فضيحة أخرى للإمارات
كشف تقرير استقصائي لـ “بي بي سي” عن دور كبير لدولة الإمارات في “تمويل اغتيالات بدوافع سياسيّة في اليمن”، “الأمر الذي ساهم في تفاقم النزاع هناك بين الفصائل المتناحرة التي ظهرت من جديد تحت الأضواء الدوليّة في البحر الأحمر”.
وقالت الصحافية نوال المقحفي، من فريق تحقيقات “بي بي سي” إن “تدريبات مكافحة الإرهاب التي وفّرتها قواتٌ من المرتزقة الأمريكيين لوحدات إماراتيّة عاملة في اليمن استخدمت في تدريب عناصر محليين يمكنهم العمل بتستّر، ما أدّى إلى زيادة ظاهرة في الاغتيالات السياسية المقصودة”.
ويكشف تقرير “بي بي سي” أنّه “رغم الهدف المعلن للمرتزقة الأمريكيين، وهو القضاء على الخلايا الإرهابيّة للقاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية في جنوب اليمن، ذهبت دولة الإمارات أبعد من ذلك لتجنيد عناصر سابقين في القاعدة لحساب جهاز أمني أنشأته للعمل الميداني لقتال حركة الحوثيّين وفصائل أخرى مسلّحة”.
ويقول التقرير إن قوات التحالف، التي أقدمت، العام 2015، على اجتياح اليمن بهدف “إعادة تنصيب الحكومة اليمنيّة من المنفى ومكافحة الإرهاب” مَنحت الإمارات السيطرة الأمنيّة في الجنوب، فـ “غدت بدورها الحليف الأساسي للولايات المتحدة في المنطقة خصوصاً بعد أن مضى زمنٌ طويل على وجود القاعدة في الجنوب حيث كانت تعمل على توسيع سيطرتها”.
بعد عودة هدى الصراري إلى عملها، في أعقاب مقتل ولدها، تلقّت رسائل تحذيرية: ألم يكن موتُ ولدٍ واحد كافيًا؟ هل تريديننا أن نقتل الثاني؟
ويلفت التحقيق إلى “موجة من الاغتيالات المقصودة جنوبيّ البلاد، حيث تسيطر الحكومة، ليمنيّين لا صلة لهم بالمجموعات الإرهابية”، إذ “كانت غالبيّة الأشخاص المستهدفين في الاغتيالات من أعضاء حركة (الإصلاح) الفرع اليمني لتنظيم الإخوان المسلمين”.
وتقول الكاتبة إنها حصلت على مشاهد مسرّبة من تسجيلات أوّل عملية اغتيال، “فكانت نقطة انطلاق لتحقيقاتي في شأن عمليّات القتل الغامضة تلك.. اقتفيتُ آثار مصدرها حتى وصلت إلى شركة أمنية خاصّة أمريكيّة تدعى Spear Operations Group مجموعة عمليات سبير”.
وتتابع: “تمكّنت أخيراً من الوصول إلى أحد الأشخاص الذين كانوا خلف العمليّة المصوّرة في تلك المشاهد، التقيته في أحد مطاعم لندن عام 2020. كان إسحق غيلمور، وهو عنصر سابق في وحدة غطّاسي البحرية (الأمريكيّة)، قد أصبح الرجل الثاني في مجموعة Spear Operations، وهو من بين العناصر الأمريكيّين الذين يقولون إنهم وظِّفوا لتنفيذ عملية الاغتيال بتكليف إماراتي”.
وتقول الكاتبة إن “إسحق غيلمور تلقى أموالاً من دولة الإمارات العربية المتحدة لتنفيذ عمليات اغتيال”، لكنه “رفض التحدّث عن أيٍّ من الأفراد الذين وردت أسماؤهم على لائحة تصفيات مجموعة Spear، التي وضعتها الإمارات، باستثناء أنصاف مايو، النائب اليمنيّ الذي كان زعيم حركة “الإصلاح” في عدن المدينة الجنوبيّة التي كانت العاصمة المؤقتة للحكومة منذ عام 2015”.
وتؤكد الصحافية أنها واجهت غيلمور بحقيقة أن (الإصلاح) لم تكن مدرجة ضمن التصنيف الأمريكي للتنظيمات الإرهابية، فيجيب بالقول: “مؤسف أن تكون طبيعة النزاعات الحديثة مُبهمة”، ويضيف: “نرى ذلك في اليمن، حيث من يُعتبر قياديًّا مدنيًّا، أو رجل دين عند البعض، يكون قياديًّا إرهابيًّا عند البعض الآخر”.
وتتابع الصحافية نوال المقحفي: “أخبرني السيّد غيلمور وموظّف آخر لدى مجموعة Spear في اليمن في تلك الفترة دايل كومستك أن المهمّة التي نفّذاها انتهت عام 2016. إلاّ أن الاغتيالات في جنوب اليمن لم تتوقّف. بل بالأحرى ارتفعت وتيرتها، وفقاً لمحقّقي منظمة Reprieve في مجال حقوق الإنسان”.
وتؤكد أن “السادة غيلمور وكومستك، مع اثنين آخرين من المرتزقة لدى Spear، قالوا إن المجموعة ضالعة في تدريب عناصر أمنية من الإماراتيّين في قاعدة عسكريّة إماراتيّة في جنوب اليمن”.
ويقول تقرير “بي بي سي”: ان مئة وستين عملية اغتيال نُفِّذت في اليمن بين عامَي 2015 و2018، ووجدوا أن غالبيّتها وقعت بعد عام 2016. وقال هؤلاء إن أكثرها حدث في 2016، ما عدا ثلاث وعشرين عمليّة من أصل المئة والستين استهدفت أشخاصاً على صلة بالإرهاب. وقد نُفّذ جميعها تبعًا للتكتيك ذاته الذي تتبعه “سبير”.. تفجير عبوة ناسفة بهدف صرف الانتباه، يتبعه قتل الهدف بإطلاق النار”.
تقول الكاتبة إن عناصر المرتزقة التابعة لمجموعة Spear رفضوا الخوض في تفاصيل العمليّة، “غير أن مسؤولًا عسكريًّا يمنيًّا من عدن، عمِل مباشرةً مع الإمارات، زوّدني بتفاصيل إضافيّة”.
تؤكد: “عندما انكشفت أدوار المرتزقة، وأصبحت أكثر وضوحًا في عدن، وأصبحوا بالتالي في وضع مكشوف وخَطِر، أُدخِل تعديل على المهمّة التي تحوّلت إلى التدريب. كذلك عمدَ الضبّاط الإماراتيّون بدورهم إلى تدريب اليمنيين من أجل أن يتولّوا هم تنفيذ الاغتيالات، وفقًا لما كشفه لي المسؤولُ العسكري اليمني”.
بحلول عام 2017، يتابع التقرير الاستقصائي، ساهمت دولة الإمارات في بناء ميليشيا مسلحة تحت مسمّى “المجلس الانتقالي الجنوبي”، كانت تعمل على تنظيم شبكة من المجموعات المسلّحة في جنوب اليمن، ولا تتلقّى الأوامر إلاّ من الإمارات.
ويقول تقرير “بي بي سي” إن بحوزته “وثيقةً تتضمّن أحد عشَر اسمًا لعناصر سابقين في تنظيم “القاعدة” يعملون حاليًّا لصالح وحدة النخبة في المجلس الانتقالي الجنوبي.
ويختم التقرير بالقول: “وجدت تحقيقات إضافيّة قام بها المدّعي العام في عدن أنّ محسن قُتِل على يد أحد عناصر وحدة النخبة لمكافحة الإرهاب التي تشرف عليها الإمارات”.