اخر الاخبار

غزة تحتضر جوعاً أمد للإعلام

أمد/ يمر قطاع غزة بمنعطف خطير وواقع كارثي ينذر بما هو أسوأ في ظل وجود حكومة إسرائيلية يمينية متطرفة تسعى جاهدة إلى تنفيذ سياسات قمعية وجرائم وانتهاكات وحشية وإبادة جماعية ممنهجة بدءاً بالقصف العشوائي مروراً بفقدان مقومات الحياة وصولاً إلى اتباع سياسة التهجير القسري بالقتل والتدمير والترهيب والحصار واخيراً اتباع سياسة التجويع كسلاح حرب بحق شعبنا دون أي مساءلة دولية على جرائمها.

من لم يقتله القصف قتله الجوع

يطلّ شبح المجاعة مجدداً على قطاع غزة في ظل إغلاق سلطات الاحتلال الإسرائيلي المعابر الحدودية مع القطاع ومنع إدخال المساعدات الإنسانية والمحروقات والسلع التجارية بمختلف أنواعها حيث بدأت تظهر علامات شح السلع والمواد الغذائية بالأسواق وفي حال تواجدها ارتفعت أسعارها بشكل يفوق قدرة المواطنين على شرائها في حين عادت الأطعمة المُعلبة على الموائد باختراعات غزاوية بنكهة الحرب والمعاناة. 

مقاومة من نوع آخر

في زوايا خيام غزة التي أنهكها الحصار والجوع والاوضاع المأساوية لم يعد الخبز مجرد طعام يومي بل بات رمزاً للصمود وضرورة ملحة للبقاء فمع استمرار الحصار الخانق الذي فرضه الاحتلال الإسرائيلي لأكثر من شهرين تفاقمت الأزمة الاقتصادية والإنسانية وعصفت بغيومها السوداء على القطاع مما أدى ذلك الى ارتفاع حاد بأسعار الدقيق فاقت الخيال حيث تجاوز سعر كيس الدقيق (وزن 25 كيلو) 1600 شيكل اي ما يعادل 500 دولار أمريكي.

 من هنا بدأت رحلة العذاب والشقاء في البحث عن بدائل كمحاولة حقيقية للبقاء وبدلاً من الدقيق لجأ سكان القطاع إلى ما توفر لديهم من أرز وعدس يُطحن ومعكرونة تُسحق وفاصوليا معلبات تُعجن مكونات كلها تحولت إلى خبز يقي من الجوع ولو مؤقتاً.

التعريف القانوني للتجويع

تقول مؤسسة السلام العالمي التجويع قانوناً هو الحرمان من ضروريات الحياة الغذاء، الماء، الصرف الصحي، الدواء، المأوى، رعاية الأمومة للأطفال الصغار، ومجموعة من الضروريات الأخرى.

 أما على المستوى الفردي فيعرف الجوع بأنه حالة جسدية وطبية لسوء التغذية الحاد الوخيم المُهدد للحياة وزيادة قابلية الفرد الذي يعاني من سوء التغذية للإصابة بالأمراض والموت بسبب الجفاف.

التجويع سلاح الغرب المفضل!

لقد لقي ملايين المدنيين حتفهم في القرن العشرين نتيجةً لاستراتيجيات الحصار والتجويع إلا أنه لم يتم حظر استخدام سلاح التجويع في القانون الدولي حتى عام 1977م ومنذ ذلك الحين ورغم الحظر الصريح أصبحت ملاحقة مرتكبي هذه الجريمة نادرةً للغاية ولم تدرج معظم المحاكم الجنائية الدولية التي أُنشئت بعد الحرب العالمية الثانية التجويع القسري في أنظمتها الأساسية ناهيك عن السعي لمقاضاة مرتكبيه والسؤال هنا لماذا..؟!! والجواب يكمن في أن حصار التجويع كان طوال القرن العشرين جزءاً لا يتجزأ من التفكير الاستراتيجي الغربي الذي اعتبره أداة مهمة للحفاظ على النظام الدولي نفسه وكان هذا التكتيك فعالًا بشكل مرعب لدرجة أن المنتصرين والمهزومين اعتبروه سلاحاً لكسب الحرب في الحربين العالميتين الأولى والثانية.

التجويع كسلاح حرب

مشاهد الموت جوعاً وصراع سوء التغذية يعيد إلى الذاكرة أسوأ صفحات الحروب البشرية حيث تمارس إسرائيل في قطاع غزة منذ أشهر سياسة تجويع ممنهجة بحق أكثر من مليوني مدني من خلال منع دخول الغذاء والدواء والماء والوقود واستهداف المرافق الزراعية والطبية وعرقلة عمل منظمات الإغاثة.

حذرت اليونيسف من أن 335 ألف طفل دون سن الخامسة باتوا على شفا الموت بسبب سوء التغذية الحاد فيما يتعرض جيل كامل لخطر المعاناة من إعاقات جسدية وإدراكية دائمة وهو ما يسميه الأطباء” التقزم “.

 ووفقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية ارتفع عدد الأطفال الذين يتلقون العلاج من سوء التغذية بنسبة 80% مقارنة بشهر مارس/ آذار الماضي.

يواجه مليونان وأربعمائة ألف مواطن هم سكان قطاع غزة المدمر خطر الموت جوعاً بينهم أكثر من مليون طفل من مختلف الأعمار يعانون من الجوع يومياً وقد أُصيب 65 ألف شخص بسوء تغذية حاد، ونُقلوا إلى ما تبقى من مستشفيات ومراكز طبية مدمرة في القطاع، وتوفي 50 طفلاً بسبب الجوع وكان آخرهم عدي فادي أحمد الذي فارق الحياة في مستشفى الأقصى بدير البلح.

وتُظهر الأرقام أن 92% من الرضع الذين تتراوح أعمارهم بين ستة أشهر وسنتين لا يحصلون مع أمهاتهم على الحد الأدنى من احتياجاتهم الغذائية الأساسية ما يعرضهم لمخاطر صحية جسيمة ستلازمهم مدى حياتهم كما أن 65% من سكان قطاع غزة لم يعد باستطاعتهم الحصول على مياه نظيفة للشرب أو الطبخ وفق هيئات إغاثة دولية.

لم تعد هذه الجرائم مجرد أرقام أو تقارير بل تحولت إلى مشاهد دامية ومأساوية تنقلها شاشات التلفاز وعدسات الهواتف تتضمن صرخات الأطفال الجوعى التي تنفطر لها القلوب وتبكي الحجارة.

ما يجري في غزة ليس كارثة إنسانية عابرة بل سياسة تجويع متعمدة موثقة بالشهادات والصور والأرقام إنها جريمة حرب مكتملة الأركان ولا يحتاج العالم إلى لجان تحقيق جديدة بقدر ما يحتاج إلى إرادة حقيقية للمحاسبة. فهل يصحو الضمير الدولي؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *