عاقبة الظلم
من أصول الدين الإسلامي محاربة الظلم بشتى صوره ومختلف أشكاله، وإن المتتبِع لأحوال الناس مع ظهور حب الدنيا وتمكنها في النفوس يجد ممارسات تحمل الظلم لآخرين في نفوسهم وأعراضهم وأموالهم، وإن أعظم ما يحمي الإنسان من الظلم ويدرأُ عنه شرور الوقوع فيه: تذكّر عاقبته الوخيمة في الدنيا، ومآله الشنيع في الآخرة.
لقد حذر الله تعالى من الظلم في كتابه العزيز، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم؛ والله تعالى حرّم الظلم على نفسه؛ قال سبحانه: {وما أنا بظلام للعبيد}، وقال جل شأنه: {إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون}، وعن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى عن الله تبارك وتعالى أَنه قال: “يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما؛ فلا تظالموا”؛ وكان نبينا صلى الله عليه وسلم يتعوّذ من الظلم: فعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: ما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من بيتي قط إلا رفع طرفه إلى السماء، فقال: “اللهم أعوذ بك أن أَضِل أو أُضَل، أو أَزل أو أُزل، أو أَظلم أو أُظلم، أو أَجهل أو يُجهل علي”. وإن اجتناب ظلم الناس وصية نبينا؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: “المسلم أخو المسلم؛ لا يظلمه ولا يسلمه”، وقال صلى الله عليه وسلم: “اتقوا الظلم؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة”.
إن الظلم خزي وعار، وسبيل إلى الهلاك والدمار، وسبب في خراب القرى والديار، موجب للنقم، ومزيل للنعم، ومهلك للأسر والشعوب والأمم، فمما يجب أن نعلم أن التسلط على الخلق وظلمهم مسلك يؤدي بصاحبه إلى أشنعِ حال وأسوأ مآل، سنة لا تتبدل ولا تتحول، وإن مصارع الظلمة في القديم والحديث لأصدق برهان، وأعظم بيان لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
فلقد أخبرنا الله عن هلاك الأمم الظالمة: فقال تعالى: {ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا كذلك نجزي القوم المجرمين}.
إن دعوة المظلوم سهام لا تخطئ، وسلاح على الظالم لا يُبقي وإن طال الدهر، قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبلٍ رضي الله عنه حين بعثه إلى اليمن: “واتقِ دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب”.
والظلم خطير على الأملاك والعمران، فهو كما يقول ابن خلدون “مؤذن بخراب العمران”، لأنه يضر بالمقاصد الخمسة التي أمر الشرع بضرورة المحافظة عليها وهي: الدين؛ النفس؛ العقل؛ النسل؛ المال. وما هذه المقاصد إلا مقومات الحياة الإنسانية في كل زمان ومكان، فهدمها بالظلم يعني خراب المجتمعات ودمار عمرانها.
ومن الواجبات الشرعية نصرة المظلوم والوقوف معه وتأييده ودعمه، فالله تعالى يقول: {وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر}، فالمؤمن الحق والرجل الحق يقف مع الحق ويدور معه؛ لأن نفسه أبية، ومعدنه أصيل، ومبدأه نقي، وهذا ما أوجبه الله عليه وأملاه عليه ضميره وما دله عقله.
ولقد شارك الرسول صلى الله عليه وسلم في حـلف الفضـول، حيث اجتمعت قريش في دار عبد الله بن جدعان، لشرفه وسنه، فتحالفوا واتفقوا على نصرة المظلوم ورد المظالم إلى أهلها، وسمي ذلك الحلف: “حلف الفضول”، وكان سبب عقد حلف الفضول أن رجلا قدم مكة ببضاعة فاشتراها منه العاص بن وائل فحبس عنه حقه، فـاستعدى عليه الغريب أهل الفضل في مكة، فخذله فريق، ونصره الآخر، فكان الحلف، ثم مشوا إلى العاص بن وائل فانتزعوا منه مال الغريب، فدفعوه إليه. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحلف: “لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو ادعى به في الإسلام لأجبت”.
وما أحوجنا في واقعنا المعاصر إلى مثل هذه الأحلاف! وبهذا الأسلوب الراقي والحضـاري لمواجهـة الظلم الذي شاع بصـوره وأشكاله المختلفة في جوانب حياتنا كلها، وذلك من أجل نصرة المظلوم وردع الظالم ورد الحقوق إلى أهلها. وإن نصرة فلسطين والفلسطينيين المظلومين والمستضعفين واجب أخلاقي وإنساني وشرعي، توجبه علينا الظروف القاسية التي يمر بها إخواننا، من قصف متواصل؛ وتقتيل وتشريد العزل، وهدم بيوتهم وسلب أرضهم ومحاولة تهجيرهم.
ولقد حان الوقت من أجل العمل على رفع الظلم التاريخي الواقع على تطلعات الشعب الفلسطيني من أجل حصوله على دولة حرة مستقلة، وكي يعيش مثل بقية شعوب العالم.