فورين بوليسي: لماذا وافقت حكومة نتنياهو على هدنة غزة الآن..؟
أمد/ واشنطن: في مشهد معقد من الصراع الطويل والمستمر بين دولة الاحتلال وحركة حماس الفلسطينية، جاء إعلان وقف إطلاق النار بين الجانبين بمثابة شعاع أمل بعد شهور من القتل والدمار ، الذي ألقى بظلاله القاتمة على الأرواح والبنى التحتية في غزة.
ووفق تقرير لصحيفة “فورين بوليسي” الأمريكية، فإن توقيت هذا الاتفاق يثير العديد من التساؤلات حول دوافع الأطراف، وتأثيرات الضغوط السياسية الدولية، وما إذا كان الهدوء المؤقت يمكن أن يتحول إلى سلام دائم، أم أنه مجرد استراحة قصيرة قبل جولة جديدة من العنف؟
خيارات البقاء وضغوط الانهيار
واستشهدت الصحيفة بعدد من الدلائل التي شهدها الشارع السياسي الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر 2023، ورأت من خلالها أن إعلان وقف إطلاق النار خطوة حذرة، خاصة في ظل الضغوط السياسية المتزايدة التي تواجه الحكومة، إذ واجه نتنياهو انتقادات واسعة بسبب الفشل في منع هجوم السابع من أكتوبر، واتهامات تشير إلى تقصيره في إعداد دولة الاحتلال لمثل هذه التهديدات، إضافة إلى أن دولة الاحتلال لم تفعل شيئًا لضمان وجود خليفة لحماس في غزة قادر على إزاحتها في الأمد البعيد.
وفي الوقت نفسه، استمرار الحرب كان يشكّل ضغطًا هائلًا على جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي يعتمد بشكل كبير على قوات الاحتياط.
إضافة إلى ذلك، أشارت الصحيفة إلى الغضب الدولي تجاه العمليات العسكرية الإسرائيلية والارتفاع المستمر في عدد الشهداء الفلسطينيين، وهما عاملان أسهما في دفع الحكومة الإسرائيلية نحو التوصل إلى هذا الاتفاق، خصوصًا بعد تراجع الدعم الدولي لإسرائيل في بعض الدوائر الغربية.
أيضًا تواجه حركة حماس تحديات غير مسبوقة، فمع زعم دولة الاحتلال بقتل ما يزيد على 17 ألف مقاتلي الحركة، وتدمير معظم البنية التحتية وشبكة الأنفاق، فقدت الحركة الكثير من قدراتها العملياتية والعسكرية، إضافة إلى اغتيال عدد من قادتها البارزين، مثل إسماعيل هنية ويحيى السنوار ومحمد ضيف، ما أثّر بشكل مباشر على القيادة المركزية للحركة، حسب تحليل الصحيفة.
وسيط تحت ضغوط سياسة
لعبت الولايات المتحدة دورًا رئيسيًا في الوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار، فقد كثفت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، بالتعاون مع مصر وقطر جهود الوساطة لتقريب وجهات النظر بين الطرفين، ومع ذلك، فإن التوقيت الحساس للاتفاق يعكس أيضًا الضغوط السياسية الداخلية والخارجية على الإدارة الأمريكية.
مع اقتراب انتقال السلطة إلى الرئيس المنتخب دونالد ترامب، يبدو أن دولة الاحتلال فضلت الاستجابة للضغوط الأمريكية لإنهاء الحرب وتسجيل نقاط سياسية مع الإدارة القادمة، كما أن تصريحات ترامب حول “إطلاق الجحيم في الشرق الأوسط” إذا لم يتم إطلاق سراح المحتجزين كانت رسالة واضحة لدولة الاحتلال وحماس بأن الوقت قد حان لإنهاء الحرب.
وشكّلت قضية المحتجزين الإسرائيليين نقطة محورية في المفاوضات، فمنذ السابع من أكتوبر، احتجزت حماس ما يقرب من 250 إسرائيليًا، ما جعل هذه القضية على رأس أولويات حكومة الاحتلال، وقد تردد نتنياهو في قبول أي اتفاق لا يضمن عودة أكبر عدد ممكن منهم سالمين، خاصة مع الضغوط العائلية والإعلامية داخل إسرائيل.
ومع التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، من المتوقع أن يتم الإفراج عن عدد من المحتجزين الإسرائيليين كجزء من الاتفاق، وهو ما يُعد مكسبًا مهمًا لنتنياهو على الصعيد الداخلي، وإن كان ذلك قد لا يُغطي على الإخفاقات السابقة.
تحديات مستقبلية
وإجمالًا، ترى الصحيفة أنه رغم التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، فإن التحديات المستقبلية تبدو هائلة، فلا تزال حماس تمتلك القدرة على إعادة بناء بنيتها التحتية، ومن جهة أخرى، فإن دولة الاحتلال، لا تزال تواجه صعوبة في إيجاد بديل سياسي أو عسكري طويل الأمد قادر على إزاحة حماس من المشهد الفلسطيني، كما أن احتمالية عودة المواجهات تظل قائمة، خاصة إذا أقدمت إسرائيل على استهداف قادة آخرين أو تنفيذ عمليات عسكرية في غزة.
في الوقت الذي يحاول فيه المجتمع الدولي تحقيق استقرار نسبي في المنطقة، تظل معاناة سكان غزة نقطة محورية في النقاشات، فقد تسبب القصف الإسرائيلي المكثف في دمار شبه كامل للبنية التحتية في القطاع، مع نزوح مئات الآلاف من السكان الذين يعيشون في ظروف مأساوية.