صلاة الجمعة وأثرها في حياة المسلمين
يعد يوم الجمعة من الأيّام المباركة عند المسلمين، فيوم الجمعة هو اليوم الذي خلق الله فيه آدم وهو اليوم الذي أدخل فيه الجنة وأخرج منها، وهو اليوم الذي تقوم فيه يوم القيامة، وصلاة الجمعة أحد أهم الصلوات عند المسلمين حيث يجتمع المسلمون للصلاة في المسجد الجامع والاستماع إلى خطبة الجمعة، وإن أهمية صلاة الجمعة لا تقتصر عن كونها صلاة واجبة على كل مسلم بالغٍ عاقل؛ بل تتعداها إلى أمورٍ كثيرة.
صلاة الجمعة فرض عينٍ على كل مسلم، قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع}، على الرغم من كون صلاة الجمعة فريضة تعبدية؛ إلا أن لها في الإسلام حكمة وغاية شأنها في ذلك شأن سائر الفروض التعبدية الأخرى؛ ولعل أولى حكم صلاة الجمعة الألفة والمحبة واجتماع المسلمين، إضافة إلى التذكير بحقوق الله والالتزام بأوامره ونواهيه.
وأهمية صلاة الجمعة تكمن في اشتمالها على خطبة الجمعة حيث توجيه المسلمين ونصيحتهم وتذكيرهم بالرجوع إلى طريق الله المستقيم دائما، ولا شك بأن للخطبة المعدة إعدادا صحيحا أثرا كبيرا في النفوس.
ولقد ورد في الحديث الشريف الحث على الإنصات حال الخطبة، والنهي عن العبث، والكلام، والخوض في الدنيا، والحركة ولو قليلة، حتى نهى عن مس الحصا وعن أمر غيرِه بالإنصات، وذلك ليحصل من الجميع حسن الاستماع، وتمام الاستفادة، فكانت هذه الخطبة من أبلغ ما يؤثر في سلوك المسلم.
ولا شك أن العاقل المؤمن المصدق بالله ربا ومعبودا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا نبيا، متى سمع تلك الإرشادات والتعليمات والنصائح الصادقة فإنه يعتقدها، ويصدق بمضمونها، وتؤثر في سلوكه وسيرته، ويكون لها الأثر البليغ في أعماله، فيتوب من المعاصي إذا دعي إلى التوبة النصوح، ويواظب على الطاعات متى سمع فضلها وحسن عاقبتها، ويكثر من النوافل التي تقربه إلى رضى ربه وثوابه، حيث رغبه الخطيب في المواظبة عليها، ويتأثر قلبه ويتجدد إيمانه ويقوى يقينه، وترسخ العقيدة في قلبه، فينصرف عن تلك الصلاة وقد رق قلبه وذرفت عينه، وخشع لربه واستكان، وندم على ما فرط فيه في ما مضى من حياته، ونذر نفسه لطاعة ربه، واستبدل بمجالس الشر غيرها، وهجر الخلطاء والزملاء الذين يصدونه عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة، ويستبدلهم بجلساء صالحين مصلحين يذكرونه إذا نسي ويعينونه إذا ذكر ويقوون عزيمته، ويعمرون مجالسهم بالعلم النافع والعمل الصالح والذكر والتفكير في آيات الله تعالى ومخلوقاته.
ولخطيب الجمعة دور كبير وأثر بالغ في بيئته ومجتمعه وسامعيه وقومه؛ فهو قرين المربي والمعلم، ورجلِ الحسبة والموجه، وبقدرِ إحسانه وإخلاصه يتبوأ في قلوب الناس مكانا، ويضع الله له قبولا قل أن يزاحمه فيه أصحاب وجاهات، ولا يدانيه فيه ذوو مقامات، ومرد ذلك إلى الإخلاص أولا، وتوفيق الله سبحانه وتعالى أيضا، ثم إلى حسن الإجادة وجودة الإفادة، والقدرة على التأثير المكسو بلباس التقوى والمدثَر بدثار الإخلاص والورع.
ولا شك أن مهمة الخطيب في هذا مهمة شاقة، مشقة تحتم عليه أن يستعد الاستعداد الكافي في صواب الفكر وحسن التعبير وطلاقة اللسان وجودة الإلقاء.
ولخطبة الجمعة مقاصد عظيمة وحكم جليلة، فهي وسيلة إعلامية مهمة يتداول فيها الخطباء الأخبار التي تهم المسلمين في حياتهم اليومية، وهي أداة تواصل بينهم لتحقيق التكافل والتضامن الاجتماعي، كما أنها وسيلة مهمة للتغيير الإيجابي؛ إذ يستطيع الخطيب من خلالها أن ينشر القيم الإيجابية والأخلاق الفاضلة، وتوجيه المسلمين نحو مكارم الأخلاق ومعالي الأمور، ويستطيع بها ومن خلالها أن يكافح العادات والأخلاق الذميمة، امتثالا لقوله تعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون}.
وتستطيع خطبة الجمعة إذا أعدت بشكل جيد وقدمت بأسلوب حكيم أن تغير الواقع وأن تنهض به نحو الرقي والتحضر، وأن تسهم في حل مشكلات المجتمع ووقايته من الاختراق وحمايته من الرذيلة والتخلف.
أما منهج خطبة الجمعة فقد راعى الشرع فيه حالة المكلف، ولا شك أن الغرض الأساس منها هو التذكير والوعظ والتنبيه؛ قال تعالى: {إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون}.
ومن هذا شرع الإسلام في الخطبة عدم التطويل؛ حتى يعقل السامع كلام خطيبه، وتعظم هيبة الدين في النفوس، وتجمع همة الحاضرين لأداء الصلاة بروح خاشعة وألباب واعية وقلوب داعية. عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه، فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة”.
الخطبة تقوم على الإيجاز وعلى الفكرة السريعة الخطابية، والإقناع ببراهين الوحي من الكتاب والسنة، وهي أشد تأثيرا وحكمة وحكما من براهين المنطق المجرد.
على الخطيب أن يعلم أن الخطبة أمانة، والكلمة أمانة، وصعود المنبر أمانة، ووقت المصلين أمانة، فعليه أن يستشعر عظم هذه الأمانة والمسؤولية.