فضيحة في بيت “الفاف” (وثيقة)
أصبحت قضية عدم تسجيل المنتخب النسوي الجزائري لكرة القدم للمشاركة في تصفيات أولمبياد باريس 2024، تستدعي الاهتمام أكثر وتسليط الضوء على حيثياتها وظروفها التي بدا واضحا بأن رئيس “الفاف” جهيد زفيزف وأمينه العام منير دبيشي يحرصان على إخفائها عن الرأي العام.
وبعدما جعلت “الفاف” الضبابية تسود بشأن أسباب وخلفيات عدم تسجيل المنتخب النسوي في الآجال الأولى المحددة والتي انتهت في 29 أفريل 2022، قياسا بالبيان الذي تم نشره على موقع “الفاف” بتاريخ 30 ماي 2023 ثم تصريح الرئيس جهيد عبد الوهاب زفيزف، فإن ما تم إخفاءه عن الرأي العام لا يمكن تصنيفه إلا في خانة الفضيحة التي تقطع الشك باليقين بأن كرة القدم الجزائرية بالاتحادية الحالية تسير نحو الهاوية.
وإذا كان بيان “الفاف” الغامض يشير في نهايته إلى أن “عدم وجود منتخب نسوي بعد الإقصاء من تصفيات “الكان” أمام جنوب إفريقيا في فيفري 2022، جعل الاتحادية تُقدّر بأنه لا جدوى من تسجيل المشاركة في تصفيات أولمبياد باريس”، فإن ما قاله زفيزف في تصريحات إعلامية، يختلف عن موقف الاتحادية من خلال بيانها المبني أصلا للمجهول، كون الرئيس الحالي للاتحادية حمّل ضمنيا سابقه عمارة شرف الدين بتصريحات قال فيها “هذا الأمر لا يعنيني.. حين جئت وجدت الأمر قد حسِم.. والاتحادية آنذاك ارتأت عدم تسجيل الاستمارة.. وبالتالي لا يعنيني هذا الأمر”.
ويُفهم من هذا التصريح بأن زفيزف أراد القول ضمنيا أيضا بأنه لو كان رئيسا للاتحادية بدلا من شرف الدين في الفترة التي وصلت استمارة تأكيد المشاركة في تصفيات الأولمبياد، لكان قد قام بتسجيل المنتخب النسوي، خاصة وأن زفيزف ورغم هرولته لتفادي تقديم إجابة صريحة لسؤال يتعلق بمسؤولية أمينه العام منير دبيشي في ذلك، إلا أنه اضطر لإلقاء تصريح مقتضب لم يكن يبدو بأنه نابع من قناعة الرئيس زفيزف الذي ردّ بعبارة “هذا الأمر لا أساس له من الصحة..”، قبل أن يغادر.. ربما لتفادي الإحراج.
“” تحصل على مراسلة تدين زفيزف ودبيشي
وما لم يقله زفيزف ولا أمينه العام دبيشي، للرأي العام، وهما ينهيان مهام المدير الفني الوطني السابق بالنيابة، توفيق قريشي، لجعل الاعتقاد يسود وسط الرأي العام بأنه المسؤول الوحيد عن “تغييب” المنتخب النسوي، هو تلقي “الفاف” من طرف “الكاف” لمراسلة “رسمية” في عهد جهيد زفيزف نفسه، من أجل تسجيل المنتخب النسوي.
وحصلت “” على مراسلة “رسمية” من الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم تدين جهيد زفيزف ومنير دبيشي، وقد تم توجيهها إلى كل الاتحادات الكروية في القارة السمراء، بتاريخ 17 جويلية 2022، تطلب من كل اتحادية لم تقم بتسجيل منتخباتها للمشاركة في تصفيات أولمبياد باريس، أن تقوم بذلك في فترة استثنائية تدوم أربعة أيام.
وجاء في نص المراسلة التي تحوز “” على نسخة منها، “في حال ما لم تكن اتحاديتكم ضمن القائمة، وترغب إرسال طلب تسجيل متأخر، فإنه يمكنها إرسال طلبها قبل 21 جويلية (2022) على الإيمايل التالي…”، غير أن “الفاف” لم تردّ على مراسلة “الكاف” وفوّتت بذلك فرصة منح فرصة للمنتخب النسوي للمشاركة في تصفيات الأولمبياد.
دبيشي “نسِيَ” تسجيل المنتخبين.. مرتين
وعلى ضوء مراسلة “الكاف” بتاريخ 17 جويلية 2022 والتي تمنح للاتحادات، على غرار “الفاف”، فرصة ثانية لتسجيل منتخباتها (الذكور والإناث) للمشاركة في تصفيات الأولمبياد، فإن قول زفيزف بأن الأمر لا يعنيه وبأن الاتحادية السابقة ارتأت عدم تسجيل المنتخب، يحمل مغالطة يمكن تصنيفها في خانة الفضيحة، خاصة وأن زفيزف لم يحرص سوى على استغلال القضية لإلقاء التهمة على سابقه عمارة شرف الدين، رغم أن تصريحاته كانت متناقضة مع ما أصدره من بيان على موقع الاتحادية.
ووجب التذكير بأن المراسلة الأولى جاءت من “الفيفا” بتاريخ 11 أفريل 2022 والتي منحت فيها مهلة للاتحادات إلى غاية 29 أفريل 2022 لتسجيل المنتخبات (الإناث والذكور) من خلال إجراء بسيط يتمثل في الشطب على خانة “إناث” وخانة “ذكور” لتأكيد المشاركة، وهي مراسلة تزامنت حقا مع تواجد عمارة شرف الدين على رأس “الفاف”، غير أنه في تلك الفترة التي أعقبت إقصاء المنتخب الأول للذكور من مونديال قطر، كان شرف الدين في عين الإعصار ويعيش ضغوطات جماهيرية وحتى من وزير الشباب والرياضة السابق عبد الرزاق سبقاق، حتى يترك منصبه، وعليه كان الأمين العام منير دبيشي مطالبا بتسجيل المنتخب دون العودة لرئيس الاتحادية ولا المنتخبين ولا حتى انتظار رأي المدير الفني الوطني، غير أن دبيشي، على ما يبدو، نسِي تسجيل المنتخبين (إناث وذكور)، في المرة الأولى، بسبب ذلك الوضع السائد آنذاك، ويكون قد نسِيَ أيضا تسجيل المنتخبين في المرة الثانية.
إعلان الاتحادية من خلال بيانها، بأن عدم التسجيل كان “خيارا” إراديا، يحمل مغالطة كبيرة وما يُثبت ذلك هو أن الاستمارة كانت تضم تأكيد مشاركة الإناث والذكور معا، في حين نجا منتخب الذكور من “خطأ” الاتحادية التي لم ترسل استمارة التأكيد أصلا، لأنه تم تسجيل منتخب الذكور للمشاركة في تصفيات كأس أمم إفريقيا لأقل من 23 سنة المؤهلة للأولمبياد، ما دفع “الكاف” إلى تسجيل المنتخبات المشاركة في تصفيات “الكان” آليا وتلقائيا، بينما يختلف نظام المنافسة لدى السيدات، كون المنتخبات النسوية كانت مطالبة في المشاركة في تصفيات تخص فقط الأولمبياد، ما حرم المنتخب النسوي من التواجد اليوم ضمن المنتخبات الإفريقية المشاركة في هذا الرهان.
زفيزف انتُخِب رئيسا في 07 جويلية وتلقى المراسلة في 17 جويلية
وإذا استندنا على تصريح زفيزف الذي قال “هذا الأمر لا يعنيني..”، فإنه وجَب على رئيس “الفاف”، اليوم، تقديم إجابات حول عدم تسجيله للمنتخب النسوي في المهلة الاستثنائية التي منحتها “الكاف” لكل الاتحادات ما بين 17 و21 جويلية 2022، على اعتبار أن زفيزف تولى منصب رئيس الاتحادية في 7 جويلية 2022 بعد جمعية عامة انتخابية، وتمت عملية تسليم واستلام المهام بينه وبين عمارة شرف الدين بتاريخ 12 جويلية 2022، فيما وصلت المراسلة الجديدة من “الكاف” لمنح فرصة تسجيل المنتخبات للاتحادات بشأن استثنائي يوم 17 جويلية 2022.
والغريب في تناقض موقف “الفاف”، ما بين بيانها وتصريح رئيسها، أن الأمين العام منير دبيشي باق في منصبه، بل إن التحجج بعدم وجود منتخب نسوي آنذاك، بعد الفشل في التأهل إلى نهائيات “الكان” في الدور التصفوي الأخير شهر فيفري 2022 أمام جنوب إفريقيا، لتبرير “خيار” عدم التسجيل، هو أيضا أكبر مغالطة، لأن “الفيفا” أو “الكاف” لم تطلب إطلاقا من المنتخبات، إدخال بيانات اللاعبات وأعضاء الطاقم الفني، لا في مراسلة 11 أفريل 2022 ولا في مراسلة 17 جويلية 2022، على اعتبار أن موعد سحب القرعة وانطلاق التصفيات كان محددا بعد أكثر من سنة عن التسجيلات.
والغريب في الأمر وزفيزف يتهم غيره، هو حرصه على الظهور في صورة الرئيس الذي يهتم بكرة القدم النسوية أكثر من سابقيه، بقوله “لقد جلبت أفضل خبير في أوروبا”، ويقصد المدرب فريد بن ستيتي، بينما يبقى أبرز مسؤول على غرار دبيشي، في حرمان المنتخب النسوي من فرصة المشاركة في تصفيات الأولمبياد، بدليل أنه اضطر بعد تسعة أشهر من انتخابه إلى مراسلة “الفيفا” و”الكاف” من أجل الاستفادة من “تسجيل استثنائي”، بعد إلحاح المدرب فريد بن ستيتي، وهو طلب تم رفضه.
ولا يمكن بأي حال من الأحوال تجريد زفيزف ودبيشي من المسؤولية في الفضيحة المُدوّية، كون المراسلة الثانية للتسجيل وصلت في ظروف كانت تعيش “الفاف” أجواء هادئة، على خلاف الفترة التي وصلت فيها أول مراسلة في عهد عمارة شرف الدين، كون ظروف تلك الفترة تكون قد تسبّبت، ربما، في نسيان المراسلة من طرف الأمين العام، بما يجعل غياب ردة فعل في المراسلة الثانية في عهد زفيزف، إهمالا وتسيّبا بل وفضيحة عابرة للقارات مع سبق الإصرار والترصد.