سلوكات الدولة تعيدنا إلى ما قبل 2011… وكوفيد استخدم كآلية هيمنة اليوم 24
قال أحمد عصيد، الكاتب والفاعل الحقوقي، إن الدولة استثمرت الخوف للهيمنة بعد جائحة كورونا.
وقال عصيد خلال مشاركته في ندوة لمؤسسة الفقيه التطواني، إن المغرب كان سنة 2020 أمام خيارين، إما أن يتسبب الوباء في خلق دولة حاضنة للمجتمع ونوعا من التعاون والتعاضد بين الدولة والمجتمع لنذهب بعيدا، وإما أن نصل إلى الهيمنة عن طريق الخوف.
وأضاف “كان السيناريو الثاني هو ما تحقق، حيث أن الدولة في المغرب وغيره اعتمدت آلية الهيمنة عن طريق التخويف، حيث خوفت المجتمع من الوباء لتقدم نفسها كمنقذ، ثم بعد ذلك اكتشف الناس أن هذه العملية امتدت لتجعل من الدولة أخطبوطا هيمن على فضاءات كان يؤثر فيها آخرون”.
كما يرى عصيد، أن المشهد السياسي في المغرب مطبوع بتكريس التوازنات السياسية لصالح الاستمرارية لكل السلوكات السابقة، مضيفا “أنجزنا دستورا جديدا لكننا فوجئنا في 20132014 بعودة نفس السلوكات التي كانت قبل 2011 بغض النظر عن النص الدستوري الجديد… فالتوازنات التي تقيمها السلطة كلها لصالح الاستمرارية وليس لصالح القطائع أو المراجعات، حيث لا خروج عن الخطوط المرسومة، ولا مرجعيات مغايرة أو مراجعات، تتعارض مع نهج الدولة”.
كل هذه المؤشرات، بحسب المتحدث، “تقع في ظل ديمقراطية شكلية بشعارات ومفاهيم كبيرة وشكلية، وبدون مردودية ديمقراطية ينبغي أن تظهر في حياة المواطنين”.
من جهة أخرى، قال عصيد إن الحياة السياسية في المغرب تعاني فتورا وركودا، مسجلا وجود استمرار فيما أسماه “آلية التغيير من فوق” المناقضة لما تتطلبه الحياة السياسية في وضعها الطبيعي.
وأبرز المتحدث ذاته، أن الحياة السياسية الطبيعية تقتضي وجود دينامية اجتماعية وأحزاب ومجتمع مدني على أن تصعد هذه الدينامية “إلى فوق” وتحدث حركية سياسية عامة في الدولة، لكن في المغرب الأمر معكوس، حيث أن المشهد مطبوع بنوع من الانتظارية التي تنتظر ما سينزل من أعلى إلى أسفل.
واعتبر عصيد أن ذلك يضعف الدولة، لأن الدولة القوية هي التي تستمد قوتها من أسفل إلى أعلى وليس العكس، ومن مصداقيتها لدى الفاعلين المختلفين ومن علاقاتها المتوازنة مع كل الفرقاء الآخرين، حسب وصفه.
كما سجل عصيد، أن المشهد السياسي المغربي مطبوع أيضا بـضعف المبادرة الحزبية و”ضمور الفكر السياسي” وغياب النخب الحزبية المنتجة للمفاهيم الجديدة، مسجلا أن الفاعلين السياسيين صاروا ينتظرون مخططات الدولة وبرامجها والمفاهيم الجديدة التي “ستنزل عليهم من فوق” حسب وصفه، ما أدى إلى وقوع نوع من التصحر في الفكر السياسي المغربي.
هذا الضعف، بحسب عصيد، يمتد إلى المعارضة سواء كانت مؤسساتية أم راديكالية كالنهج أو العدل والإحسان، والتي قال إنها لم يعد لها وجود كبير في الساحة، ما يفسر الحضور القوي للدولة في مختلف الفضاءات.
كما سجل عصيد وجود إشكالية ترتبط بعدم حسم الدولة في الخيارات الأساسية لها، حيث لازالت تتراوح بين اعتماد الأصالة بدون فرز أو نقد أو مراجعة “وبين عالم الحداثة الذي لم نتمكن من إدخاله في العقول” يقول المتحدث، موضحا “أنجزنا القطار السريع والقناطر والطرق السيارة والبنايات لكننا نسينا بناء الإنسان والمواطن من خلال العقل، ما جعلنا في أزمة قيم خطيرة في المجتمع”.
وفي السياق ذاته، سجل عصيد وجود مفارقة في أن الدولة تتقدم إلى الأمام للحديث عن التنمية، والنموذج التنموي والأوراش الكبرى، لكنها لم تستكمل الإصلاح السياسي، الذي هو أساس في أي نجاح للمشاريع التنموية.
وأضاف أنه على الرغم من كل العمل الذي تم القيام به لإنجاز وثيقة النموذج التنموي بعد حوارات اللجنة المكلفة بصياغته مع مختلف الأطراف السياسية، فإن هذا العمل لم يظهر في البرنامج الحكومي، مشيرا إلى خلاصات الدراسة التي امتدت أربعة أشهر والتي بينت أنه بنسبة 95 في المائة يغيب النموذج التنموي عن البرنامج الحكومي.
واعتبر عصيد أن ذلك يعني أن ثلاث سنوات من الزمن تم إنفاقها في النقاش لإنجاز وثيقة النموذح التنموي لكن في النهاية لم تجد سبيلا إلى المشروع الحكومي، مع أن النموذج التنموي مؤطر بتحقيقه في 15 سنة أي أن حكومة أخنوش ملزمة بتحقيق ثلث ما جاء في هذا المشروع.