أمد/ بعد عامين من الحرب المشتعلة في غزة، يطلّ اتفاق وقف إطلاق النار كنافذةٍ صغيرة في جدارٍ من الخراب، اتفاقٌ لم يولد من انتصارٍ عسكري بقدر ما وُلد من إنهاكٍ شامل لكل الأطراف، إسرائيل التي استنزفت قدراتها السياسية والعسكرية دون حسم، والفلسطينيون الذين دفعوا ثمناً إنسانيًّا باهظاً في حربٍ أكلت الأخضر واليابس.

 

لكن خلف هذا “الهدوء” الظاهري، يختبئ مشهد معقد يعكس توازنات جديدة تتشكّل في المنطقة، وصراع إراداتٍ لم يُحسم بعد، بل انتقل من الميدان إلى طاولة السياسة.

 

وقف إطلاق النار لا يعني نهاية الصراع، بل تجميداً مؤقتاً للنار فوق رمادٍ مشتعل، فكل طرفٍ خرج من الحرب وهو يحاول أن يقدّم ما جرى كـ“إنجاز” لجمهوره الداخلي. الحكومة الإسرائيلية تسعى لإقناع الشارع بأنها أضعفت بنية الفصائل، بينما ترفع المقاومة شعار “الصمود والانتصار السياسي” بعد أن أفشلت مشاريع التهجير والإخضاع.

 

يبقى التحدي الأكبر في ترجمة وقف إطلاق النار إلى سلامٍ دائم، لا مجرد هدنة هشة، فالتاريخ القريب مليء بالاتفاقات التي انهارت عند أول اختبار.

الخطوة الحقيقية نحو الاستقرار تبدأ من الاعتراف بجذور الأزمة، الاحتلال، الحصار، وغياب العدالة، ومن دون معالجة هذه القضايا الجوهرية، فإن كل اتفاقٍ يبقى مثل ضمادةٍ على جرحٍ مفتوح.


 

توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في غزة ليس نهاية الحرب، بل بداية معركة من نوعٍ آخر، معركة الوعي، والإعمار، وإعادة بناء الثقة في إمكانية الحياة بعد الرماد.

في ميزان السياسة، كل الأطراف خاسرة من الحرب، لكن المنتصر الحقيقي هو الإنسان الفلسطيني الذي ما زال يؤمن أن النهوض ممكن، مهما كانت كلفة الصمود.

 

غزة اليوم ليست فقط عنواناً للوجع، بل رمزاً لصمودٍ يكتب فصوله شعبٌ لا يُهزم.

وإن كان وقف إطلاق النار قد أوقف صوت القنابل، فإن صوت الحق لا يزال يعلو، يذكّر العالم أن السلام لا يصنعه السلاح، بل العدالة.

شاركها.