أمد/ نجحت الجهود الرامية إلى توحيد صفوف حركة “فتح” في استعادة عدد من القيادات والكفاءات إلى صفوفها، في خطوة تُعدّ جزءًا من مساعي “لمّ الشمل” الداخلي الفلسطيني. وتؤكد هذه العودة أن حركة “فتح” ما تزال تشكّل العمود الفقري للمشروع الوطني الفلسطيني، وتشغل موقعًا محوريًا داخل منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها.

تأتي هذه الخطوة في توقيت بالغ الحساسية، إذ لم تعد قضية وحدة الحركة شأنًا داخليًا فحسب، بل باتت عاملًا حاسمًا في إعادة إحياء منظمة التحرير الفلسطينية وتعزيز موقعها في المشهد السياسي الفلسطيني، لا سيما مع التوجه إلى مرحلة جديدة بعد توقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

التحضير للمؤتمر الثامن والانتخابات المقبلة

تعمل قيادة حركة “فتح” على التحضير لعقد المؤتمر الثامن، الذي تأخر انعقاده لعدة سنوات بسبب الظروف السياسية والأمنية، لا سيما بعد العدوان الإسرائيلي على غزة في أعقاب عملية السابع من أكتوبر 2023. ويُرتقب أن يكون هذا المؤتمر محطة تنظيمية أساسية لإعادة ترتيب البيت الفتحاوي وتوحيد الرؤى داخل الحركة.

ويتوقع أن يُشكّل انعقاد المؤتمر مقدمة للاستعداد للانتخابات الفلسطينية العامة، التي أعلن عنها الرئيس محمود عباس، وتشمل الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني الفلسطيني خلال عام من وقف العدوان. وتُعدّ هذه الخطوة ضرورية ضمن عملية إعادة هيكلة النظام السياسي الفلسطيني، وإعادة الثقة إلى الشارع من خلال أدوات ديمقراطية شفافة.

تجديد داخلي واحترام للشرعية

إنّ التوجه نحو الانتخابات ليس مجرد استحقاق سياسي، بل هو تأكيد على الالتزام بالمبادئ الديمقراطية داخل منظمة التحرير الفلسطينية، وعلى ضرورة تجديد الشرعيات عبر صناديق الاقتراع. ويتطلب ذلك أيضًا إجراء انتخابات داخل المنظمات الشعبية والنقابات — كاتحاد المعلمين والعمال وسواها — بما يضمن التداول الديمقراطي للسلطة ويعزز مشاركة القواعد الشعبية في رسم السياسات الوطنية.

فتح… عصيّة على الانكسار

رغم الاستهداف المتكرر لحركة “فتح” عبر العقود، فإنها أثبتت مرارًا قدرتها على النهوض والتجدد. هذه الحركة التي انطلقت من رحم الشعب الفلسطيني، وتأسست على تنوع فكري واسع، نجحت في الحفاظ على وحدتها حول هدف واحد: حماية الإرث الوطني وقيادة المشروع التحرري، ممثلًا في منظمة التحرير الفلسطينية.

ولذلك، ستظل “فتح” في مرمى التحديات، لكنها في المقابل تملك من التجربة والمكانة ما يؤهلها للاستمرار في قيادة النضال الوطني. إن عودة شخصيات قيادية بارزة، كالدكتور ناصر القدوة، تشكّل مؤشرًا مهمًا على وجود رغبة داخلية حقيقية في تجاوز الخلافات والانطلاق نحو مرحلة جديدة من العمل الوطني المشترك.

خاتمة

تُجسّد عودة الدكتور ناصر القدوة، ومعه قيادات وكوادر أخرى، محاولة جادة لإعادة ترتيب البيت الفتحاوي تمهيدًا لمؤتمر ثامن مفصلي وانتخابات فلسطينية عامة طال انتظارها. وبين التحديات الأمنية والانقسام السياسي، يبقى السؤال الجوهري: هل تنجح هذه الخطوات في إعادة الثقة إلى الشارع الفلسطيني وتحقيق تطلعاته المشروعة في الحرية والاستقلال والديمقراطية؟

الجواب مرهون بصدق النوايا، وجدية التنفيذ، وإرادة التجديد

شاركها.