فصل جديد من الحرب الحضارية التي تنبأ بها المهدي المنجرة نعيشه في غزة اليوم 24
قال المؤرخ حسن أوريد، إن الراحل المهدي المنجرة، قوة استشرافية، فهو لا يرى أن من الشخصيات الفكرية من توفقت عند استشراف المستقبل، بالقدر الذي أتيح للمهدي… كان له حدس يعبر عنه أحيانا بغضب مثلما نعت بالراديكالية، قد يغضب في الحاضر… ولكن لكي يكون منسجما مع المستقبل، يضيف أوريد.
حسب شهادة للمفكر أوريد، أدلى بها على هامش الملتقى الذي نظمته جمعية أماكن، بمناسبة الذكرى العاشرة لوفاة المفكر المهدي المنجرة، الخميس بالدار البيضاء، فإن معمعان السلاح الذي يضرب في غزة، وكل شيء يحدث تنبأ به فكر المهدي المنجرة، والحال أن ما يقع يكشف أنها حرب حضارية، كان المنجرة أول من استعمل مصطلحها وصاغه في خضم الحرب على العراق.
ويضيف: « نحن نعيش فصلا جديدا من هذه الحرب التي تنبأ بها المنجرة، والتي تتخذ أشكالا عدة، والسلاح وجه منها فقط، لكنها تبقى أنها متعددة الوجوه أيضا ».
وفقا لأوريد، فإن الحديث عن القيم في ندوة الذكرى العاشرة للمنجرة، يدفع بالضرورة إلى أن نفي لمن نذروا حيواتهم لهذا البلد، قائلا: « تجشمت عناء السفر لأحضر هذا اللقاء، لأنني حقيقة أريد أن أفي بذاكرة شخصية لم أعرفها معرفة وثيقة، كنا التقينا مرات قليلة، لأنني أؤمن أيضا أن الأمم لن تقوم إلا من خلال تعاضد الأشياء، لا بد أن كل جيل يسلم المشعل للجيل الذي بعده، فالأمم هي عبارة عن نسيج، تنسج الأحداث سداه، لكن يأتي جيل آخر لكي يبرم هذا النسيج، وجهدي أنا على الأقل أن أبرم ما نسجته الأحداث في الجيل السابق، حتى يتمثل هذا النسيج لكي نبني أمة، على اعتبار يضيف المفكر أوريد، الأمة التي ليس لها ذاكرة، ليس لها وجود.
بالنسبة لأوريد، المثقف ليس بالضرورة هو العالم، ولكنه الذي له مواقف، ليس صاحب معارف ولكن صاحب مواقف، والشيء الثاني الذي يميز المثقف هو قدرته الاستشرافية، أن يكون له حدس يتيح له ما لا يتاح لغيره من استشراف المستقبل، ولا أرى حقيقة من منظوري أن ذلك يتحقق في جيل المهدي، إلا في المنجرة.
يقول أوريد متحدثا عن طبيعة العلاقة التي كانت تجمعه بالمنجرة… حضرت جنازته وكتبت عنه، حقيقة أنه كان كل شيء يفرق بيننا، كانت حدته تزعجني، وأحكام حادة تثير غضبي، وكنت بطبعي ميالا إلى الاعتدال وإلى التوسيع في الأحكام، وكان ذلك مصدر حكم على الشخص، نظرا لبعض مواقفه الحادة من المثقفين العرب، ومواقفه أيضا من دستور 1992، التي شكلت لي مصدر إزعاج بالرجل، لكن فيما بعد تعمدت أن أعرف الرجل وأستئنس به، وجزء من ذلك يعود الفضل فيه إلى جمعية أماكن، قبل أن يكشف أوريد أنه حاول أن يتخلص من بعض الأحكام المسبقة عنه، وتبينت بأنه يتحدث بحدة الرجل الصادق… وشعرت أنني لست بعيدا عنه حين وقفت عند فكر المنجرة، لأنه كان سليل أسرة عالمة… هناك عناصر عدة تفيد من فهم المهدي المنجرة.
وفقا لأوريد، فإن ثمار هذه المنابع المتعددة في فكر ومسار المهدي المنجرة أخذت تبرز في سياق معين، كان المنجرة موظفا دوليا وله مكانة ومهتما بعلم المستقبليات، وكان عضوا ناشطا في نادي روما، وكان له طموح مشروع بداخل هذه المنظمة، وكان يعتقد أنه الأحق في أن يكون مديرا عاما لها نظرا لمؤهلاته، ونظرا لما يمثله، باعتباره ممثلا للحضارة العربية والإسلامية. لأسباب لم ينتخب المنجرة مديرا عاما لليونيسكو، لكن الذي لم يتقبله ألا يجد الدعم من حكومة بلده، وأظن أن ذلك أوغل صدره وأثر فيه، وهو الذي يفسر هاته الانعطافة. والحياة الثانية من حياة المهدي المنجرة، في نظر أوريد، وهي التي أنتجت المنجرة المفكر، ومن الأشياء التي ميزت مساره حسب شهادة أوريد دائما، أن الراحل أيضا، كان سباقا لقضايا حقوق الإنسان، وكان أول من نادى بتأسيس منظمة تعنى بحقوق الإنسان.
المنعطف الثاني في فكر الراحل المنجرة، وفقا للمفكر أوريد، هو بعد الحرب الأمريكية على العراق، وهنا ظهر شخص آخر غاضب، لأنه تحدث عن الكيل بمكيالين، وركب المنجرة رأسه ليندد بهذا الكيل، مثلما غضب في محطات مهمة، على مستوى الدينامية التي عرفتها المجتمعات بالمنطقة، وكان ضد إلغاء المسار الانتقالي في دولة معينة، وقال إنه كان ينبغي احترام نتائج الانتخابات.
حقيقة، يؤكد أوريد، للمنجرة مواقف أغضبت السياسي وغيره، ولكن لم يكن يتحرج من قول الحقيقة في نهاية المطاف… وبذلك كان المنجرة وفقا لهذا التحليل رجلا يؤمن بدينامية الشعوب وكرامتها وبحقوق الإنسان، ويؤمن بشيء أساسي، لا مستقبل للأمم من دون تربية، ولا قوام للتربية بدون أخلاق وقيم، وفقا للراحل المنجرة.