أمد/ في غزة، لا يُطرق بابُك ليلاً بحثاً عن مأوى، بل يُطرق بحثًا عن رغيف، عن شمعة، عن قطرة وقود، عن شيء من الحياة.

في غزة، الأسواق خالية، لكن الوجع ممتلئ.

منذ اندلاع الحرب في أكتوبر 2023، تحول القطاع الصغير المحاصر منذ سنوات إلى بقعة معزولة عن الكوكب، لا يصل إليها شيء، ولا يخرج منها شيء… سوى أنين البشر.

المعبرُ المغلق… شريانٌ قُطِع من القلب بالنسبة لسكان القطاع المكلوم المغدور

كانت غزة تتنفس من خلال معابرها القليلة. ولكن مع تصاعد الدخان والدمار، أُغلقت تلك الفتحات.

كرم شالوم ورفح، تلك الأسماء التي كانت تعني الأمل، تحوّلت إلى بواباتٍ للخذلان، لا يدخل منها إلا القليل، بعد أن يدفع كثيرون ثمنًا باهظًا من الانتظار، والمال، والكرامة.

في بعض الأيام، كانت شاحنة واحدة تمرّ بين مئات المنتظرات، كأنها قافلة في صحراء الموت. حُرمت الأسواق من الدقيق، من الأرز، من أبسط أساسيات الحياة.

وغدت البضائع مثل الأساطير: يُتحدث عنها كثيرًا، ولا تُرى.

أسعار في السماء… وبطون جوعى في القاع

هل تتخيل أن يدفع أبٌ ثلاثين دولارًا لعلبة بسكويت صغيرة لأن طفلته تحبها؟

هل تتخيل أن كيس الدقيق يُباع بـ 400 دولار؟

وأن الطماطم، تلك النبتة التي كانت تملأ الحقول، تُباع بـ20 دولارًا للكيلوغرام؟

في غزة، لم تعد الأسعار مجرد أرقام… بل تحوّلت إلى قصصٍ من القهر، وجروحًا نازفة في جدار الكرامة الإنسانية.

تحدث أحد السكان باختناق:

> “أصبحتُ أعد حبات البندورة كما أعد دقات قلبي. لا يمكنني أن أشتريها دون أن أشعر أنني سرقت شيئًا من قوت أطفالي.”

هنا غزة العمولة… ضريبة البقاء

لم يعد الموت في غزة فقط من قذيفة، بل من استغلالٍ يُفرض على أنفاس الناس.

كل شاحنة تدخل يجب أن تمر عبر عشرات الأيادي، تُسلّم فيها الأموال كما تُسلّم الأرواح.

عمولات تصل إلى آلاف الدولارات، تُدفع لمن يملك المعبر، أو من يتحكم بمفاتيحه من خلف الستار.

تاجر يتحدث بغصّة:

> “كأننا ندفع فديةً كي نحيا. حتى الدواء لم يعد يمرّ إلا إذا دفع أحدهم ثمن مروره أكثر من ثمنه.”

لا أحد يستطيع أن ينكر أن الجوع هو الوجه الجديد للحرب

في الأزقة المهدّمة، لا تسأل الأم عن المدرسة ولا عن الدواء… بل عن وجبة تسدّ بها رمق صغارها.

الجوع في غزة ليس حالة طارئة، بل واقعٌ دائم، عدوّ لا يرى، لكنه يُنهك، يُضعف، ويهزم من الداخل.

طفل في التاسعة، نحيل كأنه ظلّ، قال للمراسل:

> “أريد أن آكل، فقط آكل. لا أريد شيئًا آخر.”

من يفتح نافذة لهذا الليل؟

غزة اليوم لا تطلب الشفقة. غزة تطلب كسر الحصار، لا كسر النفوس.

تطلب أن يُنظر إليها بعين العدل، لا بعين الإغاثة فقط.

ما يحدث في غزة ليس فقط أزمة إنسانية، بل إهانة يومية للكرامة البشرية.

إن لم تُفتح المعابر، وإن لم تتوقف لعبة العمولات، وإن لم يتحرك العالم بصدق…

فغدًا، قد لا نجد أحدًا في غزة يطلب الطعام،

لأنهم سيكونون قد تعودوا على الجوع… أو رحلوا بصمت.

شاركها.