساسة العرب ان عدم دخولهم المعركة لن ينجيهم من أحابيل الخطة الجهنمية.. بل سيعجل بتعدد مشاكلهم.. ويجب ان يفهموا ان تأجيل فتح هذه القضايا في بلدانهم ليست مجال طمأنينة لهم فهي مسألة وقت لتهيئة العدو ظروفا اكثر صعوبة أمام النظام العربي وفي اللحظة المواتية بعد ان خدروا النظام والمثقفين يتم الانقضاض على البلد داخليا او خارجيا تحت شعارات عديدة.
من هنا يجب ان يدرك المثقف العربي والسياسي العربي ان فلسطين لا تعادلها قضية من كل القضايا المفتعلة مشرقا ومغربا فهي بعلمية وهدوء ام القضايا وانه ليس فقط من الغباء طرح هذه القياسات بل ومن باب الخذلان وتسليم العدو رقابنا.. ومن لم يتخذها كذلك سيجد نفسه يعيد مسلسل التجارب والأخطاء في بلده بخطط خمسية وعشرية وهكذا يهدر أمواله في ما لا نفع فيه ويهدر الوقت ويمكن للعدو من عقول أبنائه.. يجب ان نشغل عقولنا تماما في موضوعة هي الاساس في حياة أمتنا كما قال الامام ابن باديس:”يا عرب اما فلسطين أو الموت” فنقف بوعي امام مقولة: “لانهضة ولا عزة ولا سيادة بدون الاشتباك الحقيقي العملي الواضح في الملف الفلسطيني وتقديمه عن ماسواه. ” فهو وحده الذي يوجه صناعتنا وسياستنا واكتفاءنا الذاتي وينشط عقولنا لوعي ما حولنا.
فلسطين هي جامعة همنا ونور وعينا وبوصلة كل جهودنا يكفي للمؤمنين أنها معراج نبينا والأرض المباركة ويكفي أنها هي الوحيدة التي خصها الرسول بتحديد المهمة والرحلة والمرحلة وخص المرابطين فيها بمزايا ليست لسواهم…
2 تيار الانهزام:
الذين يحاولون تحميل المقاومة مسؤولية ما يجري من مقتلة في قطاع غزة.. وهنا اقتصر على الطيبين منهم، الوطنيين الحريصين على الشعب والمثقفين غير المرتبطين بأجهزة أمنية، لا أولئك الذين ينبعثون من مواقع حزبية وعصبوية قاتلة أو بتوجيه خفي..
إن عدم وعيكم بالمشروع الصهيوني وطبيعته الاستعمارية وتاريخه الاستعماري في الارض عبر قرون غيب عنكم انهم اغتصبوا فلسطين وارتكبوا المجازر بدون اي مبرر وهم لا ينتظرون مبررا خارجيا.. فلقد طردونا من فلسطين دون أي مبرر .. وهم نفسهم ارتكبوا المجازر في الهنود الحمر وفي أيرلندا دون مبرر ودمروا شعوبا بلا مبرر.. وهم الغوا جغرافيا ومسحوا دولا دون مبرر.. انهم كما هم يؤكدون ويفعلون يريدون شرق أوسط خال من فلسطين هم يتحركون بنفس منهجهم القديم كما أنشأوا الولايات المتحدة وسواها من دول استيطانية على حساب اهلها الأصليين فالأمر بالنسبة لهم طريق معروف المعالم.. وهم لا يقفوا عند حد إبادة الشعوب الأصلية بل هم يقومون بعد ذلك باستعباد الشعوب المستجلبة كما يحصل تحت سيطرة النظام الاقتصادي الأمريكي.. الأمر الذي يدفع الأمريكان للتصدي للعدوان الأمريكي تجاه فلسطين و استمرار رعاية الكيان المجرم وحمايته ودعمه.
من هنا نتساءل أليس غريبا ان ينتفض العالم في أمريكا وأوربا وقارات الأرض حتى من أحرار اليهود محملين الكيان الصهيوني مسؤولية الجرائم ومحملين أمريكا مسؤولية رعاية الجرائم فيما ينبعث تيار الانهزام يحملون إخوتهم وأهلهم المنكوبين المسؤولية.. أليس غريبا ان يتعرض الطلبة في أمريكا لعنف لوبيات الصهاينة لأنهم يحملون الكيان الصهيوني المسؤولية فيما يحمل تيار الانهزام المقاومة المسؤولية. لقد غاب عن البعض أن الأعداء بدعاياتهم يريدون كسر روح المقاومة لتكون عملية التهامهم أسهل وأقل تكلفة.. وهم يحركون ادواتهم المحلية من “الحرة والعربية والحدث،..” وسواها من ابواق الهزيمة لتكريس ثقافة الهزيمة.. وهنا لابد ان نسرع بالقول: اختلفوا مع حماس أو اتفقوا ليس هذا هو المهم لكن لا تختلفوا مع المقاومة ثقافة وممارسة.. لا تحولوا ألسنتكم أدوات توهين وتضليل وتشويه… من خارت قوته فليصمت وينتظر.. لا تجعلوا ألمكم الشديد اليوم متحكما في مستقبلنا.. نعم بالإمكان توجيه النصح والنقد وهذا أمر لابد منه دوما وحتى والمعركة دائرة لكن على أن يتم ذلك على أرضية الولاء وليس العداء للشعب والمقاومة وعلى أن يتم أيضا على أرضية تحميل المسؤولية للعدو وحلفائه وأصدقائه.
