أمد/ رام الله : قال مركز إعلام حقوق الإنسان والديمقراطية “شمس” بمناسبة اليوم الدولي للقضاء على الفقر، إن معاناة الشعب الفلسطيني مع الفقر ليست نتاج ظروف اقتصادية محلية أو سوء إدارة للموارد، بل هي نتيجة مباشرة وممنهجة لسياسات الاحتلال الإسرائيلي الاستعمارية التي تهدف إلى إفقار الفلسطينيين وإخضاعهم، وحرمانهم من أبسط مقومات الحياة الكريمة. ويُعد الاحتلال الإسرائيلي المسؤول الأول عن اتساع رقعة الفقر في الأراضي الفلسطينية، بفعل ممارساته القائمة على السيطرة على الأرض والموارد الطبيعية، وتقويض الاقتصاد الوطني، وتدمير البنية الإنتاجية، وحرمان الفلسطينيين من حقهم في التنمية المستدامة والعيش الكريم. فالاحتلال لا يكتفي بمصادرة الأراضي وتجريفها، بل يفرض منظومة متكاملة من القيود العسكرية والإدارية التي تخنق الاقتصاد الفلسطيني وتعمّق التبعية والحرمان، في انتهاك صارخ للحق في التنمية المنصوص عليه في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولأحكام القانون الدولي الإنساني التي تحمّل قوة الاحتلال مسؤولية ضمان رفاه السكان الواقعين تحت سيطرتها. جاء ذلك عبر بيان صحفي أصدره المركز بمناسبة اليوم العالمي للقضاء على الفقر الذي يصادف يوم 17 تشرين الأول من كل عام والذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة من خلال القرار 47/196 المؤرخ 22 كانون الثاني 1992.
كما أدان مركز “شمس” السياسات الإسرائيلية الهادفة إلى تكريس الفقر عبر مصادرة الأراضي الزراعية في الضفة الغربية، لا سيما في المناطق المصنفة (ج) التي تشكل أكثر من 62% من مساحة الضفة الغربية المحتلة، وتُعد أغنى المناطق الفلسطينية بالموارد الطبيعية. ففي هذه المناطق يواصل الاحتلال حرمان الفلسطينيين من حقهم في البناء أو استثمار أراضيهم أو الوصول إلى مصادر المياه والثروات الطبيعية، في حين يفتحها على مصراعيها أمام المستوطنات التي تتوسع بشكل غير قانوني على حساب أراضي الفلسطينيين. هذا إلى تجريف مساحات واسعة من الأراضي الزراعية وتخريب المحاصيل ومنع المزارعين من الوصول إلى حقولهم خلف جدار الفصل العنصري أو قرب المستوطنات، مما يحرم آلاف الأسر من مصدر رزقها الوحيد ويعمّق فجوة الفقر الريفي. ويؤكد المركز أن هذه الممارسات ليست حوادث متفرقة، بل هي سياسة رسمية تستهدف تدمير الاقتصاد الزراعي الفلسطيني وتجريد السكان من أدوات البقاء والصمود، في مخالفة صريحة للقانون الدولي الإنساني ، الذي يلزم قوة الاحتلال بإدارة موارد الأراضي المحتلة بما يخدم مصلحة السكان المحليين لا استغلالها لصالحها.
وأكد مركز “شمس” أن سياسات الإغلاق والحصار، سواء المفروضة على قطاع غزة منذ أكثر من سبعة عشر عاماً هذا إلى جانب العدوان عليه على مدار عامين أو تلك المطبقة في الضفة الغربية عبر الحواجز العسكرية وجدار الفصل العنصري، تمثل شكلاً من أشكال العقاب الجماعي الممنوع بموجب المادة (33) من اتفاقية جنيف الرابعة، وتؤدي إلى إفقار المجتمع الفلسطيني بأسره. ففي قطاع غزة تجاوزت معدلات الفقر حاجز الـ80%، فيما بلغت معدلات البطالة بين الشباب مستويات غير مسبوقة نتيجة تدمير البنية الصناعية والإنتاجية بفعل الحصار والعدوان المتكرر. أما في الضفة الغربية، فتؤدي القيود المفروضة على حركة العمال إلى حرمان عشرات الآلاف من فرص العمل، إذ يمنع الاحتلال العديد منهم من الوصول إلى أماكن عملهم في الداخل أو في المستوطنات، ويُخضع من يُسمح لهم للعمل لنظام استغلالي قاسٍ يخالف أبسط معايير العمل اللائق المنصوص عليها في اتفاقيات منظمة العمل الدولية.
وشدد مركز “شمس” على أن سياسات الاحتلال الاقتصادية التي تكرّس التبعية والتحكم في الموارد المالية الفلسطينية من خلال بروتوكول باريس الاقتصادي، الذي منح الاحتلال السيطرة على المعابر والضرائب والجمارك، ما يتيح له التحكم في حركة البضائع والتجارة الخارجية الفلسطينية، ويمنع أي إمكانية لبناء اقتصاد مستقل. فحرمان المنتجين الفلسطينيين من تصدير منتجاتهم بحرية، لا سيما الزراعية منها، وتقييد استيراد المواد الخام، أدّى إلى شلّ قطاعات اقتصادية بأكملها وإغلاق العديد من المصانع والمنشآت الصغيرة، وهو ما انعكس مباشرة على ارتفاع معدلات البطالة والفقر والفاقة في المجتمع الفلسطيني. إن هذا الواقع يكرس ما يمكن وصفه بـ”الاستعمار الاقتصادي” الذي يحوّل الفلسطينيين إلى قوة عاملة رخيصة في خدمة الاقتصاد الإسرائيلي، ويحرمهم من حقهم في التنمية المستقلة والكرامة الإنسانية.
