أمد/

تبدو حرب الإبادة في غزة وكأنها تبدأ كل يوم من جديد؛ خراب وقتل وجوع، تهديدات إجرامية يطلقها وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس، ودمار يبتلع الأبراج والأحياء بلا رحمة. المدينة تترنح تحت الاجتياح، نصفها محتل والنصف الآخر مهدد بالسقوط، فيما الناس محاصرون بين الخوف والجوع وفقدان الأحبة. لا يملكون سوى الدعاء، بينما يتقاذف السياسيون الحسابات والمناورات.

في هذا السياق، أعاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب طرح مقترح جديد لوقف فوري لإطلاق النار والإفراج عن جميع الأسرى، أحياءً وأمواتاً. لكن المقترح بدا مصاغاً على مقاس إسرائيل، ومن غير المعقول أن يصيغه الأميركيون دون أن يحمل بصمات الاحتلال ومصالحه. يكشف المقترح بوضوح أن الحل وفق الرؤية الأميركية يمر عبر خدمة مصالح إسرائيل أولاً. بالتوازي، نقل المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف رسائل مشابهة إلى حركة حماس عبر الناشط الإسرائيلي غرشون باسكين، حول أفكار لصفقة شاملة لإنهاء الحرب.

استقبل الناس في غزة هذه الأخبار بخلطة من الأمل والريبة. الأمل لأن مجرد الحديث عن وقف الحرب يعيد بصيص حياة وسط بحر الدماء، والريبة لأنهم جرّبوا وعوداً مشابهة تحولت إلى خداع ومزيد من القصف. هم يعرفون أن إسرائيل بارعة في استخدام المفاوضات غطاءً لشراء الوقت، بينما تُمعن في التدمير والتفريغ. لذلك، أي صفقة لا تقترن بضمانات حقيقية سرعان ما تتحول إلى كابوس جديد.

اليوم، تجد حماس نفسها في موقف صعب لا تُحسد عليه. المطلوب منها التحرك بسرعة ودون رفض أي فرصة جدية، وأن تقدم مقترحات عملية تساهم في وقف الإبادة وإنقاذ ما تبقى من الشعب. فهي الطرف الذي تتوجه إليه الضغوط والرسائل، وهي من تملك قرار الذهاب في المفاوضات أو الاكتفاء بالرفض. المعضلة أمامها مزدوجة: من جهة، الشارع الغزي لم يعد يحتمل يوماً إضافياً من القتل والنزوح؛ ومن جهة أخرى، أي اتفاق يحتاج إلى ضمانات دولية واضحة، حتى لا يتكرر سيناريو نقض التفاهمات السابقة، كما حدث في مقترح 18/8/2025 الذي وافقت عليه الحركة ولم ينفذ.

الضغط على حماس أكبر من أي وقت مضى. المطلوب منها قرارات شجاعة، لا تعني التنازل بل تحمل مسؤولية وقف الإبادة وإنقاذ ما تبقى من غزة. الشجاعة هنا تعني التعامل بجدية وسرعة مع أي فرصة جدية، وانتزاع التزامات واضحة من إسرائيل والمجتمع الدولي، رغم أن الصفقة ملغومة ولا تلبي كامل طموح الحركة في الحفاظ على استقلالها في القطاع. كل تأجيل يعني دماء جديدة تحت الركام.

المعادلة باتت واضحة: الحرب وصلت إلى طريق مسدود عسكرياً، واستمرارها لن يغيّر شيئاً سوى مضاعفة الضحايا. واشنطن نفسها تدرك هذه الحقيقة، لكن إدراكها لا يكفي ما لم يُترجم إلى مبادرة رسمية قابلة للتنفيذ.

غزة اليوم بين خيارين: الإبادة المستمرة بكل وحشيتها، أو صفقة قد تشكّل آخر خيط أمل لإنقاذ حياة الناس. لحظة الحقيقة أمام حماس صارت حاسمة: أن تلتقط الفرصة، أو تتحمل تبعات حرب تُفني البشر والحجر.

شاركها.