اخر الاخبار

على هامش الجنون الأمريكي المتدحرج

أمد/ هل بإمكانالنظام العربيتكوين كتلة دولية تتعاطف مع فكرة”فرملة”الغلو الأمريكي..في عسكرة السياسة الدولية..؟!

 

كان جدّي عبدا.ذلك هو حزني.ولو كان سيّدا لكان ذلك عاري.. كلمات جوليادي بورحوس)

 

تتعاقب الهيمنات ولا تتشابه،والهيمنة التي اختارت إدارة بوش(الأب) توكيدها عن طريق حرب الخليج الثانية،ترتكز أساسا على نشر القدرات العسكرية،وذلك رغم أنّ الولايات المتحدة كما هو معروف لم تعد تحتلّ نفس موقعها الإقتصادي لما بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة تجاه منافسيها الرئيسين(اليابان وألمانيا على الخصوص)..

واليوم..

ها نحن اليوم نعيش في ظل إمبراطورية أمريكية متخمة برائحة البارود نراها دينصورية تحاول في عصر إنقراض الإمبراطوريات القديمة أن توحي لغير العاقلين أنّ الدينصور الأمريكي سيأكل العالم كله ولن يصاب بأذى،إلا أنّ هذا التوهّم الأمريكي للأمريكيين وحلفائهم لا يجوز أن ينطلي على أعدائهم وفي مقدمتهم العرب،وليس ليهناأن أدخل في تشريح البنية الدينصورية للإدارة الأمريكية الراهنة،فهي تحتاج إلى دراسات مختصة وخاصة،غير أنّ التقدّم الذي تدعي الولايات المتحدة احرازه في منح الشعوب من تقدمها سوف يرتدّ عليها عبر مقومات عالمية قوامها:البقاء أو الإنقراض ذلك أنّ التاريخ يثبت وعلى عكس أوهامنزلاء البيت الأبيضأنّ الهيمنة قصيرة الأمد،دوما وذلك على وجه التحديد لأنّها تولد اضطرابا دائما..

ما أريد أن أقول؟

أردت القول أنّ حرب الخليج لسنة 1991 قد برهنت على أنّ القانون الدولي والمشروعية الدولية لم تكن إلا أغلفة خارجية برّاقة للإرادة الأمريكية في ضرب العراق لإعتبارات تتعلّق بالهيمنة السياسية والإقتصادية لمصلحة أمريكا بالذات سواء فيما يخص الإستيلاء على منابع النفط العربي والتحكّم فيها،إنعاشا للإقتصاد الأمريكي وتحكّما في الوثبة الإقتصادية الجديدة في آسيا وأوروبا،وفيما يخص قطع الطريق على أيّة محاولة لتحقيق توازن عسكري في المنطقة مع إسرائيل..ومن هنا فقد عشنامنذ عقد من الزمنوتحديدا قبيل إحتلال العراق،سيناريو  مماثل لذلك الذي طبّق في أزمة الخليج وهو سعي أمريكي محموم لإستصدار قرارات من مجلس الأمن تضفي الطابع القانوني المزعوم على إرادة سياسية أمريكية وبريطانية تهدف لإبادة الشعب العراقي وتحويل بغداد إلى مداخن و مدافن وذلك بحجة إمتلاكالقيادة العراقية السابقةلأسلحة الدمار الشامل.

ماذا يعني هذا؟

هذا يعني أنّ أمريكا تتصرّف على أساس أنّ العصر الأمريكي قد بدأ (!) لذا فهي تتجاهل الأمم المتحدة وتقلّص دور مجلس الأمن ولا تتورّع عن إضعاف مركز الأمين العام،كما تستهين بالمجموعات الدولية،وتتحلّلدون خجل أو وجلمن اتفاقيات سبق الإلتزام بها،ولم تعد بالتالي تعطي أي إهتمام حتى بحلفائها وأصدقائها..وهذا التعالي لم يكن فقط في شؤون الشرق الأوسط،بل وفي أهم الشؤون العالمية..فقد أثارت أمريكا الروس بموقفها من جدار الصواريخ،وأغضبت حلفاءها في أوروبا واليابان وآسيا برفضها لإتفاقية كيوتو حول البيئة..وأذهلت العالم بموقفها في مؤتمر”دربانّ” وانسحابها وحيدة مع إسرائيل.