وأكد مركز “شمس” أن تفشي الفقر والبطالة في المجتمع الفلسطيني ليس قدراً اقتصادياً، بل هو نتيجة مباشرة لسياسات الاحتلال التي تنتهك كل المواثيق والعهود الدولية ذات الصلة، بما في ذلك المادة (1) من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تنص على حق الشعوب في تقرير مصيرها وفي التصرف الحر بثرواتها ومواردها الطبيعية. ويشدد المركز على أن الاحتلال الإسرائيلي، باعتباره سلطة احتلال، ملزم قانوناً وفق اتفاقية لاهاي الرابعة لعام 1907 واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 بضمان الحياة الاقتصادية الطبيعية للسكان المدنيين في الأراضي المحتلة وعدم استغلال مواردهم أو تدميرها.
وأكد مركز “شمس” أن الفقر في الحالة الفلسطينية هو نتيجة مباشرة للاحتلال لا لضعف القدرات الذاتية، وأن إنهاء الاحتلال بكل أشكاله هو المدخل الحقيقي لإنهاء الفقر وبناء اقتصاد فلسطيني مستقل قائم على العدالة والمساواة. وشدد المركز على ضرورة توحيد الجهود الوطنية في مقاومة سياسات الإفقار، وتعزيز الصمود المجتمعي من خلال دعم المشاريع التنموية الصغيرة والزراعة العائلية، وتمكين النساء والشباب في المناطق المهمشة، وتفعيل منظومة الحماية الاجتماعية بما يضمن الكرامة والعيش الكريم لكل مواطن. أن مواجهة الفقر في فلسطين لا يمكن أن تنجح بمعزل عن إنهاء الاحتلال، فالقضاء على الفقر ليس مجرد هدف إنساني، بل هو قضية عدالة وحقوق إنسان. وأن تمكين الفلسطينيين من حقهم في تقرير المصير والسيطرة على مواردهم الطبيعية هو الشرط الأساسي لتحقيق التنمية المستدامة.
وقال مركز “شمس” أن دعم الأسر الفلسطينية الفقيرة من قبل الحكومة يسهم في تحقيق عديد أهداف التنمية المستدامة (الهدف 1، والهدف 2، والهدف 3، والهدف 4، والهدف 5، والهدف 8، والهدف 10، والهدف 16) من خلال سياسات متماسكة تُنفذ بصورة متضافرة عبر الحماية الاجتماعية والتعليم والصحة والإسكان والعمل من خلال تبني سياسات متكاملة تعزز الحماية الاجتماعية وتكفل التعليم والصحة والسكن اللائق وفرص العمل الكريم. فالأسر الفلسطينية تواجه تحديات معقدة ناجمة عن الاحتلال الإسرائيلي، الذي يقوض مقومات الحياة ويعمق الفقر ويحد من الوصول إلى الخدمات الأساسية. ومن هنا، فإن الاستثمار في الأسر الفلسطينية يمثل استثماراً في الصمود الوطني وفي التنمية العادلة والمستدامة. ومع اقتراب انعقاد القمة العالمية الثانية للتنمية الاجتماعية في الدوحة (46 تشرين الثاني 2025)، تبرز الحاجة إلى تحويل الالتزامات الدولية إلى إجراءات ملموسة قابلة للقياس، تترجم باحترام الأسر الفلسطينية وحمايتها ودعمها كركيزة لبناء مجتمع متماسك تسوده العدالة والمساواة والكرامة الإنسانية.
كما طالب مركز “شمس” المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته القانونية والأخلاقية تجاه الشعب الفلسطيني، ومساءلة إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، عن سياساتها الممنهجة التي تحرم الفلسطينيين من حقهم في الحياة الكريمة والتنمية، وتتنافى مع روح ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وأهداف التنمية المستدامة، ولا سيما الهدف الأول المتعلق بالقضاء على الفقر.كما وطالب الأمم المتحدة والهيئات الدولية والحقوقية بإدراج جرائم الإفقار القسري التي يرتكبها الاحتلال ضمن تقاريرها الرسمية ، بما فيها المقررين الخاصين المعنيين بحق التنمية والحق في الغذاء والفقر المدقع وحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة. كما وطالب الحكومات والبرلمانات والمؤسسات الحقوقية حول العالم دعم حق الفلسطينيين في التنمية والسيادة على أرضهم ومواردهم.
وختم مركز “شمس” بيانه بالتأكيد على أن اليوم الدولي لمكافحة الفقر يجب أن يكون مناسبة لتسليط الضوء على الفقر المفروض قسراً على الفلسطينيين، لا بوصفه تحدياً اقتصادياً فحسب، بل كجريمة ممنهجة تنتهك القانون الدولي الإنساني وقواعد العدالة الاجتماعية. ويؤكد أن محاربة الفقر في فلسطين لا يمكن أن تتحقق إلا بإنهاء الاحتلال، وإزالة منظومته الاستعمارية، وضمان العدالة الاجتماعية، وتكافؤ الفرص، واحترام كرامة الإنسان الفلسطيني الذي حُرم لعقود من حقه في الحياة والحرية والتنمية. إن إنهاء الفقر في فلسطين يعني أولاً إنهاء الاحتلال الذي يصنعه.