غزة مسيرة مستمرة أمد للإعلام
أمد/ قدر الشعب الفلسطيني أنه ثورة على الصهيونية العالمية وأنه خلال 100 سنة يواجه الصهيونية العالمية بقليل سلاح وعظيم إيمان وحده في الميدان.. بل إنه في بعض الأوقات لاقى من أخوانه وأبناء أمته الخذلان والمؤامرات والقتل والتشريد ولم يتنازل أبدا عن عروبته وهويته الحضارية فكلما اشتدت عليه المؤامرة صرخ: يا عرب يا عرب.. ولم يكفر بعروبته يوما ورغم الواقع المرير الذي لا يشبه واقعا آخر ظل إيمانه بربه ويقينه بعونه هو المفسر الغريب لهذا الصمود الأسطوري وهذا العناد الإنساني المذهل.. لم يؤمن سعب فلسطين يوما بسايكس بيكو ولم يشك يوما أن فجرا قادما لأمته يحمل لها العزة والكرامة وظل يحمل المشعل متقدا بدم خيرة أبنائه.. ظل الشهيد في قاموسه عريسا وفرحا ومجدا وعزا.. زفوا شهداءهم وودعوا اسراهم وضموا جراحهم على عيون لا تبكي الا لله .. اللهم لك العتبى حتى ترضى.
سايكس بيكو اللعين من جديد:
قبل أسابيع كتبت مقالا عن لبنان 55 سنة مقاومة للتحرر من سايكس بيكو ومن مؤامرة الادارة الفرنسية بصناعة دولة طائفية.. كنت أدرك أن العملية ليست سهلة وأن صناعة لبنان طائفي هي أحد الضمانات الاستراتيجية لتأمين الكيان الصهيوني.. وكنت أدرك أن أهلنا في لبنان سيواجهون النار الرهيبة لزحزحة عقولهم عن الوعي ولدفعهم نحو سراب السلم الزائف.. انها معركة وجودية لأمة مزقوها وجاءت الطوائف والاحزاب لتكرس التجزئة.. هكذا أصبحت فلسطين معزولة أو على الأقل هكذا تمنى دهاقنة العدو..
هل نجح سايكس بيكو؟؟.. جزّأنا، فرقنا.. صار لكل بلد راية ونشيد.. كانت وحدتنا حاميتنا كانت فلسطين التاريخية تمتد إلى صيدا وتشمل سيناء وشرق نهر الاردن فحجموها لتصبح على ماهي عليه حسب مخطط المشروع الصهيوغربي.. ليتم التفرغ بأهلها وترحيلهم او ابادتهم حسب الشعار ارض بلا شعب..وصنع الغرب في الاقليم وقائع سياسية واقتصادية تحكم الحصار على فلسطين وتعزلها عن محيطها العربي والإسلامي.
كانت المقاومة اللبنانية في السنة الأخيرة خروجا عن سياق سايكس بيكو.. لكن دولة الطوائف اشتغلت ليل نهار مع علاقاتها بالحلفاء الغربيين في فرنسا وامريكا حتى حاصرت محاولة الخروج عن سايكس بيكو.. تحركت كل المكونات التي تتزعم دولة الطوائف لتحاصر منطق المقاومة.. وأصبحت المقاومة اللبنانية في مواجهة كل زعماء الطوائف واحزاب الطوائف.. لا نبحث عن مبررات ولكن نرصد واقع ملتبس.
قال حسن نصر الله وهو يتحدث عن الاسناد لن يعود المستوطنون إلى شمال فلسطين قبل ان يتوقف العدوان على غزة .. وقال إن القرار بيد غزة.. ترى هل انهزمت المحاولة محاولة وحدة الساحات.. ام هل حقق لبنان ايقاف العدو والنجاة من المهلكة.. هل أصبحت غزة بلا نصير..؟
حسن نصر الله أعلن موقفه وكذلك الحوثي جاء القرار الصهيوامريكي بضرورة ازاحة هذا الخطاب من الساحة العربية.. ففي حين انسحاب النظام العربي من المواجهة العسكرية والسياسية بل وانخارط بعضه في العدوان والمؤامرة على المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني.. كان موقف المقاومة اللبنانية واليمن واحرار العراق خطوة كبيرة مهمة وضرورية لانشاء مناخ وعي وثقافة لتوليد مفاهيم جديدة وقيم جديدة في الوطن العربي بعد أن كاد سايكس بيكو يتمكن من العقول والنفوس والقلوب في الوطن العربي.. كان نصر الله والحوثي عنوان مهم في مرحلة معقدة صعبة ظن العدو فيها انه اغلق ملف فلسطين وانه اخذ على ذلك تطمينات عميقة من الاقليم وان المنطقة بصدد انشاء واقع جديد تندمج فيه اسرائيل بل تصبح هي الموجه له في الصراعات الامنية والعجلة الاقتصادية والثقافية في المنطقة..
الآن يوقع لبنان بكل أحزابه وفئاته على وقف اطلاق نار والاعلان عن الموافقة على قرارات أممية تدعو لترسيم الحدود وفرض واقع الجوار مع الكيان الصهيوني .. وتعلن المقاومة اللبنانية التزامها بما أعلن عنه ميقاتي ونبيه بري..
هنا نعود من جديد الى مربع سايكس بيكو الى واقعه ومفاهيمه وقيمه وقيوده.. لبنان وفلسطين وسورية.. وهذا في حد ذاته انتكاسة خطيرة مؤلمة روحيا وعمليا.. وهي انتصار بلا شك للشياطين وعبيدهم في المنطقة اعلن عنه نتنياهو سريعا ان اهم الانجازات في هذا الاتفاق انه فصل بين مسار المواجهات بين غزة ولبنان.. وهنا لابد ان اشير بوضوح الى ما تلقته قيادة المقاومة اللبنانية من ضغوط جنونية واغراءات هائلة وكذلك ما يتعرض له الحوثي من اغراءات وتهديدات فلقد وصلت الاغراءات الى حد توحيد اليمن تحت سلطتهم وتقديم مليارات الدولارات كرواتب للموظفين على مدار 3 سنوات قادمة والعمل على الاعمار في شتى المرافق والاستثمار الواسع في اليمن في مقابل ذلك ان رفض هذه الاغراءات تهديد بقصف اليمن بالقنابل النووية ان لم يوافق الحوثي برفع يده عن البحر الاحمر..
بلا شك توقفت جبهة من جبهات المقاومة المساندة لفلسطين على الأقل حاليا ونحن نعرف بكل تأكيد أنها كانت قوة حقيقية جنبا الى جنب المقاومة الفلسطينية وقد أوجعت العدو عميقا ونقدر كثيرا ما لحق بأهلنا في لبنان وجنوبه والضاحية ولقد أوجعنا وآلمنا، ولا نقارن أبدا بين المقاومة اللبنانية الكريمة ومواقف النظام العربي وجيوشه.. وهنا من الظلم الكبير أن نجري أي مقارنة.. لكنها لم تستطع إكمال المشوار معنا في الملحمة فلقد كانت الضعوط هائلة داخليا وخارجيا.. وحتى الان ظل اليمن في المعركة الكبيرة محرما على السفن المتجهة نحو ايلات المرور من باب المندب ومعلنا ان البحر الاحمر حرا ومع فلسطين..
غزة وحدها الحرة:
14 شهر هي الملحمة العربية الأكبر وهي المقتلة الواسعة التي أعلنتها الادارة الامريكية على الشعب الفلسطيني في غزة.. 14 شهر هي المأساة الكبيرة التي جاءت في سياق المآسي المتوالية منذ 1948 ورغم أنها المأساة الأكبر الا انها كذلك حملت من جديد أن الشعب الفلسطيني يمتلك وحده الارادة القوية والعزيمة والاصرار على استعادة فلسطين المباركة وان الشعب الفلسطيني لايمكن تحييده وجعله عبيد للنظام الدولي الظالم..
14 شهر هي الفصل الاخطر في المعركة الوجودية بين شعب أصيل وغزاة شذاذ أفاق دفعت بهم القوى الاستعمارية الى القلب من الأمة وفي أكثر جغرافيا تمتلك حساسية خاصة روحية واستراتيجية.. ورغم كل ما فعله المشروع الاستعماري عبر قرن من الزمان منذ الاحتلال البريطاني الغاشم لفلسطين الا ان فلسطين لم تخب لحظة في وجدان الشعب الفلسطيني وكلما تناهى لهيب ثورة انبعثت الى الحياة ثورة أشد ضراما وأقوى عودا.. ملحمة التاريخ يسجلها الشعب الفلسطيني لا كما تنبأ بها المستر دلاس وزير خارجية بريطانيا عندما توقع موت الكبار ونسيان الصغار..
14 شهر هي العنوان الأكثر وضوحا في هجومه على قلب المشروع الاستعماري واعادته الى صعوب الاسئلة الوجودية وتعريته تماما من كل زيفه والقاء روايته الى مزبلة التاريخ.. كان القرار الفلسطيني استثنائيا لم يستوعبه أقرب الأقربين وحتى بعض الساسة الفلسطينيين الذين استسلموا للواقعية السياسية وأصابتهم النكبات المتوالية بهزيمة روحية لم يستطيعوا التحرر منها ولم يتخيلوا ان بامكان شعبهم ان يقلب الموازين ويغير شروط الواقع..
ان 7 أكتوبر ثقافة ووعي وقيم قبل أن يكون واقعا.. انه باختصار شديد يعني ان هذه المجموعة القليلة قررت الغاء المعادلة الظالمة والتقدم بالشعب الفلسطيني في مقدمة الانسانية الحرة الكريمة يلقي دورس الصمود والتحدي والمقاومة فينتشل الانسانية المهانة والمحطمة تحت قيود الرأسمالية العالمية وسادتها المجرمين الكبار الذين حولوا البشرية الى عبيد ومجال استثمار مع كل الذل والاهانة والاخراج من الانسانية الى العبودية..
7 أكتوبر كان ضروريا تماما للعرب المطحونين بذل التبعية والهوان والهامشية، وكان ضروريا قبل ذلك كله للفلسطينيين لتجليه روحهم ونفض عزائمهم والتقدم لمعركة الشرف والواجب رغم قلة النصير وكثافة الظلام الرهيب..
كلمة لابد منها:
تخرج لبنان مضطرة من ساحة المعركة فان هذا لن يغير في حقيقة أن العدو الصهيوني عدو للعرب جميعا وان اهدافه لا تتوقف عند السيطرة على فلسطين.. وان خروج أي بلد عربي من المواجهة لن يحقق السلام والأمان له.. وليكن واضحا أن الفلسطينيين في ملحمتهم إنما هم يتصدون لعدو أمتهم وحضارتها وعقيدتها وتاريخها ومستقبلها.. وليكن واضحا واضحا ان الفلسطينيين يثقون تماما بحقهم في الدفاع عن الارض المباركة وانهم لا يتنازلون ولن يغادروا مربع المواجهة.. وليكن واضحا واضحا واضحا ان الفلسطينيين يدركون ان هذا شرف خصهم به رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وهم على هذا الدرب ماضون مصممون حتى تحرير القدس وفلسطين المباركة والله غالب على أمره.