أمد/ في زمن الثورة ممنوع عليك السعادة.
ممنوع عليك الحب، ممنوع عليك التنعم، والتختم، والحرير.
في زمن الثورة ممنوع عليك الحب سوى حب الأوطان والقادة، والتغني بالثورة والبطولة وللشهداء. وما عدا ذلك يُدعى وقاحة.
الزواج ضريبة اجتماعية يجب دفعها، لا يحق لك الرفض أو التأجيل، وإذا فعلت تدفع غرامة وتتزوج بعانس أو مطلقة أو أرملة. وإذا هي فعلت، فلن تتزوج إلا بأرمل أو على ضِرَّة أو لتكون ممرضة لشيخ لا يستطيع أن يكح.
الزواج يحضره الجميع، يصفقون ويبتهجون ويدبكون، والحب يكون في السر كمن ينتمي إلى حزب محظور، وعقوبته الرجم أو السجن أو القتل.
الأساس هو الحب، وهو من الثوابت في الحياة التي لا تستقيم أودها إلا بالحب. فيرجم المحبون ويتهم الحب بالفجور والخيانة وعدم الأخلاق، رغم أن من بين السبعة الذين يظلهم الله تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله، إخوة تحابوا في الله وافترقوا عليه.
في الزواج يذبحون الخراف ويقيمون الولائم، وفي الحب يذبحون المحبين.
معظم حالات الزواج تنتهي بالأبناء وبالطلاق العاطفي، وأزواج لا يتبادلون حتى التحية الصباحية.
وحالات الحب تتحول إلى قصص وروايات تبكي لها العذارى، وتتحول إلى أفلام ومسلسلات يحضرها الملايين ويصفق الحاضرون لبطليها وقوفًا، رغم أنهم في الواقع رُجموا حتى الموت.
لم تتكلل قصة حب واحدة إلا بالموت: لا قيس وليلى، ولا كليلة ودمنة، ولا كليوبترا.
الحب سياسة.
بعد الحرب العالمية الثانية هدأت أصوات المدافع بعد موت أكثر من 70 مليون شخص، لا لشيء إلا ليعيد أحدهم رسم خارطة العالم كما يريد نتنياهو اليوم: إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط.
انتصر من انتصر وخسر من خسر، واستقلت دول كانت قد أخذت وعدًا بالاستقلال أو عبر ثورات وتضحيات وشهداء ودموع.
مثال الجزائر قدمت مليون شهيد، إلى أن جاء ديغول واعترف بسلام الشجعان ونالت الجزائر الاستقلال، ورحلت عن فرنسا.
ثم جاءت ثورة القائد بورقيبة، وقُسمت سوريا ولبنان، وتعددت الانقلابات، إلى أن سيطر الأسد على الغابة وحكمها إلى الأبد أو إلى من جاء ليمزق سايكس بيكو ويعيد خربطتها.
وهل يترك الاستعمار الناس يفرحون بالحرية ويقطفون ثمار الثورات؟ فجاء بهم بالزعماء، فتحول التحرير من الاستعمار إلى ديكتاتورية الزعيم.
كل العالم المتحرر حديثًا جاء بالزعماء: عبد الناصر، القوتلي، بورقيبة، بن بيلا، غاندي، سوكارنو، نهرو، القذافي، صدام حسين، الأسد، والصحب الكرام آل خليفة، آل ثاني، آل ثالث، آل سعود، آل صباح، حتى وصلنا إلى قاع البكسه: محمود عباس الزعلطي.
ما ظل أحد، خلصت البضاعة والأسماء.
ودخلنا في مرحلة تبديل السلام: الجولاني إلى الشرع، انتزعنا المناطق والأقاليم، وبدأنا العودة إلى الفروع بلا جذور ولا أصول… أولاد الزنا بلا عقد شرعي ولا كتب كتاب.
يأتون بهم ويقولون: صفقوا للزعيم.
انتهى عهد الزواج الشرعي، ودخلنا عصر المساكنة بلا حب، بلا عقود، بلا شهود.
صفقوا للتغيير… لأولاد القحبة.