أمد/ المقدمة

زيارة المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي للإعلام العربي، أفيخاي أدرعي، إلى مدينة طولكرم أو تزامن ظهوره الإعلامي مع العمليات العسكرية الجارية هناك، أثارت تساؤلات متعددة حول أهدافها الحقيقية ورسائلها السياسية والأمنية.

ففي ظل تصاعد التوتر في الضفة الغربية واتساع نطاق الاقتحامات الإسرائيلية، يأتي هذا الظهور في سياق يختلط فيه البعد العسكري بالميداني، والرسالة السياسية بالحرب الإعلامية، بما يعكس منهجاً إسرائيلياً يسعى إلى توظيف الإعلام كأداة مكملة للعمليات الأمنية على الأرض.

أولاً: الأهداف المعلنة والخلفيات المحتملة

رغم أن البيانات الرسمية الإسرائيلية تحدثت عن “عمليات لإحباط نشاطات مسلحة” و“مصادرة أسلحة”، إلا أن مؤشرات عديدة تُظهر أن الزيارة تتجاوز بعدها الميداني لتلامس أبعاداً سياسية ونفسية أعمق:

1. توظيف الإعلام لخدمة العمل العسكري

إن وجود أفيخاي أدرعي، المعروف بنشاطه المكثف على المنصات الرقمية، يشير إلى مسعى لدمج الإعلام ضمن منظومة العمليات العسكرية. فالمتحدث الرسمي لا ينقل الحدث فقط، بل يشارك في صياغة رواية إسرائيلية موجهة للرأي العام العربي والدولي، تسعى لتبرير الاقتحامات وتصويرها على أنها إجراءات “دفاعية”.

2. إيصال رسائل سياسية متعددة الاتجاهات

الزيارة تحمل رسائل واضحة إلى الأطراف الفلسطينية مفادها أن إسرائيل ما زالت قادرة على تنفيذ عملياتها داخل مناطق مصنفة “أ” دون قيود، في إشارة إلى تراجع الالتزام بالترتيبات الأمنية السابقة. كما أنها موجهة إلى الداخل الإسرائيلي لتأكيد استمرار فاعلية الجيش وقدرته على فرض الأمن رغم التحديات.

3. جمع المعلومات وتعزيز الوجود الميداني

من الناحية الأمنية، تُظهر العمليات المرافقة للزيارة سعياً إسرائيلياً لتكثيف الجهد الاستخباري، وجمع المعلومات حول البنية التنظيمية للمجموعات المسلحة في شمال الضفة الغربية، بما يتناسب مع استراتيجية “الضربات الاستباقية” التي تنتهجها المؤسسة الأمنية الإسرائيلية منذ بداية العام الجاري.

ثانياً: التداعيات الميدانية والسياسية

1. تصاعد حالة التوتر الأمني

تزامن زيارة أدرعي مع عمليات قوات جيش الاحتلال في طولكرم ومخيم نور شمس، مما أسفر عن وقوع خسائر مادية وبشرية، وأدى إلى حالة من التوتر المستمر في المنطقة. هذا الواقع يزيد من احتمالية توسّع دائرة الاشتباك ويفتح الباب أمام مؤشرات زيادة موجات تصعيد جديدة في مدن الضفة الغربية.

2. انعكاسات على السلطة الفلسطينية والمشهد الداخلي

التكرار المستمر للاقتحامات الإسرائيلية داخل مناطق خاضعة للسلطة الفلسطينية يضع الأخيرة أمام تحدٍّ سياسي وشعبي صعب، ويضعف من صورتها كجهة قادرة على حماية المواطنين أو ضبط الميدان. وهو ما يعيد إلى الواجهة النقاش حول جدوى التنسيق الأمني وآفاق العملية السياسية.

3. الأثر الإعلامي والدبلوماسي

في الوقت الذي تحاول فيه إسرائيل عبر المتحدثين الرسميين تبرير عملياتها بأنها “دفاعية”، تتصاعد في المقابل الانتقادات الدولية والمنظمات الحقوقية التي تعتبر أن هذه العمليات تنتهك القانون الدولي وتفاقم المعاناة الإنسانية للفلسطينيين.

هنا يظهر البعد الدعائي للزيارة كأداة لتقليل الأضرار المعنوية التي تتكبدها إسرائيل أمام الرأي العام الدولي.

ثالثاً: القراءة الاستراتيجية

الزيارة لا يمكن قراءتها بمعزل عن المشهد الإقليمي الأوسع. فالتحركات الإسرائيلية في طولكرم تأتي في إطار استراتيجية شاملة تقوم على:

تكثيف الضغط في الضفة الغربية لإضعاف أي بنية مقاومة مسلحة ومنع تكرار نموذج غزة في الشمال الفلسطيني.

إدارة الصراع إعلامياً عبر استخدام منصات التواصل كجبهة موازية للميدان، تهدف إلى تشكيل الرأي العام وتوجيه الخطاب العربي باتجاه قبول الرواية الإسرائيلية.

توظيف العمليات الميدانية لتعزيز الموقف السياسي في أي مفاوضات قادمة، من خلال فرض وقائع أمنية جديدة على الأرض.

بهذا المعنى، تمثل زيارة أفيخاي أدرعي أحد تجليات “التحول الإعلامي الأمني” في الاستراتيجية الإسرائيلية، حيث يُستخدم الإعلام ليس فقط لنقل المعلومات، بل لبناء سردية متكاملة تسوّغ الفعل العسكري وتُعيد تعريف الصراع من منظور إسرائيلي.

رابعاً: التداعيات المستقبلية المحتملة

1. احتمال التصعيد المحدود

استمرار سياسة الاقتحامات وعمليات “الضربات الاستباقية” قد يؤدي إلى تصعيد محدود في مناطق شمال الضفة، مع احتمال تمدده في حال توسعت الردود الفلسطينية.

2. تزايد الضغوط على السلطة الفلسطينية

كل عملية إسرائيلية جديدة داخل المدن الفلسطينية تُضعف موقف السلطة، وتعمّق الفجوة بينها وبين الشارع، مما قد يعجّل في المطالبة بإعادة هيكلة العلاقة الأمنية والسياسية مع الاحتلال.

3. انعكاسات على المسار الإقليمي والدولي

تكرار مثل هذه الزيارات والعمليات قد يضع إسرائيل أمام انتقادات متزايدة، ويؤثر على علاقاتها مع بعض الأطراف الإقليمية والدولية، خصوصاً في ظل التغيرات الجارية في مواقف الرأي العام العالمي تجاه القضية الفلسطينية.

الخاتمة

زيارة أفيخاي أدرعي إلى طولكرم سواء كانت ميدانية فعلية أو جزءاً من حملة إعلامية مرافقة تمثل نموذجاً واضحاً لسياسة إسرائيلية تدمج بين العمل العسكري والإعلامي لتحقيق أهداف أمنية وسياسية متشابكة.

لكنها في الوقت ذاته تكشف هشاشة المعادلة الأمنية الإسرائيلية في الضفة الغربية، حيث لا تزال المواجهة مفتوحة، ولا يبدو أن الحل العسكري أو الإعلامي قادر على تحقيق استقرار دائم في ظل غياب أفق سياسي واضح والدفع باتجاه مسار سياسي ينهي الصراع ويحقق الأمن والسلام المنشود ومفتاحه الاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

إن معالجة جذور الأزمة تتطلب تحركاً سياسياً جدياً يعيد الاعتبار للقانون الدولي وللحقوق الفلسطينية المشروعة، ويضع حداً لاستخدام القوة والإعلام كأدوات لإدامة الصراع بدلاً من حله. ويفضي لتحقيق الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة

شاركها.