وإذن؟

لقد تبيّن إذن أنّ الكوابح التي لجمت السياسة الأمريكية عن غرائزيتها في حقبة الحرب الباردة إنهارت تماما لتطلق تلك الغرائزية من كل عقال ولترفع من معدّل الشعور الظفروي الأمريكي إلى حد جنوني،الأمر الذي جعل سياستها الخارجية تتسم بدرجة عالية من الإستهتار بالرأي العام العالمي،وبدول العالم كلها بما فيها دول صديقة لها أو حليفة ما عدا الكيان الصهيوني،بل من الإستهتار بالمنظومة الدولية نفسها حيث كانت تتعامل واشنطن معها بإنتقائية وبمعايير مزدوجة فتبالغ في دعوة العالم للإنصياع لقراراتها حينا،وتتجاهل وجودها تماما حينا آخر،تتحرّك طورا بإسم الأمم المتحدة وتارة بإسم الأطلسي.

واليوم..

هاهي الإمبراطورية الأمريكية تمضي قدما في غيّها..وهاهي كذلك الحكومات العربية تمضي في خنوعها وفي ذلها في تعاملها مع واشنطن..الأمر الذي يدلّ في مجموعه على أنّ الولايات المتحدة مصرة في المدى المنظور على خوض مغامرات أخرى يصعب التكهن بنتائجها لإعادة رسم خريطة المنطقة العربيةسياسيا وثقافيامن خلال الإعتماد على إسرائيل ودعم نظام حكم”ورقي”ببغداد يمثل مثالا لنمط العلاقات المستقبلية بين الولايات المتحدة والدول العربية ونموذجا لإمكانية وشكل التغيير المطلوب أمريكيا في المجتمعات العربية الأخرى،وأسلوبا للتلويح بفرضه إذا إستلزم الأمر علاوة عن المكاسب الإستراتيجية والإقتصادية التي أسالت لعاب أمريكا وجعلتهاتعتقدأنّها قادرة على جني ثمارها من خلال تواجد قواتها على الأراضي العراقية وعبر إعادة تشكيل المنظومة الأمنية في المنطقة وفقا للمصالح الأمريكية،والسيطرة على بترول العراق ثم قيام شركاتها بالدور الرئيسي في عملية إعماره بعد الخراب الذي لحق به..

والسؤال..

لماذا لم يكن لجامعة الدول العربية دور فعّال في حماية الأمن القومي العربي الذي يعتبر المس به أحد الأهداف التي وُجد من أجلهاالنظام العالمي الجديد..؟ولماذا لم تلجأ إلى تطبيق معاهدة الدفاع العربي المشترك لمواجهة التهديدات و الإعتداءات المتكرّرة على أمن عدة أقطار عربية؟..ثم أين دور حركة عدم الإنحياز ومجموعة الدول الأفروأسيوية وتكتلات دول الجنوب إزاء هذه الإعتداءات وإزاء نظام دولي لا حظ لها فيه..؟

من خلال ماسبق يبدو أنّ الدول العربية غير قادرة بأدواتها الذاتية على تحقيق الأمن والإستقرار في الأقاليم التي تنتمي إليها،يضاف إلى ذلك أنماط العجز عن تفعيل الغضب العربي،السائد على المستويين الرسمي والشعبي الأمر الذي يفضي بنا إلى نتائج محبطة في المدى المنظور..

إلا أنّناوبقليل من التفاؤللا سيما في ظل “بعض الإشراقات” الخلابة للمشهد العربي،تظلّ لدينا طاقة مفتوحة على الأقل في الأفق،ذلك أنّ العرب ليسوا وحدهم الغاضبين من السلوك الأمريكي الإستعلائي حيال قضاياهم،ثمة آخرون يشاركونهم الغضب والإمتعاض،بما في ذلك بعض من أقرب حلفاء الولايات المتحدة التقليديين(بعض الأوروبيين مثلا).ومن هنا فالنظام العربيمطالببتكوين كتلة دولية تتعاطف مع فكرة”فرملة”الغلو الأمريكي في عسكرة السياسة الدولية عموما وإعادة الهيبة للقانون الدولي وشرعية حقوق الإنسان والشعوب كي يسهم في خدمة قضايانا وفي طليعتها قضية فلسطين،وذلك ضمن إسهامه مع القوى الدولية الأخرى في عقلنة العلاقات الدولية وبث السكينة في تضاعيفها..

وإلى أن يتحقّق ذلكها أنا كاتب هذه السطورغارق في عجزي حينا ومتفائل أحيانا لا سيما في ظل ما تشهده بعض الأقطار العربية من تطوّر على صعيد الحرية والديموقراطية..إذ يحدوني أمل في أن تتخلّص الدول العربية من هيمنة دوائر الإستكبار العالمي..إذا رسمت الجماهير العربية درب الحرية بمداد الرّوح..ودم العروبة..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *