سبعُ نقاط في فهم الغُلوّ الصهيوني
أمد/ بعد أن أعطى الإذن باغتيال حسن نصر الله صعد “بنيامين نتنياهو” درج مقر الأمم المتحدة في نيويورك ليتلو كلمته الصاخبة كعادته، ولم يتوقع أن يكون بانتظاره حشدٌ كبير من الرافضين لمنهجه الغوغائي بالحديث، وأسلوبه الدموي في حل القضايا المصيرية، وعقله المحوري حيث هو محور الأحداث، فانسحبت عديد الوفود من القاعة كما كانت المظاهرات في كل مكان تهتف باسم فلسطين وباسم السلام بين الشعب الفلسطيني وبين اليهود بالعالم فيما لم يستطع لا هو ولا آلته الاعلامية الدعائية والتضليلية أن تتهم المتظاهرين بالاتهامات المعلّبة من كراهية اليهود تحت مصطلح “معاداة السامية” ما هو بالحقيقة معاداة نهج “نتنياهو” الاستئصالي للشعب العربي الفلسطيني وقضيته، وللقيم الانسانية العالمية.
لم يكفّ نتنياهو عن صبّ اللعنات والاتهامات في خطابه معروف الصياغة وحجم المخاتلات والتدليسات الواردة فيه والمعروف انسياقه وراء عمليات الاستعراض والإبهار الذي كان منه في خطابه الموصوف اتهام الرئيس أبومازن بأنه يقود حربًا دبلوماسية ضده، وبالتالي هو يمارس الإرهاب ما يعني تهديدًا ضمنيًا ليس لشخص الرئيس فقط، وإنما لمسار السلام الذي يتبرأ منه علانية كل يوم، وسيظل دومًا وكما لا يخجل من إعلانه النصر عليه.
خطابات المكان: يتخطى “نتنياهو” فلسطين في كل خطاباته ويكاد يسدل الستار على القضية الفلسطينية وهو مسعاهُ منذ أكثر من 30 عامًا عندما أصدر كتابه الباحث عن “مكان تحت الشمس” أو “مكان بين الأمم” على افتراضه أن لا شعب ولا قومية ولا أمة يستحق الفلسطينيون أن ينتموا لها، لاسيما أنه لا توجد فلسطين أصلًا في قاموسه والفكر الصهيوني واليميني اليهودي.
إنها فلسطين التي لم يلفظ اسمها قط منذ تعلّم على يدي والده ومعلمه المتطرف الكبير “زئيف جابوتنسكي” الذي لم يقرأ قطعًا ل”هيرودوت” أبوالتاريخ الذي رأي فلسطين فدوّن عنها وعن شعبها الفلسطيني بالكتاب التاريخي الأول، وما لم يشاهده أو يكتبه عما هو رائج بمصطلحات أومسميات الرواية الصهيونية اليوم، لأنها لم توجد أصلًا.
على منبر الأمم المتحدة وقف نتنياهو تتملكه النشوة، ويذكّر الحضور بماضيه “المجيد” بالدفاع عن “إسرائيل” وعن محوره هو أي محور الخير والنعمة والبركة! لاسيما أنه ببهرجة عروضه ضمن خطاباته سواء داخل فلسطين أو بالخارج يلجأ للتشبيهات والأمثلة والآيات التحريضية التأويلية المقتطفة من التوراة، بل ومعرّضًا ببعض الآيات القرآنية كمثال “بيت العنكبوت” بعقلية تفهم وتعي بلا شك، ولكنها حبيسة أدراج الأوراق الكثيفة التي أنتِجت عبرالزمان بشكل أساطير وخرافات ضمها كتاب لم يعد صالحًا كتاريخ قط، كما قال البحاثة الإسرائيليون أنفسهم امثال زئيف هرتزوغ وإسرائيل فنكلستاين وشلومو ساند وإيلان بابيه والكثير من المستنيرين اليهود والتقدميين والعلماء المختصين بالعالم.
وقف “ابويائير” بالانتخابات الأخيرة ليضع شعار عجيب غريب ومضلّل للعرب الفلسطينين بالداخل أنه نصًا “ملتزم بتحقيق المساواة بين العرب واليهود في البلاد”!؟ وهو أي نتنياهو “أبويائير” لا يدّخر جهدًا بتعميق “قانون القومية اليهودي” العنصري الأبارتهايدي، من جهة وبتواصل قصقصة أجنحة الفلسطينيين بالداخل، والى ذلك مدعيًا أن جمهوره العربي “الغفير” هو من أطلق عليه كنية أبويائير على عادة العرب بالتكنية تحبّبًا!
وقف “أبويائير” على منصة الأمم المتحدة ليرفع خريطتين بكليهما أسقط دولة فلسطين كالعادة ومحاولًا القفز عن العقدة العظمى (حيث السلام يبدأ من فلسطين والحرب تبدأ من فلسطين كما قال الخالد ياسر عرفات) فصنع محورين اثنين هما كما كتبهما على رأس الخريطتين محور البركة أو النعمة Blessing (الخير) الذي نصّب نفسه عليه “مرشدًا أعلى” مقابل “المرشد الأعلى” لمحور اللعنة Cures أو النقمة (الشر) ممثلًا بمرشد الثورة الإسلامية في إيران.
لم يتوانى “بنيامين نتنياهو” في مواصلة مسلكه الإقصائي للمخالفين سواء في فلسطين، أو بإطاره السياسي الإسرائيلي، فهذا نهج راسخ ذو طابع مبدئي قِيَمي تاريخي “إلهي” حسب قناعاته والى جواره كل الصهاينة أمثاله، واليمين المبتلَى بالتفسيرات السوداوية الذي كان له الدور الأكبر في مقتل الجنرال “رابين” ثم الخالد ياسر عرفات، وما يعني ذلك من ضرورة قذف الاتهامات بكل الاتجاهات للمخالفين الخارجين سواء من هم ضمن محور اللعنة أو من هو ضمن محور الاعتدال الفلسطيني أو العربي.
الغُلو الصهيوني: إن مهمة القفز عن القضية المركزية أو الرئيسية أي قضية فلسطين هو المسعى الصهيوني واليميني الإقصائي الذي لا يرى أمامه إلا أشتات أناس مقيمين (دون إرادته ولا رغبته) في فلسطين، التي يأبى تسميتها بفلسطين مُصِرًا دون أي دلائل تاريخية على وجوده هو وأبيه ونسله فيها من آلاف السنين رغم أن الأرض تعرف أصحابها وتنطق باسمهم كل يوم.
كان “بنيامين نتنياهو” المنتشي بانتصاراته فوق آلاف الجماجم يمارس الغلو (التطرف) منذ دخل المعترك السياسي وتطرف غُلوًا أوعُلُوًا (نسبة لمن يتعالون ويتكبرون بالأرض حسب السياق القرآني، وليس فقط القبيلة القديمة المندثرة) الى اللحظة التي ترقبها بأن يجد المبرّر العظيم لتحقيق أحلامه بتدمير وسحق الشعب الفلسطيني الذي لا يعترف أصلًا بوجوده (بن كفير وسموتريش وآخرون استخدموا مصطلح السحق ضد الفلسطينيين، ثم مؤخرًا ضد حزب الله واللبنانيين)، وإنها “حلم” أو “حقيقة” قيام دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس، وعودة اللاجئين، لذا اتخذ من المباغتة في 7 أكتوبر التي اقتربت ذكراها من العام منصّة ومبررالانقضاض حتى على ما قد صنعه عبر “صفعة القرن” التي تجاوز بها مع رفيق دربه الرئيس الامريكي السابق عنق فلسطين، ليطل من عباءة العرب ظانًا كل الظن أن الثمرة التي أطعمها عبر “اتفاقيات ترامبأبراهام” لمن توافقوا معه، ستكون حلوة بفم الحكومة السعودية وهو ما لم يكن.
لم تصل “نتنياهو” الجائزة الضخمة المتوقعة من بلد الحرمين ونحن في فلسطين حيث الحرم الثالث، ولن تصله لذلك أكّد بكل ثقة أنه كان وسيظل الطاغية المُهيمن على المنطقة العربية أوما يسميها الغرب “الشرق الاوسط”، فهو مؤسس الإمبراطورية (التي حذّره الكاتب الإسرائيلي عاموس هرئيل في صحيفة هآرتس من التفكير بها، ولينظر لواقعه أفضل له) وربّ النعمة ومن سيلحق به سيأكل الشهد متسلحًا بانجازاته التي لا ينكرها الا جاحد! والمتمثلة بالسعي لإفناء الشعب الفلسطينيغير الموجود أصلًا بعُرفه! وتهجيره وإبادة أرضه كما يحصل في غزة وفي الضفة وفي الآونة الاخيرة على نفس المنوال في لبنان الشقيق.
انتصارات أمريكية: مما هو واضح أن كل العمليات العدوانية التي قام بها الجيش الإسرائيلي المتحالف مع الجيش الامريكي على مدار العام الكئيب والدامي في فلسطين كانت بموافقة أمريكية صاخبة أو لطيفة والتي قد تتمنّع ظاهريًا أو تطرح محدّدات أو تبرز بعض التباينات في الإعلام، لكنها سرعان ما تلحق ب”الانتصارات” التي يحققها “نتنياهو” على حساب دماء الشعب العربي الفلسطيني ثم اللبناني (والسوري بالغارات على سوريا) فتتبناها أمريكا بلا جدال كما هو الحال مؤخرًا مما نراه من الموافقة الأمريكية (ربما للمرة المائة) على القرارات الإسرائيلية بغزو لبنان وباغتيال القيادات هناك وبالرد على الإيراني.
وقبله بعشرات أو مئات الموافقات على كل حركة وخطوة اتخذها ليحتل كامل قطاع غزة، الذي رغم عدد الضحايا الهائل من المدنيين الأبرياء ما لم يحصل مثيله وضمن الزمن المحدد والمساحة المحددة بتاريخ الحروب قاطبة، ليثبت الشعبُ الفلسطيني وأبطاله في مواجهة هذا الفاشي أنه شعبٌ قادر وقائم وعظيم ولن يقعد عن مواجهته بكل أشكال المواجهة، لكنه أي “نتنياهو” وزمرته لم يرتدع حتى الآن في فشل أخلاقي فظيع حيث خيار التصعيد والدمار والحقد والكراهية هو الاستراتيجية الوحيدة التي يعرفها “ومازال له وجه يذهب به الى الأمم المتحدة ويتحدث عن أمور وهمية، دولة جميلة العائق الوحيد بينها وبين السلام العالمي هو نفس الشريك الغائب” كما ذكّره بذلك الكاتب الإسرائيلي “يوعنا غونين”.
نرصد ونتفكر ونتعلم
يمكننا أن نرصد ونتفكّر ونتعلم حين النظر بأسباب عمق تطرف رئيس الوزراء الإسرائيلي وغلوّه وطغيانه وحلمه الامبراطوري بالهيمنة على منطقتنا بالفترة الأخيرة خاصة، وضمن من يناصره من أصحاب العقل الصهيوني والديني المتطرف استنادًا لعوامل منها التالي:
1غُلو وعلوّ تاريخي خرافي: إن العُلُوّ أو الغُلوّ (المغالاة والتشدد) والتطرف بالتفكيروالفعل لدى “نتنياهو” ارتبط برواية وتاريخ وأيمان قلنا أنه تاريخي أسطوري خرافي لا ينفك يردّده في كل آن، دون النظر لحجم التخلّي العلمي عن هذا الإرث لدى العلماء أولًا، ثم لدى شعوب العالم المحبة للسلام وفي المقدمة طلابها وشبيبتها الناهضة، والتي ترى من أقواله وأفعاله ما يعاكس قيم الأديان عامة، وقيم الحق والحرية والعدالة الانسانية. فيما على الجهة المقابلة أي العربية والاسلامية تجد تفتتًا وضبابية وضعفًا حتى في صياغة الرواية الموحدة، فما بالك بالتناسق في المواقف السياسية المرتبطة بالأفعال المؤثرة!
2تعامل الحلفاء: النظام الأمريكي بجناحيه الديمقراطي والجمهوري هو النظام الذي ساهم بانشاء الكيان الصهيوني على أرض فلسطين منذ موافقته على إعلان بلفور عام 1917 م، كانت له الأسبقية باعتماد الإسرائيلي حصنًا من حصون أمريكا وولاية من ولاياتها، رغم بعض العنعنات باستعراض القوة أحيانًا بين الجهتين، إلا أنهما يسندان بعضهما البعض فتركب أمريكا البحر خلال دقائق وتتموضع في البحر المتوسط خلال برهة من الوقت أساطيلها وطائراتها وأسلحتها المدمّرة، وكامل استخباراتها ودعمها ب”الترليونات” من الأموال، ما يوضح معنى التحالف العظيم.
فيما بالجهة المقابلة لدى محور النقمة أو اللعنة كما أسماه “نتنياهو” لا تجد من يفعل المثل سواء باستخدام القوة أو بالحراك الاقتصادي أو حتى الدبلوماسي المثمر، لنعود لنظرة الأنظمة العربية “التقدمية” للثورة والمقاومة الفلسطينية بأن مهمة المقاومة ما هي إلا خدمة هذاالنظام أو ذاك وهو ما ثارعليه ياسر عرفات فصنع استقلالية القرار الوطني الفلسطيني في إطار العمق العروبي، وما لايتماثل مع الواقع القائم اليوم.
فمن سيحقق أهدافه في إطار هذا الفهم أهو محور البركة المدعى أم محور اللعنة!
3حكمة الانتصار والجولات: علينا أن نتعلم، لذا من المفيد تكرار الإشارة لما قاله الأمين العام لحزب الله في خطابه الأول بعد المباغتة المشهودة في 7 أكتوبر 2023م، إذ قال حكمتين واضحتين الأولى أنكم (يقصد حماس) حققتم الانتصار باليوم الأول. وكرّرها كما كرّر استقلالية قرار الفصيل، وفيها من المعاني الرمزية الكثير والتي منها أن أمامكم حرب عالمية أظنه وعاها ليهمس عبر هذه الكلمات بأذنهم أن تفكّروا وراجعوا وافهموا أن الانتصار المتحقق تم باليوم الأول ونقطة، لا يعني أن يُكمل العاقل ذات المسار في ظل الاختلال الفظيع بمستوى القوى، وإنما يعني أن تفكّر باليوم التالي حيث ضرورة توفر البدائل والسيناريوهات، فتراجع وتتفكر وربما تغيّر المسار، وتحتضن شعبك وتفعّل البدائل. فالقادم داهم لا محالة وهو ما حصل.
وكنا قد أشرنا لذلك منذ الشهر الأول، أما الحكمة الثانية التي ألقاها في وجه المتأملين بقيام الحزب بهجوم “لا يبقي ولايذر” على شمال فلسطين! “أن هذه الحرب لا يتم الانتصار بها بالضربة القاضية”، وعليه تتم الغَلَبة بالنقاط وهناك جولات ثم جولات، بمعنى أنه آن الأوان لهذه الجولة أن تنتهي استعدادًا لجولة قادمة، ما لم يكن الوعي بها واضحًا في ظل الاندفاع الذي قابله تهييج وتحشيد وتهويل إعلامي لمقدرات تنظيم (أو تنظيمات) يخوض حرب عصابات ضد أقوى جيش بالعالم أي الجيش الامريكيالإسرائيلي والنتيجة كما نراها بالدمار الهائل والإبادة اليومية.
4مفهوم القوة الحقيقي: إن القوة الإسرائيلية لم تأتِ من قوتها العسكرية الفائقة والمتطورة فقط، وإنما جاءت مقترنة بقوة هائلة على الصعيد الاقتصادي بما فيه الزراعي والصناعي، ومن خلال دعم العقل ومنهجة التعليم الموجّه بل شديد التوجيه، ودعم التفكيروالأبحاث بكافة المجالات…، ولك النظر بقوة الأسطورة والرواية سواء التاريخية التناخية (التوراتية). أوالحديثة بكل وضوح وما التف حولها من استغلال مصطلحات “الهولوكوست” و”معاداة السامية”، و”الديمقراطية الوحيدة بالشرق الاوسط”، و”الجيش الاخلاقي”، و”حق الدفاع عن النفس”..الخ، وبالطبع القوة التقانية (تكنولوجية) التي تتفوق فيها بالسنين الضوئية على المحيط الراكد علميًا، وفيما سبق ذكره على كل الدول العربية المجاورة وغير المجاورة.
أضف الى ذلك عمق تحالفاتها التي استندت لوعي المؤسس الأول “حاييم وايزمان” أول رئيس للدولة الإسرائيلية حين قال بلا مراوغة وبوضوح وناسبًا الفضل لنفسه وكان صادقًا: أننا حققنا قيام دولة “إسرائيل” أولًا بالاعتراف العالمي، ومن ثم بالقوة. أي قاصدا كل أشكال القوة التي أولها العسكرية، ثم ما ترابط بها. لكنه أوضح أن الاعتراف العالمي بأهمية وضرورة وأساسية الوجود للكيان هو الأصل، وإن كان بالحقيقة أن “نتنياهو” وزمرته اليوم لم يتعلموا أن الدولة الفلسطينية قائمة رغم أنوفهم وستستقل وتتحرر أيضًا رغم أنوفهم المرفوعة تكبّرا وترفعًا، وسيعلم “نتنياهو” أن التهديد المستمر للمجتمع اليهودي داخل الكيان لن يجديه نفعًا، في ظل المفاهيم العالمية التي تجعل من الحرية والعدالة وحق الشعوب أساس حراكها الذي لن يهدأ حتى يقتلع الشجرة الخبيثة من جذورها.
5تحطيم الافتراضات المسبقة والمُسَلّمات: إن من أسباب الغلوّ الصهيوني خلال هذه العام الدامي والدامع والمكلّل بالسواد هو عدم وعينا نحن الفلسطينيين أو العرب عامة بالنظر لمسار الأحداث الرهيبة في قطاع غزة التي اتخذت منذ الأسبوع الأول طابعًا عالميًا، أي المواجهة مع أمريكا.
وفي ظل هذه الحرب العالمية سقطت عديد الافتراضات لدى كثير من المحلّلين تباعًا التي منها أن مقتل الجنود الإسرائيليين في الميدان سيكبح أي تقدم للجيش الإسرائيلي الغازي، وعليه فليتفضل بالدخول البرى فهو لن يجروء على دخول مدينة غزة! ولكنه فعلها، ولن يجرؤ على دخول مدينة خانيونس بريًا! ولكنه دخلها ثم هو لن يجرؤ على دخول مدينة رفح! فحطّم وقتل ودمّر وصولًا الى محور صلاح الدين، وأعاد القطاع للعصر الحجري كما قال اليمين الإسرائيلي العنصري.
وبذات الوقت حطّم الافتراضات أوالفرضيات الأخرى بأنه سيتهاوى تحت الضغط الشعبي الداخلي، أو أن السياق السياسي الإسرائيلي المناهض له سيطيح به! وهاهو اليوم يأتيه راكعًا تائبًا كما فعل صديقه اللدود “ساعر”.
كما سقطت الافتراضات أن الدور الكبير لمحكمة العدل الدولية والجنائية الدولية ستكون من كوابح طغيان قوته وعلوّه بالأرض ولكنه كعادته ضرب كل ذلك بعرض الحائط كما ضرب بمئات قرارات الأمم المتحدة عرض الحائط، ولم يجد من الأمريكي المدافع عنه ظالمًا أو مظلومًا الا بعض اللوم العلني، وعميق الدعم الذي لا يتوقف قط.
6كسرُ المحرمات والتفوّق التقاني: استطاع الجيش الإسرائيلي كسر كل المحرمات الانسانية من جهة حين ألقى بحقيبة الأخلاق من أول نداء للحربعادته، وكسر كل الفرضيات أوالمسلمات القائلة بضعفه الميداني وعدم قدرته على تحمل الخسائر البشرية من جهة أخرى، واستطاع الى ذلك أن يعمّق تفوقه الاستخباري والتقاني (تكنولوجي) فيما ظهر من استخدامه الذكاء الاصطناعي في قتل الآلاف في قطاع غزة، ثم ما حصل بتفجير أجهزة النداء الآلي في لبنان، وما لحقه وكان قد سبقه من عمليات خاصة ذات طابع جراحي من جهة، وتدميري من جهة أخرى بقتل قيادت “حماس” والفصائل الأخرى بما فيها حركة “فتح”، ومؤخرًا باغتيال معظم قيادت الصف الأول في حزب الله الذي انكشف سياسيًا وعسكريًا وجماهيريا حين وقع في خطيئة غزوة سوريا والاصطفاف مع طرف ضد الآخر، ثم ما كان من إشارات سلبية أرسلها لعموم اللبنانيين حين احتل بيروت فجمع من الأعداء حوله لربما أكثر من الأصدقاء، ورغم محاولة الإسناد الأخيرة لفلسطين في حرب غزة الا أن عمق الألم البشري ثم الاختراق كما تشير التقارير للحزب ولإيران، وفي الساحة السورية قد أعطى للإسرائيلي تفوقًا كان يسعى له منذ هزيمته في لبنان عام 2006م.
7محور البركة بمواجهة محور اللعنة: استطاع “بنيامين نتنياهو” الذي اكتسب خبرة الطغيان والعلُو ونشدان العظمة أن يتوّج نفسه ملكًا على “إسرائيل”، ومؤخرًا مرشدًا أعلى لمحور “البركة” كما أسماه، ويُرسل عميق الرسائل الصاروخية القاتلة المدوية للدول التي لم تلحق بعد بقطار الاستتباع لبركة نظامه الفاشي والعنصري المهيمن.
أستطاع “نتنياهو” أن يحافظ على ثبات أفكاره ومبادئه (أن جاز تسميتها مباديء) ويحقق صلابة عزّ نظيرها مع قائد غيره، يلفظ جماهيره المتعطشة للحوار وصفقة تطلق سراح المخطوفين ليجعل هذه الأمر خلف ظهر الجميع بمبادراته العسكرية العدوانية المتلاحقة عوضًا عن ثباته الفكراني (الأيديولوجي) عند شطب القضية الفلسطينية الى الأبد كما يحلم، فلا مكان لدولة ولا شعب في فلسطين لغير دولته التي صنعتها الأمم المتحدة التي يكرهها. ويسنده جمهوره اليميني “الكهاني” العنصري الحالم، فهو (والمتطرفين الصهاينة واليمين الحاكم) الباحث عن مكان بين الأمم أو تحت الشمس التي يجب ألا تطلع على العربي عامة، أو العربي الفلسطيني. إضافة الى تسلمه راية “البركة” والإرشاد العظيم بسحق الامة العربية ثم حين يحقق حلمه بتحويل إيران الحالية الى إيران الصديقة كما كان عليه الحال أيام الشاه فيدوم “انتصاره” ويحقق الحلم الأعظم.