اخر الاخبار

فكرة الدولة الفلسطينية حية وراسخة

أمد/ معادلات الصراع السياسي بين الدول لا تسير في خط مستقيم، تتغير بتغير موازين القوى الذاتية والموضوعية، وما يثار من مواقف للقوى والدول المتصارعة يعكس التجاذب والتنافر بينها، ورفع الشعارات المضادة عن هزيمة الاخر، أو نفيه واسقاطه من خارطة المشهد، ليس بالضرورة تحمل دلالاتها السياسية، انما قد تكون جزءً من الحرب النفسية للتأثير على الطرف الآخر، حتى ان كانت تشي بالأهداف الاستراتيجية لهذه الدولة او تلك، لأن المعطيات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتاريخية، وحركة الصعود والهبوط في منحنيات الصراع تجب وتسقط في طريقها كما لا محدود من تلك المواقف والشعارات، وتفرض طمسها نتاج صراع الارادات، وبمقدار ما يتمكن الطرف الضعيف في معادلة الصراع من الثبات والدفاع عن الذات، وتحصينها وتطوير صموده، وتسلحه بحقوقه وثوابته، بالتلازم مع التحولات الإقليمية والدولية، وما يعانيه الطرف القوي من أزمات داخلية، بمقدار ما يستطيع من تغيير قواعد اللعبة السياسية، ويحولها لصالحه، ويفرض على الدولة المعادية التراجع والانكفاء عن طموحاتها وأهدافها الاستراتيجية أو التكتيكية.

وفي معادلة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، القائمة من الجانب الإسرائيلي على نفي الشعب الفلسطيني وحقوقه السياسية والقانونية، وتستند الى نظرية الاجلاء والاحلال التاريخية الملازمة لعقود الصراع الطويلة التي تتجاوز القرن، أطلق ويطلق القادة الإسرائيليون كما كبيرا من الشعارات، واستخدم وسائل الحروب والاجتياحات والتدمير المنهجي والقرصنة والتهجير القسري وتوجها بالإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة بما فيها القدس العاصمة، ومازالت اثارها الدامية والفظيعة والمروعة تعصف بحياة أبناء الشعب، الا انه مازال متمسكا بترابه الوطني وحقوقه السياسية والقانونية، مع مواصلة القيادة الدفاع المستميت على الأرض وفي الحافل العربية والإقليمية والدولية؛ حتى باتت السردية الفلسطينية هي الأعلى فلسطينيا عالميا، وتراجعت مكانة الرواية الإسرائيلية. رغم ان موازين القوى مازالت تميل بقوة لصالح دولة الإبادة الإسرائيلية.

ومع أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وخاصة حكومة الائتلاف الحاكمة في تل ابيب، وهيئتها التشريعية سنت عشرات القوانين النافية للحقوق السياسية الفلسطينية، وتواصل ابادتها الجماعية على الشعب في ارجاء الدولة الفلسطينية المحتلة، بيد ان إسرائيل مازالت غير قادرة على هزيمة الشعب الفلسطيني. الا ان تلازم مشاريعها الاجرامية والإبادية والنفي للفلسطينيين لم تغادر عقولهم ومطبخهم السياسي ، وتعاظمت مع عودة إدارة الرئيس ترمب مجددا للبيت الأبيض وطرحه خطة التطهير العرقي لأبناء الشعب من قطاع غزة افترض قادة الائتلاف القابض على الحكم في إسرائيل، وعلى رأسهم نتنياهو، ان اللحظة السياسية لتسيد المشروع الصهيوني على كامل فلسطين التاريخية باتت قاب قوسين أو ادنى، وهو ما دفع رجل إسرائيل القوي بأن يعلن يوم الاحد 9 شباط / فبراير الحالي في لقاء مع قناة “فوكس نيوز” الأميركية، أننا “لن نسمح بوجود منظمة ملتزمة بتدميرنا، وفكرة قيام دولة فلسطينية انتهت بعد السابع من أكتوبر” 2023، وتابع قائلا أن “الرئيس ترمب قال ان إسرائيل صغيرة جدا، وهو محق، ولا يمكننا أن نكون أصغر من ذلك.” وأضاف متبجحا “حصلنا على اتفاقات ابراهام، لأننا تجاوزنا الفلسطينيين زاعما ان السلام يأتي من خلال القوة، فعندما نكون أقوياء جدا، ونقف معا فإن الاعتراضات ستتغير.”

ومؤكد أن نتنياهو لم يقرأ اللوحة السياسية بشكل جيد، وغاب عن ذاكرته في لحظة انفعال عاطفي أهوج، وافترض ان ساكن البيت الابيض يستطيع وقادر ان يحقق له ولقادة دولته حلمهم التاريخي، وتصفية القضية الفلسطينية، وتناسى كليا الكيفية التي عاد بها أبناء قطاع غزة الى بيوتهم المدمرة وشبه المدمرة من الجنوب الى الشمال، التي عكست إصرار وتمسك الشعب الفلسطيني بترابه الوطني، وبات مع اركان ائتلافه على تحقيق اهداف الإبادة الجماعية من خلال ما أسموه “الهجرة الطوعية” لأبناء القطاع والضفة على حد سواء، وهو ما لن يكون. كما تجاهل الرفض العربي الرسمي والشعبي والإسلامي والعالمي حتى داخل أوساط النخب والمشرعين الاميركيين، ومن داخل الإدارة التي يقودها الرئيس ال47، اضف الى ان قادة إسرائيل غيبوا عمدا التناقضات الداخلية الإسرائيلية السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية والثقافية والرفض المتزايد للحروب والمطالبة بالأفراج عن رهائنهم، وبالتالي الطيش والسباحة في شبر ماء ترمب لا يعكس كل الحقيقة، بل هي الجانب الأكثر ظلامية ويؤسا ولعنة على السلام، والذي انتج مردودا إيجابيا لصالح الشعب والقضية الفلسطينية والمشروع الوطني الفلسطيني، وبالتالي فإن الحقيقة الماثلة في الواقع تؤكد ان الدولة الفلسطينية تعمق حضورها، وباتت أقرب للتجسيد من أي وقت مضى، ومخطئ من يعتقد أن استقلال الدولة الفلسطينية بات من الماضي، لا بل هي مازالت حية وراسخة ومتجذرة، وعلى رئيس وزراء إسرائيل ان يراجع أوهامه واحلامه العبثية المستندة للأساطير والخزعبلات الدينية والسياسية. لأن اللوحة والراي العام الغربي آخذ في التحول لصالح دعم الحقوق السياسية الفلسطينية. ,ان غدٍ لناظره قريب.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *