أمد/ حين أعلنت حماس موافقتها على المقترح المصريالقطري لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، بدا وكأنه خبرًا اعتياديًا يضاف إلى سلسلة المبادرات الفاشلة والهدن المؤقتة. لكن من ينظر إلى هذا الحدث بعيون التاريخ، يدرك أن الأمر أعمق من مجرد صفقة سياسية أو مناورة تفاوضية.

فالمشهد الفلسطينيالإسرائيلي لم يعد مجرد مواجهة بين “حركة مقاومة” و”جيش نظامي”، بل هو استمرار لتاريخ طويل من صناعة الأساطير. الدولة العبرية بُنيت منذ البداية على خرافة “شعب بلا أرض لأرض بلا شعب”، وهي نفس الأسطورة التي تتجدد اليوم مع كل قصف على غزة، حيث تُقدَّم الحرب باعتبارها دفاعًا عن “حق أزلي”. في المقابل، حماس بقبولها هذه المبادرة لا تُسقط السلاح الرمزي، لكنها تعترف بأن الدماء لا يمكن أن تظل العملة الوحيدة في مواجهة الأسطورة.

أما الوساطة المصريةالقطرية ليست مجرد دور إقليمي تقليدي. فهي تكشف أن النظام العربي الرسمي، رغم ضعفه وتشتته، لا يزال يملك قدرة على إعادة صياغة قواعد اللعبة فمصر، بثقلها التاريخي، وقطر، بقدرتها المالية والدبلوماسية، تحاولان فتح ثغرة في جدار يبدو أنه بني على روايات مقدسة لا على مصالح سياسية.

الكرة الآن في ملعب إسرائيل. لكن ما يظهر للعلن ليس سوى نصف الحقيقة. الانقسام داخل حكومة نتنياهو، وتردد المؤسسة الأمنية، يعكس مأزقًا أعمق: كيف يمكن لدولة تأسست على وعد تاريخي أن تقبل بمنطق التفاوض الزمني والنسبي؟ قبول الاتفاق يعني التخلي عن لغة المطلق، والاعتراف ولو ضمنيًا بأن الخصم الفلسطيني ليس شبحًا، بل كيان سياسي يفرض نفسه.

أما الفلسطينيون، فقد أصبحوا أسرى بين نارين: نار البقاء في الجغرافيا ونار البقاء في الذاكرة. موافقة حماس على المبادرة، وإن بدت براغماتية، تحمل في جوهرها معنى آخر: أن التاريخ لا يُكتب بالدم وحده، بل أيضًا بالقدرة على تحويل الذاكرة إلى ورقة سياسية.

إذا ليس في أن حماس قبلت أو أن إسرائيل قد ترفض. الحقيقي أن الصراع عاد مرة أخرى إلى نقطة البدء: أسطورة تريد أن تخلّد نفسها، وذاكرة تبحث عن حياة. كل مبادرة، مهما كانت هشة، هي محاولة لانتزاع الصراع من قبضة الأسطورة وإعادته إلى لغة البشر، حيث الخبز أهم من الوعد، وحياة طفل في غزة أو أسير في سجن إسرائيلي أهم من “أرض الميعاد”.

شاركها.