أمد/ تشير نتائج استطلاعات الرأي الأخيرة في الضفة الغربية، إلى تحول لافت في أولويات الرأي العام الفلسطيني، حيث باتت الغالبية تميل إلى التركيز على القضايا المعيشية اليومية أكثر من الانشغال بالخطاب السياسي أو التحركات الدبلوماسية على الساحة الدولية. هذا المزاج الشعبي يعكس، بوضوح، حالة الإرهاق التي يعيشها المواطن الفلسطيني نتيجة تراكم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، مقابل غياب حلول ملموسة تترجم إلى تحسين في مستوى الحياة.
في ظل انسداد الأفق السياسي منذ سنوات طويلة، وتراجع الثقة بالمسار التفاوضي أو بقدرة السلطة على إحداث اختراقات في ملفات كبرى مثل الاستيطان أو إنهاء الاحتلال، يتجه المواطنين إلى التفكير في الأولويات، قبل أي خطاب سياسي.
وبحسب الأرقام الإحصائية تعد البطالة هي القضية الأكثر إلحاحاً، فهي ليست مجرد رقم اقتصادي، بل هي انعكاس مباشر لشعور واسع بانعدام الأمل لدى الشباب، الذين يشكلون الشريحة الأكبر من المجتمع.
وإلى جانب البطالة، تأتي قضية الرواتب التي تمس شريحة واسعة من موظفي القطاع العام، خصوصاً المعلمين والكوادر الطبية، وهي الفئات التي تمثل عموداً فقرياً لأي استقرار اجتماعي أو خدماتي.
هذه النتائج تكشف أن الفجوة بين القيادة السياسية والمواطنين تتسع يوماً تلو الآخر، لكن تركيز السلطة في كثير من الأحيان، ينصب على الخطاب الدولي والمشاركة في المؤتمرات والمنتديات، وهو ما يراه المواطن أن ما تقوم به السلطة لا يركز على واقعه المعيشي المباشر، ولا يحقق جدوى ملموسة.
إن الرسالة الأوضح التي تحملها هذه الاستطلاعات هي أن الشرعية الحقيقية في نظر المواطن الفلسطيني، لا تُبنى فقط عبر التمثيل السياسي، بل عبر الاستجابة العملية لمطالبهم اليومية.
ويمكن قراءة هذا التحول على أنه جرس إنذار للسلطة الفلسطينية، فإذا استمرت أولوياتها على هذا النحو، من دون أن تعكس تطلعات الشعب الملحة، فقد تجد نفسها أمام تآكل تدريجي في قاعدة التأييد الشعبي، كما أن تجاهل القضايا المعيشية قد يفتح الباب أمام قوى أخرى، سياسية أو مجتمعية، لملء الفراغ عبر تقديم حلول بديلة ولو جزئية، وهو ما قد يعيد تشكيل الخريطة الداخلية الفلسطينية.
ومن المؤكد، أن القضايا الجماهيرية اليومية، لا تعني أن المواطنين تخلوا عن الحقوق الوطنية، أو فقدوا اهتمامهم بالتحرر من العدوان، بل إن ما يحدث هو إعادة ترتيب للأولويات في ظل واقع معقد لا يبدو أنه سيتغير في المدى القريب.
هذا التحول يضع أمام السلطة الفلسطينية تحدياً مضاعفاً، أن تُثبت قدرتها على معالجة الملفات الداخلية العاجلة من جهة، وأن تحافظ على زخم القضية الوطنية من جهة أخرى، والموازنة بين هذين المسارين قد تكون مفتاحاً لاستعادة الثقة وبناء علاقة أكثر تماسكاً بين القيادة والشعب.