رويترز: إسرائيل تسابق الزمن لتحقيق مكاسب قبل الانتخابات الأمريكية
أمد/ تل أبيب: يسعى القادة الإسرائيليين إلى اقتناص مكاسب استراتيجية من مقتل رئيس المكتب السياسي لحماس يحيى السنوار، تتجاوز الانتصارات العسكرية لإعادة تشكيل الساحة الإقليمية لصالح إسرائيل وحماية حدودها من أي هجمات في المستقبل، وفقاً لمصادر مطلعة على طريقة تفكيرهم.
وقالت ثمانية مصادر لرويترز إنه مع اقتراب موعد الانتخابات الأمريكية، تسارع إسرائيل إلى إلحاق أقصى ضرر بحركة حماس في غزة وجماعة حزب الله في لبنان وانتهاز اللحظة لإنشاء مناطق عازلة بحكم الأمر الواقع في محاولة لرسم واقع لا رجعة عنه قبل تولي رئيس أمريكي جديد السلطة في يناير (كانون الثاني).
وقال دبلوماسيون غربيون ومسؤولون لبنانيون وإسرائيليون ومصادر إقليمية أخرى إن إسرائيل تريد بتكثيف عملياتها العسكرية على حزب الله وحماس ألا يعيد أعداؤها، وراعيتهم الرئيسية إيران، تنظيم صفوفهم ليهددوا الإسرائيليين مرة أخرى.
ومن المتوقع أن يستغل الرئيس الأمريكي جو بايدن مقتل السنوار للضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو لإنهاء الحرب في غزة. لكن الزعيم الإسرائيلي قد يفضل الانتظار حتى نهاية ولاية بايدن ويجرب حظه مع الرئيس المقبل، سواء كان المرشحة الديمقراطية كاملا هارس نائب الرئيس، أو منافسها الجمهوري دونالد ترامب الذي تربطه علاقات وثيقة بنتانياهو.
وقبل النظر في أي اتفاقات لوقف إطلاق النار، تحث إسرائيل الخطى في حملتها العسكرية لإبعاد حزب الله عن حدودها الشمالية، كما تتوغل في مخيم جباليا للاجئين المكتظ بالسكان في غزة في مسعى يخشى الفلسطينيون ووكالات للأمم المتحدة أن يكون محاولة لعزل شمال غزة عن بقية القطاع.
وتعتزم إسرائيل أيضاً الرد على هجوم بوابل من الصواريخ الباليستية نفذته إيران في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) وكان ثاني هجوم إيراني مباشر على إسرائيل في ستة أشهر.
وقال ديفيد شينكر، مساعد وزير الخارجية الأمريكي الأسبق لشؤون الشرق الأدنى والزميل البارز حالياً في معهد واشنطن البحثي “هناك مشهد جديد، وتغير جيوسياسي جديد في المنطقة”.
وأضاف شينكر أنه قبل هجوم حماس في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، كانت إسرائيل “مستعدة للتهاون مع تهديد مرتفع”، وذلك بالرد بضربات محدودة على إطلاق صواريخ من حماس وأعداء آخرين، لكن “الأمر لم يعد كذلك”.
وتابع أن “إسرائيل تقاتل هذه المرة على جبهات كثيرة، هناك حماس، وحزب الله، وإيران قادمة قريباً”.
تصفية للحساب
وقال نتنياهو في بيان أمس الخميس إن مقتل السنوار “تصفية للحساب”، لكنه أكد أن حرب غزة ستستمر بكامل قوتها حتى عودة الأسرى الإسرائيليين.
وأفاد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري أن القضاء على السنوار يمثل “إنجازاً عظيماً” في جهود تدمير الجهاز العسكري لحماس، لكنه أضاف أن هناك قادة آخرين في غزة.
وأكد القيادي في حماس خليل الحية اليوم الجمعة، وفاة السنوار، وقال إن الرهائن الإسرائيليين لن يعودوا حتى ينتهي “العدوان” وتسحب إسرائيل قواتها.
ضربات متتالية
ووجهت إسرائيل ضربات قوية أخرى لأعدائها، إذ أدت سلسلة من الضربات الكبيرة إلى مقتل قيادات بارزة منهم إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي السابق لحماس ومحمد الضيف، القائد العسكري للحركة، وحسن نصر الله الأمين العام لجماعة حزب الله، وفؤاد شكر القائد العسكري البارز للجماعة اللبنانية.
وتقول إسرائيل أيضاً إنها قضت على آلاف من مقاتلي الجماعتين، واستولت على شبكات أنفاق عميقة وقلصت بشدة مخزونهما من الأسلحة.
وفي سبتمبر (أيلول)، انفجر آلاف من أجهزة الاتصالات المفخخة التي يستخدمها أعضاء حزب الله في هجوم لم تؤكد إسرائيل أو تنف مسؤوليتها عنه.
وقالت المصادر التي تحدثت إلى رويترز إن طموحات إسرائيل تتخطى الانتصارات العسكرية قصيرة الأجل مهما بلغت أهميتها.
يستهدف التوغل البري في لبنان الذي بدأ الشهر الماضي إبعاد جماعة حزب الله نحو 30 كيلومتراً عن الحدود الشمالية إلى ما وراء نهر الليطاني، وضمان تجريد الجماعة اللبنانية تماما من أسلحتها بعد 30 عاماً من الدعم العسكري من إيران.
وقال مسؤولون إسرائيليون إنهم بذلك ينفذون قراراً للأمم المتحدة يستهدف الحفاظ على السلام في المنطقة وحماية سكانها من الهجمات عبر الحدود.
ما هو القرار 1701؟
واعتمد مجلس الأمن الدولي القرار 1701 بعد الحرب السابقة بين إسرائيل وحزب الله في عام 2006 لكن لطالما انتهكه الطرفان.
وأجاز القرار إنشاء قوة الأمم المتحدة المؤقتة لحفظ السلام في لبنان (اليونيفيل) بهدف مساعدة الجيش اللبناني في إبقاء المنطقة الواقعة جنوبي النهر خالية من الأسلحة والمسلحين باستثناء ما يتبع الدولة اللبنانية.
وتشكو إسرائيل من أن القوتين، الجيش اللبناني واليونيفيل، لم تتمكنا قط من انتزاع السيطرة على المنطقة من حزب الله.
ويقول المسؤولون الإسرائيليون إن الحل العسكري هو السبيل الوحيد لتطبيق القرار 1701 وضمان العودة الآمنة لنحو 60 ألف من السكان الذين نزحوا من شمال إسرائيل.
وأوضح مصدر دبلوماسي إسرائيلي لرويترز “في الوقت الراهن الدبلوماسية ليست كافية”.
وتقول السلطات اللبنانية إن الهجوم على حزب الله أدى إلى نزوح أكثر من 1.2 مليون شخص في لبنان، معظمهم من الشيعة الذين يستمد حزب الله الدعم منهم.
وواجهت إسرائيل أيضاً انتقادات دولية بسبب حوادث أطلقت فيها قواتها النار على مواقع لليونيفيل مما أدى إلى إصابة عدد من جنود القوة الدولية.
وقال مسؤول أمني لبناني ودبلوماسي مطلع على الوضع في جنوب لبنان إن إسرائيل تريد طرد اليونيفيل من المنطقة إلى جانب حزب الله.
وقال المسؤول الأمني إن القوات الإسرائيلية قاتلت من أجل الوصول إلى نقاط المراقبة الاستراتيجية، وهي التي تتمركز عندها قواعد اليونيفيل.
وأضاف الدبلوماسي أن “هدفهم هو تطهير هذه المنطقة العازلة”.
وقال إن هذا قد يستغرق بضعة أسابيع، إذا كانت إسرائيل تستهدف تطهير مواقع حزب الله وإزالة بنيته التحتية من شريط ضيق من الأراضي اللبنانية على طول الحدود، لكن تطهير أي مساحة أعمق من ذلك سيستغرق وقتاً أطول بكثير بالوتيرة الحالية.
الهجمات على اليونيفيل
ورفض نتانياهو يوم الاثنين الماضي اتهام القوات الإسرائيلية بتعمد استهداف قوات اليونيفيل، لكنه قال إن أفضل طريقة لضمان سلامتهم هي تلبية المطالبة بالانسحاب المؤقت من مناطق القتال. ويقول الجيش الإسرائيلي إن حزب الله يعمل من نقاط داخل مواقع اليونيفيل أو بالقرب منها منذ سنوات.
وأفادت الأمم المتحدة أن قوات حفظ السلام التابعة لها لن تترك مواقعها في جنوب لبنان.
وقال جان بيير لاكروا، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لعمليات السلام، للصحافيين يوم الاثنين الماضي أيضاً “يتعين علينا الوقوف ضد… كل ما يوحي بأن عدم تنفيذ القرار 1701 يرجع إلى عدم تنفيذ اليونيفيل له، وهو شيء لم تكن مخولة به قط”.
وأكد لا كروا على أن اليونيفيل تلعب دوراً داعماً.
ويتفق مبعوثون دبلوماسيون من الأمم المتحدة والولايات المتحدة وغيرهم من الدبلوماسيين على أن إحياء القرار قد يوفر الأساس لوقف أعمال القتال، لكن يتعين وضع آليات أفضل للتطبيق والتنفيذ.
وقال داني دانون سفير إسرائيل في الأمم المتحدة لرويترز يوم الاثنين الماضي إنه يريد أن يرى “تفويضاً أكثر فاعلية لقوات اليونيفيل لردع حزب الله”.
وقالت إسرائيل العام الماضي لعدد من الدول العربية أنها تريد أيضاً إقامة منطقة عازلة على الجانب الفلسطيني من حدود غزة، لكن لم يتضح بعد مدى العمق الذي ترغب إسرائيل في أن تكون عليه هذه المنطقة أو كيفية تنفيذها بعد انتهاء الحرب.
وأثار الهجوم الإسرائيلي المستمر على مخيم جباليا الذي تعرض لقصف عنيف في بداية الحرب مخاوف بين الفلسطينيين ووكالات الأمم المتحدة من أن إسرائيل تريد إخلاء شمال غزة من السكان. وينفي الجيش الإسرائيلي هذا ويقول إنه يحاول منع مقاتلي حماس من إعادة تجميع صفوفهم لشن هجمات أخرى.
وفي مايو (أيار)، توغلت القوات الإسرائيلية في محور فيلادلفيا (صلاح الدين)، وهو شريط ضيق يمتد على طول الحدود الجنوبية لقطاع غزة مع مصر، لتتمتع إسرائيل بسيطرة فعلية على جميع الحدود البرية للأراضي الفلسطينية.
مشكلة اليوم التالي
وقالت إسرائيل إنها لن توافق على وقف دائم لإطلاق النار دون ضمانات بأن من سيحكم غزة بعد الحرب سيكون قادراً على منع استخدام المحور لتهريب الأسلحة والإمدادات إلى حماس.
وأصبحت إيران أيضاً تحت عدسة الاستهداف بنيران إسرائيل في أعقاب الهجوم الصاروخي في الآونة الأخيرة الذي شنته طهران رداً ضربات إسرائيلية استهدفت إيران ووكلاءها.
ويترقب الشرق الأوسط بقلق رد فعل إسرائيل خشية أن يؤدي ردها إلى تعطل أسواق النفط وإشعال حرب شاملة بين العدوين اللدودين.
وقال وزير جيش الإسرائيلي يوآف غالانت الأسبوع الماضي إن الرد سيكون “فتاكاً ودقيقاً، وقبل كل شيء، غير متوقع”، رغم أنه قال أيضاً إن إسرائيل لا تتطلع إلى فتح جبهات جديدة. وحذرت إيران مراراً من أنها لن تتردد في اتخاذ إجراء عسكري مرة أخرى إذا ردت إسرائيل.
وتدعم الولايات المتحدة، وهي المورد الرئيسي للأسلحة لإسرائيل، الحملات على الأهداف المدعومة من إيران مثل جماعة حزب الله وحركة حماس اللتين تصنفهما الولايات المتحدة منظمتين إرهابيتين أجنبيتين.
لكن التوترات تصاعدت بينهما مع محاولة المسؤولين الأمريكيين إقناع إسرائيل بتحسين الظروف الإنسانية في غزة وتقليص الضربات الجوية على المناطق السكنية والتفاوض على وقف إطلاق النار.
وهناك أسباب أخرى للتوتر مثل محاولات بايدن التواصل مع إيران عبر محادثات غير مباشرة لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015، ومعارضته لأي ضربات على المنشآت النووية الإيرانية. وتعتبر إسرائيل البرنامج النووي الإيراني تهديداً وجودياً لها.
تأثير الانتخابات الأمريكية
ويرى بعض الدبلوماسيين أن نتنياهو ربما ينظر أيضاً إلى مدى تأثير وقف إطلاق النار على الانتخابات.
وأضافوا أن حدوث أي انفراجة قد تساعد هاريس، بينما يفضل نتانياهو التعامل مع ترامب الذي يتسق معه أكثر في آرائه المتشددة فيما يتعلق بإسرائيل والفلسطينيين وإيران.
وقال مروان المعشر وزير الخارجية الأردني الأسبق ونائب رئيس قسم الدراسات في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي ومقرها الولايات المتحدة “لا يوجد سبب يدعو نتنياهو إلى وقف حروبه قبل الانتخابات الأمريكية… لن يمنح هاريس أي فضل أو هدية قبل الانتخابات”.
وحتى الآن، يمضي نتنياهو في عزمه فيما يبدو على إعادة رسم الخريطة حول إسرائيل لصالحه من خلال تطهير الحدود من أعدائها.
وقال المسؤول السياسي اللبناني، “وضع فوزه في جيبه ويواصل حروبه ويفرض وضعاً إقليمياً جديداً بحكم واقع الحال”.