عودة روراوة.. تتجدد أم تتبدد؟
لا يزال الشارع الكروي الجزائري ينتظر بشغف تاريخ انقضاء مهلة إيداع ملفات الترشح لرئاسة الاتحادية الجزائرية لكرة القدم، المحددة يوم 27 أوت الجاري، لمعرفة الأشخاص الذين ينوون خلافة جهيد زفيزف على رأس الفاف وبأكثر فضول معرفة إن كان الرئيس الأسبق لهذه الهيئة محمد روراوة سيخوض معترك الانتخابات أم لا؟
الغريب في الأمر، أنه كلما اقتربت مواعيد الجمعيات العامة الانتخابية للاتحادية الجزائرية لكرة القدم وحتى الجمعيات العادية للهيئة الكروية، على مدار ست سنوات كاملة، أي منذ مغادرة “الحاج” مبنى دالي إبراهيم، إلا وطيف روراوة يخيم على الساحة الكروية بنية العودة إلى مقاليد حكم الكرة الجزائرية، دون أن تتحول هذه النية أو الفكرة إلى حقيقة وإلى واقع، بدليل تعاقب كل من زطشي وشرف الدين عمارة وجهيد زفيزف على رأس الاتحاد، دون أن يعود “الإمبراطور”، كما يحلو للبعض تسميته.. والأكثر من هذا؛ لم نسمع ولم نقرأ ولم تصدر عن المعني بالأمر أي إشارة تؤكد أو تفند هذه الأخبار.. فهل سنعيش نفس السيناريو هذه المرة؟ ولماذا في كل مرة يتردد اسم “الحاج” في الساحة؟ وأخيرا هل الجزائر كـ “قارة” لا تملك شخصية أخرى بديلة بإمكانها إخراج الكرة الجزائرية من نفقها المظلم وإسماع صوتها دوليا، إلا الحاج؟
قبل الإجابة على هذه الأسئلة، وجب علينا الوقوف عند اتفاق الجميع على أن الرجل (روراوة) يملك من المؤهلات والتجربة و”الكاريزما”، ما يؤهله ليكون الشخصية التوافقية التي يحبذ الجميع رؤيتها في دواليب حكم الكرة الجزائرية، ويكفيه فخرا أنه كان من صنّاع عودة الجزائر إلى المونديال، بعد غياب دام لأكثر من 28 سنة (من 1986 إلى 2010)، ويكفيه فخرا أيضا أنه ساهم في وصول تشكيلة المدرب الفرانكو ـ بوسني وحيد حاليلوزيتش إلى الدور الثاني من مونديال البرازيل 2014، هذا دون أن ننسى ولوجه للمكتب التنفيذي للكاف من 2004 إلى 2017 وحتى الفيفا من 2011 إلى 2017، كأول وآخر جزائري يحوز على هذه العضوية منذ تاريخ نشأة الكرة في الجزائر.
علاقات الرجل (روراوة) دوليا مكنته في وقت مضى وحتى في الوقت الحاضر من أن يكون المتغير الثابت في الساحة الكروية العالمية، إذ تدين إفريقيا كلها لقانون روراوة “الباهاماس” لعام 2009 والذي تجني المنتخبات الإفريقية ثماره لحد الآن وليس الجزائر فقط، التي توجت بكأس أمم إفريقيا لعام 2019 بلاعبين خطط لهم ابن “الكاديكس” بالعاصمة وقام بـ “بتجنيسهم رياضيا” في الوقت المناسب، كما كان الحال مع محرز ومبولحي وبن ناصر.. والعديد من اللاعبين الذين يصنعون أمجاد القارة السمراء كالسنغالي ساديو ماني، وهو ما اعترف به العدو قبل الصديق، بدءا بـ “تلامذته” الذين يتواجدون حاليا في مناصب حساسة في الكاف كالسنغالي أوغوستان سانغور والموريتاني ولد يحي نائبا رئيس الكاف.. هذا دون أن ننسى مساهمته الفعالة في إحياء الساحة الكروية العربية، بدليل أن صناع القرار الرياضي العربي منحوه الشارة الخضراء في المنافسات ما بين الأندية العربية وحتى بين المنتخبات العربية.
محمد روراوة وعلى مدار 22 سنة على رأس الفاف لعهدتين (2001 إلى 2005 ومن 2009 إلى 2017)، أرسى في العهدة الأخيرة لتسييره، مشروع الاحتراف في الكرة الجزائرية الذي تحول بمرور الوقت وبالضبط من 2010 إلى “نقمة” حقيقية للأندية الجزائرية، وهنا لا نحمّل الرجل المسؤولية كاملة؛ لأن مشروعا ضخما كهذا يتطلب إرادة سياسية على أعلى مستوى، حتى يتسنى للجميع مرافقته وتطبيقه بما يتماشى ومتطلبات الكرة الحديثة.
وبالرغم من كل هذا، لم تستفد الجزائر من تجربته طيلة فترة غيابه عن الفاف من 2017 إلى 2023، فلا الجزائر في وقته تمكنت من الظفر بشرف تنظيم الـ “الكان” من 2017 إلى وقتنا الحالي، ولا الجزائر تمكنت من كسب العضوية في المكتب التنفيذي للكاف بعد خسارة المترشح عمار بهلول في 2019 بمصر أمام الليبي الشماني، ولا جهيد زفيزف في أبيدجان 2023 تمكن من إسقاط نفس المنافس الليبي.. وهنا الجميع يتساءل هل رفض “الحاج” مد يد المساعدة لهذا الثنائي (بهلول وزفيزف) من أجل ولوج قبة الكاف، أم أن لا أحد منهما طلب المساعدة؟؟
الأكيد أن “الحاج”، الذي سيصل إلى سن الـ 76 سنة في 12 سبتمبر القادم، لم يفصل لحد الآن، حسب مصادر موثوق بها، في إمكانية دخوله معترك انتخابات الفاف في 21 سبتمبر القادم، حتى أن بعض من مقربيه أجزموا بأن الرجل تعب ولا ينوي العودة إلى دواليب الكرة الجزائرية، غير أنه وعد المعنيين بالأمر بمد يد العون لكل من يطلب خدماته ويرغب في عودة الجزائر إلى صناعة القرار الإفريقي، والفرصة مواتية لترتيب البيت قبل عام 2025، تاريخ وضع التونسي وديع الجريء عهدته في اللجنة التنفيذية للكاف من منطقة شمال إفريقيا، للمنافسة.
وبناء على هذه المعطيات، لم يبق أمام المعنيين بالأمر إلا اختيار الرجل المناسب في المكان المناسب، لأن منصب رئيس الفاف يتعدى الجانب الرياضي، فهو سياسي أكثر منه أمرا آخر.. والجزائر التي أنجبت العربي بن مهيدي وزيغود يوسف وبن بولعيد وعلي لابوانت ووو، لا تزال “ولاّدة” ولا تزال قادرة على إيجاد رجل أنسب من روراوة لإعادة هيبة الكرة الجزائرية.