أمد/ فلسطينيون داخل قطاع غزة يسعون للحصول على حصصهم الغذائية (بشار طالب/فرانس برس)
بدت الذكرى السنوية الـ77 لنكبة فلسطين الأولى عام 1948 مفعمةً بالدلالات والشجون والآلام والآمال أيضًا، مع إحصائياتٍ صادمةٍ أعلنها الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، تضمنت أرقامًا لافتةً عن النكبتين الأولى والثانية 2024 في قطاع غزّة والضفّة الغربية، التي تبدو منسيةً أحيانًا، بينما خلقت الإحصائيات آمالًا متجددةً مع أعداد الفلسطينيين المتنامية، في الداخل والشتات، وذاكرتهم الحية، العصية على النسيان، والأهمّ المراهنة على الجزء الملآن من الكوب، إذ نحيي الذكرى الـ77 للنكبة الأولى، في حين لا نزال نعاني آثار نكسة 1967، ونعيش آلام الثالثة 2024، لكن بعنادٍ ومن دون استسلام، وإصرار على التمسك بذاكرتنا الوطنية، وحقوقنا العادلة غير القابلة للتصرف.
إذن، أصدر الجهاز الفلسطيني للإحصاء أرقامًا صادمةً ومحزنةً بمناسبة الذكرى الـ77 للنكبة الأولى 1948، أشارت إلى سقوط 154 ألف شهيد خلال العقود الثمانية الماضية، ومليون معتقل منذ نكسة 1967، في حين يلامس عدد شهداء النكبة الثالثة في قطاع غزّة نصف العدد الكلي للشهداء، قرابة 65 ألف شهيدًا، بينهم 18 ألف طفلًا و12 ألف امرأة، بل تذهب دراساتٌ مهنيةٌ وعلميةٌ موثوقةٌ، كما فعلت مجلة لانسيت الطبية الشهيرة، إلى أنّ عدد الشهداء الفعلي قد تجاوز ذلك، ليصل حتّى حدود 80 ألف شهيد، إلى جانب نزوح مليوني غزي، ونحو 335 ألف طفلٍ؛ دون سن الخامسة، يواجهون خطر الموت، في ظل حرمان 92% من الرضع من الحدّ الأدنى من احتياجاتهم الغذائية.
تسير خطط الضمّ الإسرائيلية في الضفّة الغربية بصمتٍ وبأسلوبٍ غير رسميٍ، خصوصًا مع الخطوة الأخيرة بإعطاء المستوطنين الحقّ في شراء وتسجيل الأراضي
أيضًا؛ قدم الجهاز الفلسطيني للإحصاء أرقامًا وإحصائياتٍ لافتةً عن الجبهة والساحة المنسية في الضفّة الغربية، مع سقوط عشرة آلاف شهيدٍ وجريحٍ منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، مع 20 ألف معتقل تقريبًا، والأخطر ربما تسارع عمليات التهويد والاستيطان غير المسبوقة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، شهد عام 2024 إقامة وحداتٍ استيطانية تعادل نظيراتها في العقد الأخير كلّه، حيث استولى الاحتلال في العام الماضي وحده على أكثر من 46 ألف دونم من الأراضي الفلسطينية.
مع ذلك ثمّة أرقامٍ وإحصائياتٍ تدعو إلى التفاؤل، نصف عدد السكان في فلسطين التاريخية من العرب، والميزان الديمغرافي يميل لصالحهم تدريجيًا، ببطءٍ لكن متواصل، وعدد الفلسطينيين الإجمالي، بين الداخل والشتات، خمسة عشر مليونًا نصفهم في الداخل.
مقابل الأرقام والمعطيات السابقة، تبدو مطالب حماس لإنهاء الحرب في قطاع غزّة صادمةً جدًا، إذ تعني مباشرةً أو ضمنًا العودة إلى مساء 6 أكتوبر 2023، كأن شيئًا لم يكن، لا إلى الرابع عشر من مايو/أيّار 1948، ولا حتى الرابع من يونيو/حزيران 1967، رغم أن نصف عدد الشهداء منذ النكبة الأولى قد سقطوا في النكبة الثانية في قطاع غزّة.
ملحق فلسطين
هل يمكن وقف عولمة قضية فلسطين؟
بينما الأضواء مسلطةٌ على غزّة، تمارس إسرائيل ضمًّا فعليًا في الضفّة الغربية، مع إحصائياتٍ وأرقامٍ صادمةً، آلاف الشهداء والجرحى وعشرات آلاف المعتقلين، وتدمير للمخيّمات شمال الضفّة وجنين وطولكرم ونور شمس وتهجير وتشريدهم وتغيير معالمها تمامًا.
في السياق نفسه، أصر رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أهود أولمرت دائمًا على أنّ الضفّة الغربية تمثّل الهدف الحقيقي لحكومة بنيامين نتنياهو وبتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، الأكثر تطرفًا في تاريخ الدولة العبرية، إذ يقول أولمرت إنّ كلّ الممارسات في قطاع غزّة، على بشاعة الإبادة، والتهجير وخطط الاستيطان على دمويتها وإجرامها هي فقط للفت الانتباه عما يجري في الضفّة الغربية.
شهد عام 2024 إقامة وحداتٍ استيطانية تعادل نظيراتها في العقد الأخير كلّه، حيث استولى الاحتلال في العام الماضي وحده على أكثر من 46 ألف دونم من الأراضي الفلسطينية
تسير خطط الضمّ الإسرائيلية في الضفّة الغربية بصمتٍ وبأسلوبٍ غير رسميٍ، خصوصًا مع الخطوة الأخيرة بإعطاء المستوطنين الحقّ في شراء وتسجيل الأراضي في الضفّة الغربية في ظلّ غياب استراتيجيةٍ وطنيةٍ فلسطينيةٍ مضادةٍ، كون قيادة السلطة الهرمة، والمترهلة، والمنفصلة عن الواقع غير جديرةٍ، ولا قادرة على المواجهة، حتى لو استطاعت، إذ لا ثقةٌ ولا مصداقيةٌ ولا دعمٌ أو حاضنةٌ شعبيةٌ لها، في حين أن حماس وحلفاءها من الفصائل الصغيرة، المستلبة إلى العسكرة فقط، التي ارتدت سلبًا مع نقل الاحتلال حرب الإبادة في قطاع غزّة إلى الضفّة الغربية، رغم روح الشباب الفلسطيني الفدائية العالية، على الرغم من أنّ الحلّ كان ولا يزال يتمثّل بخيار المقاومة الشعبية، وفق نموذج هبّة الشيخ جراح، التي وللمصادفة القدرية نعيش ذكراها في مايو أيضًا.
نجحت الهبّة في إعادة الاهتمام الإقليمي والدولي بالقضية الفلسطينية، على كلّ المستويات، في ساحات الرياضة الأوروبية وميادينها، والفن والسينما في هوليود، والثقافة والمسرح في أستراليا، كما نجحت سياسيًا وإعلاميًا كذلك في وقف خطط التهجير القسري الجماعي في الشيخ جراح، ومدينة القدس عمومًا، من دون قطرة دمٍ واحدةٍ، ثم تم التضحية والتفريط بها، بقصر نظرٍ وضيق أفقٍ وحساباتٍ فئويةٍ، وبأثمانٍ بخسة، مع منزلقٍ سلسٍ وخادعٍ على الطريق نحو النكبة الثالثة في غزّة والضفّة، وفي سياق الاستفراد بالشيخ جراح، وتنفيذ التهجير بالمفرق، بعدما عجز الاحتلال عنه بالجملة قبل أربع سنواتٍ.
آراء عن العربي القطرية