تسليم السلاح للحفاظ على غزة:
العقل السياسي الفلسطيني لم يعد جمعيا انها أزمة خطيرة لا بد من تداركها قبل أن تودي بنا فلأول مرة في تاريخ قضيتنا الفلسطينية نصاب بمثل هذا الشرخ السياسي الثقافي على مستوى القمة.. ولأول مرة تهتز عقيدتنا الأمنية والسياسية.. نريد أفكارا إبداعية ورؤية راشدة متحررة من المواقف المسبقة الانفعالية والحسابات السياسية الحزبية..
لماذا لا يسلم المقاومون سلاحهم حفاظا على شعب غزة..؟ لنا تجربة مرة برحيل المقاومين الفلسطينيين وترك سلاحهم:
= فلقد خرج المقاتلون الفلسطينيون من الأردن بموجب موقف عربي سنة 1970 بعد معركة الكرامة وتنامي المقاومة شرق النهر، و خرجوا من لبنان بعد أن أصبحت قاعدة أساسية للمقاومة، وتركوا سلاحهم خلفهم صيف 1982 بموجب اتفاق أشرفت عليه امريكا بعد حرب ٨٠ يوم سجلوا خلالها بطولات عظيمة فماذا كانت النتيجة؟؟ النتيجة: ان وقعت في الأردن مجازر للمخيمات الفلسطينية وأخرجت المقاومة من اخطر مواقع الاشتباك واطول حدود مع فلسطين ومن حاضنة فلسطينية عربية هي الأقرب لفلسطين.. وفي لبنان ارتكبت مجزرة صبرا وشاتيلا الرهيبة في ليلة واحدة قتل آلاف الأطفال والرجال الفلسطينيين في المخيمين وتم إخراج المقاومة الفلسطينية من آخر مواقع الاشتباك مع العدو الصهيوني بوعد من الأمريكان ان هناك حل سياسي للقضية عما قريب.. ليكون بعدها الانهيار السياسي الفلسطيني.
= سلم القذافي سلاحه فماذا كانت النتيجة احتلوا ليبيا وشنقوا القذافي ومزقوا ليبيا ولازالت ليبيا تعيش مأساتها وتم ذلك كله منذ البداية باشراف الناتو وادواته المدربة تماما لتمزيق البلد وتشتيته.
=دمر صدام حسين صواريخه فماذا كان نتيجة ذلك أن احتلوا العراق ودمروه وشنقوا صدام حسين وقيادة العراق وقتلوا اكثر من مليون عراقي وشردوا ملايين العراقيين.. وكرسوا نظاما طائفيا هزيلا فاسدا.
على ضوء ذلك يبرز السؤال هل يتخلى المقاتلون الفلسطينيون عن سلاحهم وما قيمة سلاحهم.. ؟؟ ومن هنا تتشعب الأسئلة في اكثر من اتجاه
فهناك من يقول انه سلاح لاقيمة له في المعركة فياتي السؤال ولم تصر اسرائيل وامريكا على نزعه قد يكون الجواب ان هذا الشرط الصهيوني وضع لتوفير مبرر باستمرار المجزرة ولكن هذا الكلام يصطدم بالراي متى كان العدو يحتاج الى مبررات لعدوانه واغتصابه فلسطين .. وهناك من يقول فلتسلم المقاومة سلاحها حفاظا على حياة الشعب وهنا نسأل من يضمن سلامة الشعب بعد نزع السلاح؟ من يضمن ان لا ترتكب اسرائيل مجازر رهيبة في المدنيين؟.. فلقد جربنا حقيقة ضمانة الوسطاء أنهم لم يوقفوا العدوان الصهيوني بعد خرق الجيش الصهيوني للاتفاق.. أين هم الضامنون..
اعرف ان كثيرا من الذين يدعون إلى تسليم السلاح ينطلقون من بواعث طيبة حرصا على الشعب من مسلسل الجريمة الصهيونية.. ولا أناقش هنا أولئك الذين لهم موقف أيديولوجي أو حزبوي ضد المقاومة فهؤلاء يتمنون ان تسحق إسرائيل المقاومة وان لا تستطيع المقاومة تحقيق اي انجاز.
من جديد انه صعب كما قال اللواء المصري سمير فرج ان يتنازل المقاتلون عن سلاحهم فسلاح المقاتل هو شرفه.. ويبدو ان المسألة تقف عند جملة من الاعتبارات ولكن حتى لو تنازلنا عن قيم الشرف والرجولة وسوى ذلك وذهبنا للطريق البراغماتي بحثا عن مصلحة الشعب فمن هو الضامن لالتزام العدو.. ثم هل هناك دليل تاريخي واحد يؤكد انه بعد إلقاء السلاح يتم السلام وينجو المدنيون وكلنا يعرف ما حل بالمانيا بعد هزيمتها واستلامها للحلفاء.. عبر التاريخ البشري كله كان الغزاة أكثر إجراما بعد ان يلقي المقاومون سلاحهم، هذا سلوك متكرر استثناؤه الوحيد هو ما تمثل بفتح الرسول صلى الله عليه واله مكة المكرمة.
وينسى دعاة إلقاء السلاح اننا نحن الفلسطينيون كانت مشكلتنا الأساسية خلال 100 عام قلة سلاح.. وضعف التسليح.. كنا نشكو دوما من انعدام فرص التسليح كنا نشتري بحلي نسائنا بنادقنا ولعلنا جميعا نتذكر موقف القائد الفلسطيني الكبير عبدالقادر الحسيني من خذلان العرب له في موضوع التسليح.. ولعلنا نذكر جميعا مطاردة الدول العربية لنا في موضوع التسليح.. فالسلاح بالنسبة للفلسطيني شرط وجود وامل عودة..
الذي نعرفه بعد هذا كله ان تباينا واضحا بين منظومتي وعي ومنظومتي قيم.. سوف يكون لنتائج الحرب على غزة دورا اساسيا في اظهار احداهما على الاخرى ..والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.