أمد/ سوء التقدير السياسي الاميركي تسبب في حرب فيتنام، وكذلك بالابتعاد عن الدول الاسيوية، لا سيما الصين، وكما ان التطرف بمساندة الرأسمالية، ومعادة الشيوعية، زادا من الحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة.
كذلك الغطرسة المبنية على جهل بالثقافات الاخرى، كانت السبب بفرض رؤية احادية تقوم على مقولة الرئيس الراحل هاري ترومان ” على العالم أن يعيش وفق النمط الأميركي” التي لا يمكن جعلها حقيقة في عالم متنوع الثقافات.
لذا حين تقرأ تاريخ الولايات المتحدة باقلام اميركية تنتهي إلى استنتاج “ساذج من يتحالف مع واشنطن”، واذا اجتمع كل ذلك مع الرؤية إلى المصالح الضيقة، والـ”بزنس” الموقت، القائم على مبدأ “كثير منقطع خير من قليل دائم”، تدرك أن السياسة الاميركية الخارجية هي لعبة مصالح خاصة لجماعات وافراد وشركات تستخدم الابتزاز طريقا لها، وليست سياسة دولة عظمى، كالصين وروسيا وغيرهما من الدول.
وايضا حين تصبح صناعة الاسلحة طوال نصف قرن هي الحاكمة في اروقة المؤسسات الرسمية، وتتحكم بصناعة القرار، يؤدي كل ذلك إلى الصورة الحالية السيئة في اذهان سكان العالم كافة عن الولايات المتحدة، وهو ما كان حذر منه الرئيس أيزنهاور في خطابه الوداعي عام 1961.
ففي كتاب “موجز التاريخ الاميركي” لروبرت م. كروندن، كانت ابلغ جملة كتبها المؤلف “سوء التقدير السياسي الاميركي تسبب بالكثير من الازمات، حرب فيتنام، وبعدها افغانستان والعراق، وكلها إما كانت مبنية على سوء تقدير فاضح، او استغلال الظروف لمصالح بعض الشركات، كإصرار جورج بوش الابن على التدخل في العراق”، ومسرحية كولن باول في مجلس الامن، لان مصالحه الخاصة فرضت ذلك.
هذا يدفعنا إلى معرفة السبب الذي يجعل دولة تقيم ما بين 750و800 موقعاً ومنشأة عسكرية في نحو بين 70و80 دولة وإقليماً، وفقاً لتقارير وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) والأبحاث المستقلة، فهي كلها تخدم مصالح خاصة، وليست مصالح دولة.
لهذا تدخلت، وتتدخل بعشرات الصراعات في العالم، كما أنها اكثر دولة تفرض عقوبات على اشخاص او دول، وشركات، لانها تستخدمها بشكل مكثف كأداة للسياسة الخارجية كي ترهب من يعاديها، ولدى وزارة الخزانة سلطة واسعة في هذا المجال، ورأينا كيف تعامل وفد هذه الوزارة من المسؤولين في لبنان، وفرضه قرارات تؤدي إلى انقسام بين اللبنانيين.
لهذا حين يسأل الرئيس الاميركي الحالي دونالد ترامب: “لماذا العرب والمسلمين يكرهوننا”؟ تكون الاجابة بسؤال: ماذا فعلت الولايات المتحدة تاريخياً لكسب رضى العالم؟
فمنذ نهاية الحرب العالمية الاولى، واقله في الشرق الاوسط، شهدت انتقالاً من سياسة العزلة إلى التزايد التدريجي في التدخل، مع التركيز على تأمين المصالح الحيوية، كالبترول.
وفي الفترة لاحقة، تحولت الأولويات لتشمل الانغماس اكثر في الصراع العربي الإسرائيلي لمصحلة تل ابيب، فيما كان الشعار الاشهر والذي لا يزال عنوان التدخل الاميركي في العالم “مكافحة الارهاب”، الذي لم يتحدد معناه في السياسة الاميركية الخارجية اطلاقا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
إن تدخلات واشنطن في الشؤون الداخلية للدول لم تختلف، مهما تعاقبت الادارات، لانها الوسيلة الوحيدة لها كي تفرض سلطته غير الواقعية، وعلى هذا الاساس لا يمكن الوثوق بواشنطن على انه وسيط نزيه، بل وحدهم السذج من يصدقون ذلك، او اولئك الذين يطمعون بمصالح آنية على حساب اوطانهم.
هؤلاء نظرهم قصير لأنهم لم يتعلموا ممن خدم الولايات المتحدة، وبعد انتهاء مصلحتها ترميه، وعلينا في هذا الشأن أن نتذكر العملاء الفيتناميين الذي تركهم الجيش الاميركي يواجهون مصيرهم، وكذلك الافغان، اما اشهر الذين رمتهم واشنطن في سلة المهملات جنرال بنما مانويل نورييغا، الذي تحالف معها، وتجسس لصالحها لكنها انقلبت عليه عام 1989.
ربما من المناسب أن نتذكر مقولة نابليون، إذ حين احتل النمسا وقد اراد الجنرال الذي ساعده على ذلك مصافحته، فقال عبارته الشهيرة “خذ أجرك…لكني لا أصافح من خان بلاده”، فالاميركيون يستخدمون المرء ثم من يتخلصون منه، ويدفعوه ثمن ذلك.
استناداً إلى ذلك، لا يمكن الوثوق بالولايات المتحدة الاميركية، لذا حين نقرأ تصريحات الرئيس الاميركي دونالد ترامب عن أنه انهى ثمانية حروب، وفي الوقت نفسه نراه يعتدي على فنزويلا، ويجهز لغزو نيجيريا، فهذه محض دعاية يصدقها البلهاء، نرى بوضوح انه يستخدم “الابتزاز” لتحقيق مصالحه.
لهذا إن الرهان على الولايات المتحدة كالرهان على سراب، او كما قال الرئيس المصري الراحل حسني مبارك “المتغطي بأميركا عريان”، وكانت هذه خلاصة تجربته مع الاميركيين، فهو كان وضع كل اوراقه بيد واشنطن، لكنها خانته.
خلاصة القول: على اللبنانيين الذين يراهنون على الادارة الاميركية الحالية، إن يستيقظوا من احلامهم، ويتذكروا المثل الشعبي “يلي باعك ببصلة، بيعه بقشرتها” وواشنطن عينها على البصلة وقشرتها، ولن يكسبوا منها إلا ريحتها، فمن كان “ابوه بصل (اسرائيل) وأمّه ثوم (الولايات المتحدة)، من وين بدها تجي الريحة الطيبة”؟
لهذا تذكروا ايها اللبنانيون أن ” ألف دعوة ما مزّقت قميص، وألف زلغوطة ما جوّزت عريس”، فإتكلوا على ما لديكم من قوة، ولا تصدقوا راعي البقر.
