اخر الاخبار

شبح “حرب بيافرا” يخيّم فوق سماء النيجر

استقطبت الأزمة السياسية التي تعرفها جمهورية النيجر، بسبب الانقلاب العسكري، اهتماما دوليا كبيرا، وتباينت بخصوصها المواقف حول طرق حلها بين الداعمين للحل العسكري لإنهاء الانقلاب ومواقف أخرى تطالب بعودة الشرعية الدستورية  بعيدا عن عسكرة الحل، الذي يبقى ينطوي على الكثير من المخاطر الأمنية على النيجر والمنطقة، وحتى على وحدة الدولة والمجتمع بالنظر إلى التكوين القبلي للمجتمع النيجري وامتداد هذه القبائل إلى الدول المجاورة.

وبسبب هذه الإشكاليات والتحديات التي يفرضها الحل العسكري للأزمة في النيجر، تعاظمت التحذيرات من ورقة الحل العسكري التي تسعى لتنفيذها دول بمجموعة “إيكواس”  بدعم فرنسا التي تريد بكل الوسائل أن تبقي على نفوذها في النيجر، بإعادة الرئيس المعتقل محمد بازوم إلى الحكم.

ومن بين التحديات التي يفرضها  الحل العسكري، أنه يفتح الباب أمام نزاع قبلي لا تعرف مآلاته، وسيزيد من تعقيد الوضع في المنطقة المعقّد أصلا.

ويتمتع الإنقلابيون بدعم متزايد كون التهديدات بتدخل عسكري، كان له مفعول عكسي في أوساط  شريحة واسعة من الشعب في النيجر. ومعلوم أن النيجر يتكوّن من قبائل متعدد تكوّن النسيج الديمغرافي في هذا البلد، وعلى رأسها قبيلة “الهوسا” التي تشكّل حوالي 50 بالمائة من السكان والذين يمثلون غالبية سكان شمال نيجيريا الحدودية مع النيجر، والذين عبّروا بدورهم عن رفضهم للتدخل العسكري ضد جارتهم الشمالية.

وعليه، فإن من أكبر المخاطر التي تواجه المنطقة هو تفجّر نزاع قبلي لن يقتصر فقط على النيجر، بل سيمتد لدول الجوار وعلى رأسها نيجيريا التي عانت في السابق من مخاطر الحروب الأهلية بخلفية قبلية، على غرار ما جرى في حرب بيافرا ما بين جويلية 1967 حتى 13 يناير 1970 سعت للانفصال عن نيجيريا الاتحادية.

مثّلت بيافرا التطلعات القومية لمجموعة الإيغبو الإثنية ونشأ الصراع نتيجة التوترات الاقتصادية والإثنية والثقافية والدينية التي سبقت إنهاء الاستعمار الرسمي لنيجيريا في بريطانيا خلال الفترة منذ عام 1960 حتى 1963.

أما الأسباب المباشرة للحرب في عام 1966، فقد شملت العنف الإثني الديني وحدوث انقلاب عسكري وانقلاب مضاد، وقد لعبت السيطرة على إنتاج النفط المربح في دلتا النيجر دورًا استراتيجيًا حيويًا.

في منتصف عام 1968 أغرقت صور أطفال بيافرا الجياع والمصابين بسوء التغذية وسائل الإعلام في البلدان الغربية. وأصبحت محنة جياع بيافرا قضية رأي عام في الدول الأجنبية، الأمر الذي حقق ارتفاعًا ملحوظًا بتمويل المنظمات غير الحكومية الدولية وبروزها بشكل كبير. كانت المملكة المتحدة والاتحاد السوفيتي الداعمين الرئيسيين للحكومة النيجيرية، بينما دعمت فرنسا إلى جانب دول إفريقية من المستعمرات السابقة لفرنسا وإسرائيل بيافرا.

وقدمت فرنسا أسلحة ومقاتلين مرتزقة ومساعدات أخرى إلى بيافرا وروّجت لقضيتها دوليًا، واصفة الوضع بأنه إبادة جماعية. أشار الرئيس شارل ديغول إلى “قضية بيافرا العادلة والنبيلة”. ومع ذلك، لم تعترف فرنسا ببيافرا دبلوماسيًا.

وزوّدت فرنسا بيافرا بالأسلحة الألمانية والإيطالية التي استولت عليها من الحرب العالمية الثانية دون أرقام تسلسلية، وسلّمتها بشحنات منتظمة إلى كوت ديفوار. باعت فرنسا أيضًا مركبات بانهارد المدرّعة إلى الحكومة الفيدرالية النيجيرية.

اقتصاديًا، حصلت فرنسا على حوافز من خلال عقود التنقيب عن النفط للشركة الفرنسية العامة المحدودة لأبحاث البترول واستغلاله “سافراب”، التي رتّبتها على ما يبدو مع شرق نيجيريا قبل انفصالها عن الاتحاد النيجيري. طالبت الشركة بـ 7 بالمائة من إمدادات النفط النيجيرية في تقييم لمحلل وكالة المخابرات المركزية في عام 1970 “في الواقع، قدّمت فرنسا الدعم إلى حفنة من برجوازية بيافرا مقابل النفط”.

هذا السرد  لحرب بيافرا، يمكن أن نستقرئ منه الأخطار التي يمكن أن تتسبب فيها عملية عسكرية في النيجر والارتدادات التي يمكن أن تطال المنطقة، والتي ستنعكس بشكل مباشر على أمن واستقرار وحتى وحدة دول بالمنطقة، والهدف في المحصّلة ليس إعادة الشرعية إلى النيجر بقدر ما هو محاولة مستميتة لحماية المصالح وتثبيت نفوذ فرنسا في المنطقة حتى ولو على حساب الأمن والاستقرار في الساحل.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *