أمد/ من المعروف في التاريخ الحديث، أن منطقة الشرق الأوسط أرض فوضى دموية. فالحروب فيها قد لا تغيب؛ والأدلة على ذلك كثيرة . فالعراق و اليمن و إيران و سوريا و لبنان ومصر والسودان وتركيا و الكويت وغيرهم الكثير؛ يعلمون تماماً الحرب و تداعياتها. إلا أن فلسطين تعتبر رأس حربه الصراع الأكبر في المنطقة ، والتي كان أخرها حرب الإبادة التي تجري في غزة و لا زالت .
والتي تعتبر الأطول و أحيانا يمكننا وصفها بالأعقد. وذلك يرجع إلى العديد من الأسباب أهمها ، التغول اليميني الديني التوراتي في أركان الحكومة و الشعب الإسرائيلي ، والذي يقابله حالة من التيه و العجر و الضعف و الغباء والفساد لدى القيادة الفلسطينية .
بالإضافة إلى حالة اللاستقرار لدى العديد من الدول العربية والتي لا تزال تعاني من ويلات الحروب أو من تداعيات ما يسمى ” الربيع العربي ” إلى جانب حالة من فقدان الهوية الإسلامية و العربية. هذه و وغيرها من الأسباب الدولية و التفصيلية أدت بشكل مباشر أو غير مباشر في إستمرار حرب الإبادة على غزة .
و المقدمة هنا لم تأتي لتعقيد المشهد المعقد أصلا في غزة ، بل كان يجب الإشارة إليها ، لأهميتها في التمهيد لإدراك المشهد . وبعيداً عن التعقيدات الخارجية سوف نوضح لأهل غزة عبر هذا المقال رؤيتنا فيما هو قادم في الأيام المقبلة . عبر الإجابة عن السؤال الأكثر تردداً في غزة : متى الهدنة ، إذا لم تقف الحرب قريباً؟!
وللإجابة على هذا السؤال سوف نسعى في هذا المقال لمعرفة ما الذي يريده نتنياهو ، كونه صاحب القرار الفعلي في حرب الإبادة .
ما الذي يريده نتنياهو ؟
نتياهو في الغالب يسعى إلى تحقيق عدة أمور ، بما ينسجم مع رؤيته الإستراتيجية لغزة و لمنطقة الشرق الأوسط والتي لا يجوز الإستهانة بها و لا إعتبارها أمراً حتمياً أيضا. مع ضمان إستمرار إئتلافه الحاكم لأطول فترة ممكنه .
و المراهنة على حدوث تغييرات دراماتيكية إقليمية أو دولية قد تعزز من مكاسبه ، و هذا برأي نتنياهو يمر عبر الخطوات التالية :
الخطو الأولى إستعداد نتياهو لإعلان الهدنة بتوقيت مقارب لتاريخ ٢٧٧ 2025م، ، والتي تتزامن مع بدء إجازة الكنيست لثلاث شهور؛ وبالتالي يحافظ على بقاء حكومته وتماسك إئتلافه؛ كون التصويت على إسقاط الحكومة قد يكون يؤجل إلى نوفمبر بعد إنقضاء إجازة الكنيست الإسرائيلي .
على أن يسعى في فترة الهدنة وإجازة ” الكنيست” ، في الحفاظ على تماسك حكومته. عبر إقناعهم بأهمية الصفقة وضرورة إنهاء ملف الآسرى الإسرائيلين لدى المقاومة . وهذا قد يفضي إلى أمرين :
الأول موافقة الإئتلاف على الهدنة وبالتالي استمراره ؛ وهذا يعني أن الهدنة تتبعها هدنة ، وربما وصولاً إلى وقف شامل لإطلاق النار .
و قد يكون هناك أثمان و مكاسب لهذه النقطة و التي تتمثل في تخلص نتياهو من قضية الفساد في المحكمة الاسرائيلية التي تلاحقه ؛ أو إشعال حرباً مع طرف إقليمي أخر والعين على ( سوريا ولبنان) ، أو تطبيق مخطط التهجير ، مع إحتمالية تقديم حركة حماس المزيد من التنازلات.
الثاني معارضة الإئتلاف للهدنة و التلويح بحل الحكومة الإسرائيلية و حلها ، و هذا يعني أن نتياهو لن يجدد الهدنة . و ان حرب الإبادة سوف تستمر بعد الهدنة في أحسن الأحول ، إن لم يخترقها أصلاً .
الخطوة الثانية يسعى نتنياهو إلى إستمرار المجاعة بغزة صحيح أن التجار سفله القوم في غزة ولكن لا يمكن إنكار حالة الندرة في المواد التموينية.
والهدف من ذلك أن الهدنة حتى و إن تمت ، فإنها سوف تُدخل بضائع في الغالب لن تكفي أكثر من ثلاث شهور . وهذا يعني إحتفاظ نتنياهو على ورقة قوية وهي “سلاح التجويع” ليستخدمه في جولة المفاوضات الختامية في حال موافقة الإئتلاف على الهدنة، من خلال التهديد بالعودة للمجاعة مرة أخرى.
وكذلك لإستخدامه كسلاح حاسم في حال عارض الإئتلاف الإسرائيلي للهدنة، كونه سوف يوظف المجاعة دافعاً حاسماً في الحرب و كذلك دافعاً رئيسياً للهجرة .
الخطوة الثالثة تمهيد الأرض ميدانياً لفترة ما بعد الهدنة، أو حتى ما بعد الحرب. لتسهيل عملية الحركة العسكرية والأمنية في غزة ؛ بمعنى التواجد الإسرائيلي العسكري الفجائي قد يستمر لسنوات في غزة ، فجزء من الهدم الممنهج يهدف لإنشاء منطقة عسكرية عازلة ، إلى جانب تقسيم جغرافي جديد لأغراض عسكرية؛ فالمحاور التي تقام في غزة ؛ هي ذات دلالات أمنية و عسكرية خالصة. بإختصار الدور الإسرائيلي الأمني سيعمل بكامل قوته، و أن الدور العسكري الإسرائيلي سيكون حاضراً في الساحة الغزاوية إذا إقتضت الضرورة وفقاً للمنظور الإسرائيلي .
وعليه ماذا علينا أن نفعل ؟
أولاً على كافة الفصائل الفلسطينية تغليب مصلحة الوطن والشعب على أي إعتبار، و التفكير من منطلقات فلسطينية خالصة دون ربطها بأى أجندة خارجية .
ثانياً أن يقرأ المفاوض الفلسطيني المشهد بشكل واقعي بعيداً عن الأمنيات والخيالات، وأن يكون واقعيًا. مع الإستعانة بخبراء في هذا المجال؛ مع منح الأولوية للخبراء الفلسطينين و المصريين ، كونهم الأطراف الأكثر تضرراً من الحرب و قضية التهجير .
ثالثاً على المستوى الشعبي، على الغزي أن يدرك أن فترة الهدنة قد لا تستمر، و ربما لا تجدد بهدنة أخرى . لذا عليه السعي لتوفير المواد التموينية اللازمة؛ كي لا يقعوا مرة أخرى فريسة في يد شياطين غزة ( تجارها) ولكمائن الإحتلال الاسرائيلي وعملائه . وهنا نوجه نداء لكافة المؤسسات الدولية الإغاثية من أجل توفير المقومات الأساسية بأسرع طريقة و بأكبر كمية . مع التركيز على ضرورة إستيقاظ السلطة الفلسطينية من نومها ، و القيام بواجباتها تجاه غزة ، من خلال المساهمة في التخفيف عن الناس و توفير كافة المواد الغذائية .
وكذلك على الفصائل الفلسطينية التي جمعت الأموال طوال الحرب ،إيقاظ ضمائرهم وإرسال الأمول لغزة و أهلها ، وعدم الإحتفاظ بها لمكاسبهم الشخصية أو الحزبية .
ختاماً مخططات التهجير لا تزال قائمة حتى وإن إنتهت الحرب، فالفوضى والظلم والعربدة وعدم الإعمار ، وبقاء المعاناة هي الجهود التي سيسعى الإحتلال إلى استمرارها ؛ و هي دوافع خطيرة للهجرة، يجب التنبه لها حتى و إن إنتهت الحرب .
وهذا يتطلب إلى جهداً مالياً و دعوياً ووطنياً و أكاديمياً و ثقافياً كبيراً ، لكي نحافظ على بقاء الناس في أرضهم.