أمد/ حين تتحول المساعدات إلى مرآة لانهيار المشروع الوطني لم تكن قوافل المساعدات التي اصطفت على مشارف رفح حدثاً إنسانياً عابراً كما يُراد لها أن تُروى في نشرات الأخبار، بل كانت انعكاساً مؤلماً لانهيار بنية المشروع الوطني الفلسطيني، وتحول غزة من رمز للتماسك والصمود إلى ساحة مفتوحة على الفوضى، وصراع المصالح، والارتهان الكامل لحسابات الخارج.
عبر الشاشات، رأى العالم مشهداً أقرب إلى ما يحدث في مناطق الكوارث الطبيعية، وليس في بقعة كانت توصف حتى الأمس القريب بأنها خط الدفاع الأول عن القضية الفلسطينية.
آلاف من الغزيين المتعبين، يقفون تحت الشمس الحارقة بانتظار كرتونة غذاء أو لتر ماء، فيما تتزاحم الشاحنات المحمّلة بالمساعدات على أبواب معابر باتت تقرر فيها العواصم أكثر مما تقرر فيها القيادة الفلسطينية.
الحدث لم يكن مجرد أزمة توزيع، بل كان وثيقة دامغة على التحولات العميقة التي طرأت على غزة من مشروع وطني جامع، إلى فصائل متنازعة ورايات متعددة.
من وحدة جغرافية وسياسية، إلى تشظي داخلي وأزمات إنسانية متلاحقة.
ومن وطن يُدافع عن كرامة أبنائه، إلى سوق تُباع فيه الكرامة مقابل فتات المساعدات.
وسط كل هذه الفوضى، تغيب الجهة الوطنية الموحدة القادرة على تنظيم وتنسيق توزيع المساعدات بعدالة وكرامة.
وهنا تبرز أهمية التفعيل الكامل لدور الحكومة الفلسطينية، باعتبارها الجهة الشرعية المخوّلة بإدارة المشهد الإغاثي وفق معايير الشفافية والعدالة والمصلحة الوطنية.
التنسيق مع الحكومة الفلسطينية ليس إجراءً شكلياً، بل هو مسؤولية وطنية وأخلاقية، لضمان وصول الإغاثة إلى مستحقيها بعيداً عن الفوضى والولاءات الفصائلية.
كما يُعد خطوة أولى نحو إعادة فرض السيادة على القرار الوطني، وإعادة بناء الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة.
فالعدالة التي ينتظرها الناس في غزة ليست شحنة غذائية تُفرغ من شاحنة، بل هي قرار وطني غائب، وإنصاف سياسي مفقود، وإرادة قيادة قادرة على توحيد الصف واستعادة البوصلة.
ما جرى ويجري ليس نهاية مأساة، بل بداية تساؤلات مريرة عن مستقبل غزة وفلسطين ككل.
وهل هناك من يجرؤ، بعد اليوم، على إعادة تعريف الكرامة الوطنية بما يتجاوز رغيف الخبز وحدود المعبر؟ وهل نمتلك الجرأة لفرض التزام وطني جامع يبدأ بخطوة بسيطة تنسيق الإغاثة عبر الحكومة الفلسطينية ومؤسساتها الشرعية.